حزب الله هو جزء من معركة طوفان الأقصى منذ البداية...

فاجأ الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله العالم بخطاب "غير تصعيدي" أدلى به للمرّة الأولى بعد اندلاع الصّراع في غزّة. هذا الخطاب تلاه خطاب آخر بعد أسبوع لمناسبة يوم شهيد حزب الله الذي أطلقه في حفل أقيم في 11 تشرين ثاني 2023، وكان أيضا "غير تصعيدي" أشار فيه الأمين العام إلى أنّ الخطاب سيتبع الميدان الذي يقرّر هو سقف التصعيد، دالّاً على أنّ المواجهة القائمة في الجنوب بين حزب الله من جهة وإسرائيل من جهة أخرى هي في تصاعد بمعزل عن الخطابات.

خطاب السيد نصر الله فاجأ البعض وعلى رأسهم بعض إعلاميي "الممانعة" الذين انبروا قبل الخطاب الأول في مزايدات خطابية رفعت سقف التوقّعات، وأوهمت جزءاً كبيراً من الجمهور بأنّ السيد نصر الله سيعلن في خطابه اقتحام الحزب للجليل وحتّى تحرير القدس. لذلك فإنّ الجمهور الذي تلقّف الخطاب الأول انقسم لقسمين، القسم الأول ممّن "خاب أمله بحسن نية" والقسم الآخر ممّن اتّخذ من ذلك ذريعة لكيل الاتّهامات لحزب الله باعتماد "شعارات فارغة" و "بعدم الوفاء بوعوده."

إلّا أنّ المراقب ذو "العقل الهادئ" كان يمكن له أن يتوقّع عدم اندفاع السيد نصر الله وراء خطاب شعبوي قد يؤدّي إلى تطوّرات غير محمودة. فالحزب دخل في المعركة في اليوم التّالي على هجوم حركة المقاومة الإسلامية حماس على مستوطنات غلاف غزة، وهو في المواجهة مع الجيش الإسرائيلي تكبّد خسائر كبيرة تجاوزت السبعين شهيدا حتّى الآن، وهو نصف عدد شهداء الحزب خلال عدوان تموز 2006 على لبنان. كذلك فإنّ الخسائر الإسرائيلية على الجبهة اللبنانية جاوزت خمسين قتيلاً، عدا عن تدمير عدد كبير من التحصينات والمواقع الإسرائيلية على طول خطّ الحدود اللبنانية الفلسطينية وبعمق جاوز العشرين كيلومترا داخل الأراضي الفلسطينية. إضافة إلى ذلك فلقد ساهمت "مشاغلة" الحزب لإسرائيل في تعطيل الحياة الاقتصادية الزراعية والصناعية في الكيبوتزات في شمال فلسطين المحتلّة، إضافة الى إجبار إسرائيل على نشر نحو 80 ألف جندي إسرائيلي موزّعين على ثلاث فرق عسكرية على طول الحدود مع لبنان، ما منعهم من استخدام هذه القوّات ضد حماس في غزة. هذا كله أشار إليه الأمين العام لحزب الله في خطابه الأول والثاني، يضاف إليه الخسائر الكبيرة بالعتاد الصهيوني والتي بلغت عشرات الدبابات والآليات العسكرية.

إذن حزب الله هو جزء من معركة طوفان الأقصى منذ البداية، رغم أنّه لم يتم إبلاغه بموعد الهجوم الحمساوي على منطقة غلاف غزة، وفقاً لما أعلنه السيد نصر الله. ومع حزب الله فإنّ باقي فصائل محور المقاومة انخرطت بدرجات في الصّراع الدائر على أرض فلسطين. فاليمن أعلنت الحرب رسمياً على الكيان وأطلقت صواريخ بالستية ومسيّرات وصل بعضها إلى إيلات، على الرّغم من اعتراض أجهزة دفاع جوي عربية وأميركية وإسرائيلية لها. والحشد الشعبي في العراق بدأ بشنّ هجمات على القواعد الأميركية في العراق وسوريا، ما أدّى إلى "إصابة 56 جندياً أميركياً بارتجاج بالدماغ ومقتل جندي بالسكتة القلبية" وفقا لبيانات الجيش الأميركي. والصواريخ تنطلق من الجولان باتّجاه مستوطنات أصبع الجليل وبحيرة طبريّا. كلّ هذا يشير إلى أنّ "غزّة ليست وحدها" وفقاً لمعلّقي محور المقاومة.

هذا يطرح موضوع الاستراتيجية التي يعتمدها هذا المحور ومن ضمنه حزب الله في المواجهة. أنّ القضاء على إسرائيل ليس ممكناً "الآن" بنتيجة المواقف الدولية الراعية للكيان من جهة، وعدم تقبّل حلفاء لمحور المقاومة مثل روسيا والصين حتّى لفكرة زوال إسرائيل من الوجود، كما يعلن أركان المحور. إذن يجب مراكمة الانتصارات "بالنقاط" كما أعلن السيد نصر الله "لأنّ الانتصار بالضربة القاضية" ليس متاحاً الآن. كذلك فإنّ النّصر في هذه المعركة قد تحقّق على الرّغم من الأثمان الباهظة التي يتكبّدها الشعب الفلسطيني، فعقيدة الأمن الصهيونية قد ضُربت وضُرب معها مفهوم الأمن القومي الصهيوني المستند إلى تامين ملاذ آمن لليهود. كذلك فإنّ المشروع الشرق أوسطي المستند إلى دور محوري لإسرائيل قد ضُرب، لأنّ طوفان الأقصى وجّه ضربة قاسية لصلة الوصل بين أوروبا والهند عبر الشّرق الأوسط وهي إسرائيل. إضافة إلى ذلك فإنّ إسرائيل غير قادرة على تحقيق إنجاز عسكري ميداني ضدّ فصائل فلسطينية استعدّت جيّداً للمعركة، وهي توقّع خسائر كبيرة في صفوف الجيش الصهيوني.

المراقب ذو "العقل الهادئ" كان يمكن له أن يتوقّع عدم اندفاع السيد نصر الله وراء خطاب شعبوي قد يؤدّي إلى تطوّرات غير محمودة

كلّ هذا فاقم الأزمة السياسية الإسرائيلية المتفجّرة أصلاً قبل اندلاع عمليّة طوفان الأقصى، فإسرائيل تعاني من حالة عدم استقرار سياسي منذ العام 2018 حيث شهدت إجراء عدّة انتخابات تشريعية أنتجت حكومات هزيلة وعاجزة. كلّ هذا كان نتيجة محاولات رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو للبقاء في السلطة بأيّ ثمن، حتّى لا يمثل أمام المحكمة بتهم فساد. هذه الرّغبة هي التي دفعته حتّى إلى تعديل القانون الأساسي لإسرائيل في محاولة لإخضاع المحكمة العليا الإسرائيلية لسلطة الكنيست، ما أدّى إلى اندلاع مظاهرات متواصلة منذ أكثر من عام احتجاجاً على ذلك، وساهم في زعزعة أداء المؤسستين الأمنية والعسكرية.

كلّ هذا سيق ضد نتنياهو في الإعلام وبين الجمهور الإسرائيلي الباحث عن أسباب وراء الفشل الأمني والعسكري الإسرائيلي في عملية طوفان الأقصى. إذن فإنّه فوق تهم الفساد بات نتنياهو مسؤولاً عن أكبر فشل عسكري في تاريخ إسرائيل، ما سيؤذن حتما بنهايته السياسية فور توقّف صوت المدافع. لذلك فإنّه قد يكون بين قلّة في الكيان يريدون مواصلة العدوان على غزة، وحتّى توسيع هذا العدوان إلى لبنان بحثاً عن فرائس وجثث وغبار دمار يغطّي على فشله.

حتّى الولايات المتحدة الداعمة الأكبر تاريخياً لإسرائيل أعطت نتنياهو مهلة حتّى يحقّق إنجازاً ما قبل توقّف المعارك وإعلان الهدنة. هذه المهلة ليست لأسابيع بل لأيّام قد تقصر في ظلّ الاحتجاجات داخل وزارة الخارجية الأميركية، والانقسامات داخل الحزب الديمقراطي وإدارة جو بايدن.

كلّ هذا يعيه السيد نصر الله، فلماذا الوقوع في فخّ نتيناهو تقديم ما يريده من توسيع للمعركة على طبق من فضة؟ اذن يجب الاناة وترك الأمور تقرّر في الميدان، على أن تكون كلّ الخيارات مفتوحة، فلا قبول لتهديدات أميركية من جهة، ولا اندفاع لتصعيد غير محسوب من جهة أخرى، بانتظار الهدنة التي ستأتي قريباً وستشكّل الإعلان الرسمي عن نصر المقاومة وعلى رأسها حماس في غزة. لذا فإنّه بمنطق السيد نصر الله "النصر صبر ساعة" فصبراً أهل غزة.