كيف لشعب أن ينضب وتوقعات صندوق الأمم المتحدة لسكان غزة الشهر الفائت تفيد بأن نحو 5000 إمرأة من أصل 50 ألف فلسطينية حامل ستلد الشهر الحالي 

تكاد فظاعة المشاهد الدموية والمجازر في غزة تطغى على الإنجازات العسكرية التي تُراكمها المقاومة على امتداد محورها يوماً بعد يوم منذ بدء عملية طوفان الأقصى (7 تشرين الأول)، فالإمعان الإسرائيلي في قتل المدنيين الفلسطينيين من نساء وأطفال في أماكن متفرقة من القطاع ليس عبثياً، ولا يهدف من خلاله الجيش الإسرائيلي لتحقيق ما عجز عن فعله منذ العام 1948 والمتمثل بالقضاء على جميع الفلسطينيين على وجه الأرض، لأن "إسرائيل" أكثر منّا يقيناً بأنَّ "فلسطين ولّادة" وأنّ شعبها لا ينضب وكيف لشعب أن ينضب وتوقعات صندوق الأمم المتحدة لسكان غزة الشهر الفائت تفيد بأن نحو 5000 إمرأة من أصل 50 ألف فلسطينية حامل ستلد الشهر الحالي (تشرين الثاني 2023)، لتنطبق بذلك الصورة الشعرية للمصري هشام الجخ عندما ذكر في متن واحدة من قصائده (التأشيرة) "عمري زادَ عن ألفٍ وأمي لم تزلْ تحبَلْ".

على أرض غزة تبدَّل المشهد الميداني وبدت هشاشة الجيش الذي "كان" في قديم الزمن "لا يقهر" جليّة. هو درس قديم جديد ما تعلّم الإسرائيلي منه شيئاً رغم بساطة خلاصته "أنّ الأرض لأهل الأرض"، والعناوين العريضة التى كتبها منذ ما قبل إعلانه بدء الغزو البري على غزة بدأت تصغر وتصغر وهي في طريقها إلى الاضمحلال، فمن "القضاء على حماس وافراغ غزة من أهلها"، مروراً بفصل الشمال عن الجنوب، استقر الحال بأنّ الجيش الإسرائيلي بما جاء على لسان رئيس وزرائه "بنيامين نتنياهو" حرب غزة ستكون صعبة وطويلة وتكبدنا فيها خسائر مؤلمة".

مقاتلو المحور يلوذون بالاقتراب من العدو بحثاً عن مسافة الصفر

أمّا على الجبهات الآخرى، فإرسال "إسرائيل" سفناً حربية نحو البحر الأحمر رداً على الصواريخ والمسيّرات اليمنية له مدلولات كبيرة ومهمة تشي بأنّ العدو أدرك خطر "اليمن" وصواريخها والتي جاءت على قدر عالٍ من الجدية والضرر، بينما يمكن أن يعتبر هذا الاجراء العسكري بالنسبة للحوثيين فرصةً يحققوا من خلالها هدفاً وانجازاً من نوعٍ آخر على نسق الانجاز الذي حققه حزب الله أولى ايام حرب تموز عندما أعطب البارجة الحربية الاسرائيلية "ساعر - 4" قبالة الشواطئ اللبنانية، والتي قد تكون هدفاً سهلاً بالنسبة لهم.

كذلك، يغفل الإسرائيلي عن أنّ أهمّ ما يمتلك هذا المحور، والتي لا تكمن بالمقدرات العسكرية إنما بكيفية إدارتها فما كان بين أيدي عناصر حزب الله عشية 25 أيار 2000 لا يقارن بما كانت تمتلكه آله الحرب الاسرائيلية حينها واستطاع تحيقيق النصر واخراجها من جنوب لبنان. فملاذ مقاتلي هذا المحور هو الاقتراب من العدو والبحث عن مسافة الصفر التي يخشاها الاسرائيلي وغالبية الجيوش الكلاسيكية والتي دائماً ما يكون لها الكلمة الفصل داخل المعارك الضارية، و"معركة ستالين غراد" و"حرب الفيتنام" مثالَين واضحَين على أهمية العنصر البشري المجبول بالعقيدة القتالية. 

انتهاج الحزب تكتيكاً جديداً على أرض الميدان وقد تُرجم ذلك فعلياًَ بتراجع أعداد الشهداء

في غضون ذلك، تُفصّل مصادر مراقبة للعمليات العسكرية على الحدود الجنوبية اللبنانية جردة الحساب التي أعلن عنها الاعلام الحربي لحزب الله أمس الأول وترى فيها رسائل قوية موجهة لاسرائيل وداعميها، للتأمل ملياً والمقارنة جيداً في تفاصيل الخسائر بين المقاومة والجيش الاسرائيلي منذ 8 تشرين الأول الفائت وحتى يوم أمس. 

وتكشف المصادر نفسها عن انتهاج الحزب تكتيكاً جديداً على أرض الميدان وقد تُرجم ذلك فعلياًَ بتراجع أعداد الشهداء التي تسقط على أرض الميدان، والذي بقي مقروناً بالانجازات العسكرية التي لا تقلّ أهمية عن تلك التي تحققت سابقاً، اذ تمثل آخرها باكتشاف كمين لقوة اسرائيلية متموضعة على "تلة الخزان" واستهدافها بالصواريخ الموجهة ما ادى إلى سقوط جميع أفرادها بين قتيل وجريح. ‏

وتقول المصادر: "إنَّ الأيام الأولى على بدء المواجهات شهدت بعض الأخطاء العسكرية من قبل الحزب والتي كان من الممكن تفاديها لولا الاستخفاف بقدرة العدو الاسرائيلي"، مضيفة: "بعض المقاتلين تعاملوا في الايام الأولى كما لو أنهم يتعاملون مع التكفيريين خلال الحرب السورية، فطبيعة العنصر الاسرائيلي المقاتل مغايرة تماماً حيث لا يمكن التهاون في أدق تفاصيل التموضع القتالي والتمويه غير المكشوف خصوصاً وأن عين الاسرائيلي في السماء طوال الوقت عبر طائرات الاستطلاع".

كذلك، شددت على أن التقنيات الاسرائيلية المستخدمة على الجبهة الشمالية من قبل العدو هي الأكثر تطوراً في العالم اذ استُحدثت اخر الاصدارات من طائرات الاستطلاع والأكثر دقة وحرفية في كشف الاهداف على الأرض ورصدها من خلال التقنيات الحرارية والصوتية على حد سواء. 

استدارة عربية خجولة نحو فلسطين 

على خط آخر، بدأت تتبدل ملامح المشهد السياسي العربي والعالمي، فالصحافة الأميركية التي ناصرت نتنياهو ظالماً وليس مظلوماً أولى ايام الحرب بدأت تتحدث عن ساعات معدودة له في منصبه وعن مهل لتحقيق انجاز عسكري ضد حماس في حين لا تتوانى واشنطن عن ارسال الرسائل التطمينية لمن يعنيهم الأمر، والتي تنص على أن الحشود العسكرية التي استقدمتها الى الشرق الأوسط مهمتها ليس إشعال الحرب بل سحب فتيلها من جهة، وإعطاء دفع معنوي للاسرائيليين من جهة ثانية، فقط لا غير.

ويأتي ذلك كله قبل ساعات من وصول وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكين المتزامن مع كلمة الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله غداً الجمعة، والتي من المقرر أن يتطرّق خلالها إلى تفاصيل ما قد أنجز عسكرياً على طول خط المحور ليرسم أيضاً خريطة طريق الميدان في الأيام المقبلة ويربطها بتطورات الميدان الغزاوي.

أمّا المشهد العربي فبدأت استدارته بخجل نحو فلسطين "تعاطفاً" اذ ترى الانظمة نفسها في مأزق كبير يحتم عليها ملاقاة شعوبها المتعاطفة مع حركات المقاومة والاطفال والمدنيين في منتصف الطريق، فالصواريخ  التي انطلقت من اليمن قد مرت بأجواء بعض الدول العربية من دون اي اعتراض رغم امتلاكها لمنظومات تمكنها من اسقاطها، فيما بدأت دولاً آخرى بالاعراب عن استعدادها استقبال المصابين والجرى الفلسطينيين والمطالبة بفتح المعابر لاجلائهم من غزة ورصد التبرعات، في حين استدعت الأردن سفيرها في "إسرائيل" رغم أن الخطوة جاءت متأخرة كثيراً.