جاءت عملية أسر السفينة الإسرائيلية من قبل أنصار الله لتوجّه ضربة أخرى لإسرائيل، في الوقت الذي تسخن فيه الجبهة بين لبنان وإسرائيل أكثر فأكثر

في خطوة تصعيدية قام عناصر من حركة أنصار الله بالسّيطرة على سفينة شحن مملوكة لرجل أعمال إسرائيلي، وعلى متنها خمسة وعشرون بحاراً إسرائيلياً أثناء مرورها في مضيق باب المندب الواصل بين المحيط الهندي من جهة والبحر الأحمر من جهة أخرى.

وقد جاء هذ بعد أيام من إعلان زعيم الحركة السيد بدر الدّين الحوثي عن قراره بمنع السفن الإسرائيلية أو تلك التي تحمل بضائع من وإلى إسرائيل من العبور في المضيق، وذلك في موقف تضامني مع غزّة ضدّ ما تتعرّض له على يد الاحتلال الإسرائيلي. والجدير ذكره أنّ هذ الاحتجاز يأتي في تصعيد من قبل الحركة ضدّ إسرائيل، تلا قيام الحركة بتنفيذ هجمات بالصواريخ البعيدة المدى والمسيّرات ضدّ إيلات في جنوب إسرائيل، ردّاً على "العدوان الإسرائيلي على الشّعب الفلسطيني" كما ورد في بيانات الحركة.

لا شكّ أنّ أهداف الحركة قد تكون نابعة من مشاعر التضامن العربي والإسلامي مع الشّعب لفلسطيني كما أعلنت الحركة، إلّا أنّه يشكّل ضربة جديدة لخطوط الإمداد والتجارة التي تعتمد عليها إسرائيل. فهذه الخطوة الحوثية تهدّد أحد الشرايين الرئيسية التي تعتمد عليها إسرائيل في وصل تجارتها بين شرق المتوسط والمحيط الهندي.

وتأتي هذه الضربة لتكمل على ضربة أخرى تلقّتها إسرائيل على يد حركة المقاومة الإسلامية حماس عندما اجتاح مقاتلوها المستوطنات والقواعد العسكرية الإسرائيلية في منطقة غلاف غزة. وقد جاء الهجوم بعد أسابيع قليلة على إطلاق الولايات المتحدة لمشروع الممرّ الهندي الشرق أوسطي الأوروبي، الذي يهدف إلى عرقلة وصول مبادرة حزام وطريق إلى غرب آسيا، وعرقلة خط شمال جنوب من إيصال روسيا إلى المحيط الهندي.

والجدير ذكره أنّ هذا الخط لا يمثّل فقط شرياناً تجارياً منافساً للخطوط التجارية آنفة الذكر، بل يهدف إلى ترسيخ أسس النظام الشرق أوسطي بزعامة إسرائيلية والذي يجب أن يكون تابعاً للهيمنة الأميركية.

وحتّى تكتمل عناصر هذا النظام الإقليمي "الأميركي" فإنّ الولايات المتّحدة سعت لإقامة شراكة بين إسرائيل والأردن والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتّحدة من جهة، وتهميش أقطار عربية وإسلامية كان لها دور ريادي في المنطقة مثل مصر وسوريا والعراق وإيران وتركيا، وفقاً لما يشير إليه مسار هذا الممر الهندي الشرق أوسطي الأوروبي.

لذا فإنّ الهجوم الذي قامت به حماس على مستوطنات غلاف غزة لم يوجّه ضربة قاصمة فقط للعقيدة الأمنية الإسرائيلية وللأمن القومي الإسرائيلي، بل إنّه وجّه أيضاً ضربة قاسية للقاعدة التي يستند إليها مشروع الممرّ هذا بحكم أنّ إسرائيل هي التي ستلعب دور صلة الوصل الرئيسية بين أوروبا من جهة والهند من جهة أخرى، من خلال الجسر الذي يمرّ عبر الدول العربية الثلاث الآنفة الذكر.

كلّ هذا يأتي في إطار استراتيجية وحدة ساحات المقاومة ضد إسرائيل والولايات المتحدة

وقد جاءت عملية أسر السفينة الإسرائيلية من قبل أنصار الله لتوجّه ضربة أخرى لإسرائيل، في الوقت الذي تسخن فيه الجبهة بين لبنان وإسرائيل أكثر فأكثر، والذي يترافق مع عمليات يقوم بها الحشد الشعبي ضدّ القواعد الأميركية في العراق وسوريا.

لا شكّ أنّ كلّ هذا يأتي في إطار استراتيجية وحدة ساحات المقاومة ضد إسرائيل والولايات المتحدة، والتي كان قد أعلنها الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، والتي تقضي بعدم السماح لإسرائيل بالاستفراد بفصيل مقاوم وإشغال تل أبيب في القتال على عدّة جبهات. إلّا أنّ لهذه العمليات أبعاد أخرى تساهم في عرقلة المشروع الأميركي المتمثّل بالممرّ الهندي الشرق أوسطي الأوروبي، أكانت حركات المقاومة أو الدول لأعضاء في محور المقاومة تعي أم لا تعي ذلك. فهذه الهجمات أمّا تستهدف مباشرة أو غير مباشرة هذا الممر بما يشكّل مصلحة للدول التي ستهمّش من قبل هذا الخط.

وإذا كانت مصر لا تملك أن توجّه هكذا تحدّي نتيجة القيود الكبيرة المفروضة عليها، وإن كانت كلّ من سوريا والعراق غارقتين في مشاكلهما، وإن كانت تركيا ترتبط بعلاقات وثيقة مع دول حلف الناتو والولايات المتحدة، بما يمنعها جميعاً من توجيه هكذا تحدّي، فإنّ ايران تبقى الوحيدة القادرة على توجيه هكذا تحدّي عبر رعايتها لفصائل محور المقاومة.

هذا يفسّر لماذا اعتبر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أنّ "عملية الاحتجاز هي بمثابة هجوم إيراني على سفينة دولية" متّهما الحوثيين بالقيام بالعملية بناء على تعليمات إيرانية." ولا شكّ أنّ نتنياهو يعي أنّ إيران هي أبرز قوّة إقليمية تشكّل تحدّياً للهيمنة الأميركية والإسرائيلية، وهو لم يأل جهداً في محاولته إقناع الأميركيين بتوجيه ضربة عسكرية لطهران، وهو ما رفضته حتّى الآن واشنطن، وخصوصاً الإدارات الديمقراطية.

لذا فإنّ طهران سارعت إلى رفض الاتّهامات الإسرائيلية حيث اعتبر المتحدّث باسم وزارة الخارجية الإيرانية ناصر كنعاني أنّ "هذه الاتهامات فارغة وتنجم عن الظروف المعقّدة التي يواجهها الكيان الصهيوني."

وتستبعد مصادر أن تؤدّي عملية احتجاز الباخرة إلى تدخّل عسكري أميركي ضد اليمن خصوصاً في ظلّ محاولات واشنطن تهدئة واحتواء النزاع والذي أدّى بها إلى حدّ التصادم مع نتنياهو. إلّا أنّه من شأن هذه العملية أن تزيد من حجم الضرر والتآكل في مشاريع الهيمنة الأميركية.

وسفينة "غالاكسي ليدر" هي حاملة مركبات بُنيت عام 2002 وترفع علم جزر بهاماس. وقد غادرت كورفيز في تركيا وكانت في طريقها إلى الهند عندما انقطع الاتصال بها السبت جنوب غرب مدينة جدّة السعودية. والجدير ذكره أنّ "المجموعة المالكة لحاملة المركبات مسجّلة باسم راي كار كاريرز . والشركة الأم لهذه المجموعة مدرجة باسم أبراهام رامي أونغار، ومقرّها إسرائيل." وسبق أن تعرضت سفينة "تجسسية" يملكها أونغار، وهو رجل أعمال إسرائيلي، في شباط فبراير 2021 لهجوم في خليج عمان.