يقول المتابعون إنّ عملية "طوفان الأقصى" أحرجت دولاً وجهات كثيرة في المنطقة والعالم، وكذلك أحرجت مسار التطبيع بين إسرائيل وبعض الدول العربية...

أن يقرّر الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله الإطلالة بعد طول صمت وتساؤلات ودعوات، منذ عملية "طوفان الأقصى" وتداعياتها المستمرّة لبنانياً وعربياً ودولياً، فذلك لأنّه سيكون لهذه الإطلالة في ما قبلها وما بعدها أهدافها وأبعادها التي سيبنى عليها للمرحلة المقبلة، سواء على مستوى القضية الفلسطينية، أو على مستوى المنطقة برمّتها والدور المستقبلي لـ"محور المقاومة" في مواجهة أدوار المحور، أو المحاور الأخرى.

فهذه الإطلالة تأتي في رحاب تسوية يجري العمل على إنجازها وتبدأ بوقف لإطلاق النار في غزة، كما على الجبهة اللبنانية الجنوبية، وينغمس فيها الأميركيون والإيرانيون ودول الخليج العربي ومصر، فضلاً عن دول غربية وشرقيّة ممّن تؤيد هذا الفريق أو ذاك، ولكن هذه التسوية ما زالت "تتفركش" تحت وطأة التعنّت الإسرائيلي واستمراره في قصف غزّة، ومحاولة اقتحامها برّاً لأنّ تلّ أبيب ترى أنّها لم "تشفِ غليلها" من حركة "حماس" ثأراً منها لتنفيذها عملية "طوفان الأقصى" التي هشّمت هيبتها العسكرية والسياسية، وأفقدتها "قوّة الردع" التي كانت تتغنّى بها على مدى سنوات النزاع العربي – الإسرائيلي الذي لم ينته فصولاً بعد.

معادلات جديدة تقوم على تثبيت "الانتصار" الذي تحقّق وتؤسّس لمرحلة جديدة

ويؤكّد عارفون ومتابعون لمجريات الأحداث الجارية وبعضهم قريب من "محور المقاومة" أنّ إطلالة نصرالله المقرّرة يوم الجمعة المقبل تأتي بعدما اتّضح للمحور ما يريده الجانب الاسرائيلي، وكذلك بعدما تجاوزت المقاومة المرحلة الحسّاسة ولم يعد هناك من خوف عليها، نتيجة تراجع احتمالات أقدام الإسرائيلي على خوض حرب شاملة.

وخلال هذه الإطلالة، يقول هؤلاء، سيرسم السيد نصرالله معادلات جديدة تقوم على تثبيت "الانتصار" الذي تحقّق وتؤسّس لمرحلة جديدة، لكن هذه المعادلات لا تسقط من الحسبان أنّ الفرص لدى الإسرائيلي للاستمرار في الحرب وتوسيعه رقعتها ما تزال موجودة، على رغم من أنّ الواقع يدلّ الآن إلى تراجعها، لأنّ الدخول في حرب واسعة لا يمكن تل أبيب أن تقرّرها بمفردها، فهذا الملفّ برمّته بات مرتبطاً بملفّات كثيرة، منها ملفّ الغاز في البحر المتوسّط، فضلاً عن ملفّات أمنية وغير أمنية في المنطقة وخارجها.

وفي هذا السياق يقول المتابعون إنّ عملية "طوفان الأقصى" أحرجت دولاً وجهات كثيرة في المنطقة والعالم، وكذلك أحرجت مسار التطبيع بين إسرائيل وبعض الدول العربية، ما جعل بعضها يقف منتظراً ما ستنتهي إليه الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة لتبني على الشيء مقتضاه، تطبيعاً أو تراجعاً عن هذا التطبيع، فإذا سقطت حركة "حماس" شيء، وإذا انتصرت شيء آخر سواء بالنّسبة إلى هذه الدول أو بالنسبة إلى مستقبل القضية الفلسطينية والنزاع العربي – الإسرائيلي.

وفي هذا السياق، فإنّ الجانب الإيراني، يضيف المطّلعون على موقفه، يعتبر أنّ هناك نصراً تحقّق بفعل عملية "طوفان الأقصى" وما تلاها حتّى الآن، وينبغي العمل على تثبيته والبناء عليه للمرحلة المقبلة. ويعتبر الإيرانيون أنّ هناك مصلحة الآن في التهدئة ولذلك بدأوا يردّدون في الإعلام أنّهم لا يؤيّدون توسيع الحرب، ولكنّهم في اتصالاتهم ومجالسهم مع حلفائهم يؤكّدون أنّ المقاومة أثبتت صموداً وقوة في الميدان وأنّ المصلحة الراهنة تقتضي تثبيت "النّصر المحقّق" بالتزامن مع الانتباه للتهديدات الإسرائيلية والأميركية لأنّ واشنطن وتل ابيب باتتا، بعد "طوفان الأقصىى" تحديداً، غير مأمونتي الجانب نظراً للانهيار السياسي والمعنوي والعسكري الذي أصاب إسرائيل بما تعنيه من قوّة استراتيجية في المنطقة بالنسبة إلى واشنطن والغرب عموماً منذ نشأتها عام 1948 وحتّى اليوم.

وفي تقدير المعنيين أنّ إطلالة نصرالله جاءت للاقتناع بأنّ التهديد الإسرائيلي والغربي المباشر الذي كان يمكن أن يؤدّي إلى نزاع محاور قد انتهى، ولذلك يتوقّع أن يتحدّث الأمين العام لحزب الله في الواقع الجديد والمرحلة المقبلة بتوازناتها ومعادلاتها. مع العلم أنّ البعض يقول أنّ خطابه سيكون بين حدّي الحرب والسلم، لأنّ الأيّام الفاصلة عن موعده صحيح أنّها قصيرة زمنياً ولكنّها طويلة بما يمكن أن تشهده من تطوّرات عسكرية وديبلوماسية...

ويكشف هؤلاء أنّ الاتّفاق على وقف إطلاق النار، كان على شفير الإعلان أثناء زيارة وفد لجنة الشؤون الخارجية والأمن في مجلس الشورى الإيراني الأخيرة لبيروت والتي انتقل منها إلى دمشق، ولكن ما يعطّله إلى الآن هو المحاولات الإسرائيلية لاقتحام غزة ولو بطريقة محدودة، فضلاً عن رفض إسرائيل دخول وفود عربية ودولية إلى غزة، وكذلك رفضها إدخال المحروقات إلى القطاع المنكوب لما تعنيه هذه المادّة من أهمّية خصوصاً بالنسبة إلى القطاع الصحّي فيه، وهو ما تصرّ عليه حركة "حماس" بشدّة وكبند أساسي في أيّ اتفاق سواء على تبادل الأسرى أو غيره.

كذلك فإنّ ما يعوق هذا الاتفاق، في رأي مطّلعين على الموقف الإيراني، هو أنّ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو المأزوم على المستويين الشخصي والسياسي، يدفع في اتجاه إطالة أمد الحرب لأشهر، إذا تسنّى له ذلك، أولاً لأنّه يشعر أنّ "حماس" لم تتضرر عسكرياً بعد إلى درجة تحقيق انتصار عليها إن لم يتمّ سحقها وهذا ما يشعره بهزيمة جديدة أمامها، وثانياً لأنّ نتنياهو يرى في إطالة أمد الحرب ما يمكن أن يوفّر له حبل نجاة من المحاسبة التي تنتظره عند توقف الحرب، وهو يراهن، أو يسعى بكلّ قوة، لتحقيق انتصار ما على حماس لاعتقاده أنّ من شأن هذا النصر أن يجنّبه سيف المحاسبة المسلّط عليه، خصوصاً وأنّه يعتبر أنّ مستقبله السياسي وحتّى الشخصي أمام خطر كبير.

وفي المقابل، فإنّ حركة "حماس" تقف في موقع لا تحسد عليه، إذ أنّ "انتصارها مقبول ومرحّب به بشدّة في الشارع العربي والإسلامي، وحتّى في شرائح كبيرة في المجتمع الدولي، وكذلك مقبول لدى "محور المقاومة" الذي تنتمي إليه رغم أنّه يأخذ عليها أن نفّذت عملية "طوفان الغضب" من دون تنسيق مسبق معه، خصوصاً وأنّ هذه العملية كادت في لحظة من اللحظات أن تؤدّي إلى ادخال هذا المحور في حرب ليس الآن توقيتها من وجهة نظره، ولكنّه نجح حتّى الآن في تلافيها.

لكنّ مشكلة "حماس" المقبولة سياسياً لدى "محور المقاومة" هي أنّها غير مقبولة لدى الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين، الذين يصنفونها في الأساس "حركة إرهابية" كما أنّها غير مقبولة أيضاً لدى عدد من الدول العربية التي عبّرت عن التضامن مع الشعب الفلسطيني في غزة، كما في الضفة الغربية، ولم تعلن تضامناً مع "حماس" مباشرة، فأيّ مسؤول عربي لم ينوّه علناً بها، حتّى أنّ رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس تضامن مع "أهلنا في غزة" وليس مع "حماس" وأخواتها، بدليل أنّ الإسرائيليين أوقفوا المئات من الفلسطينين وقتلوا آخرين في الضفّة ممن ينتمون إلى "حماس" و"الجهاد الاسلامي" ومناصريهما أمام أعين قوى الأمن الفلسطيني التابع للسلطة ولم تمانع الأخيرة في ذلك، ولعلّ السبب في هذا هو "الخلفية الأخوانية" لـ"حماس" كونها إحدى تنظيمات "الأخوان المسلمين".

وعلى هذا المنوال يمكن تفسير موقف الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي الرافض تهجير أو ترحيل الفلسطينيين الغزيين إلى سيناء وقوله أن ينقل هؤلاء إلى صحراء النّقب، ومن ثم إعادتهم إلى غزة بعد القضاء على حماس و"الإرهابيين" فيها كما قال. ولذلك يقتصر الدور المصري في ما يحصل على تنظيم دخول المساعدات الإنسانية على قلّتها إلى غزّة عبر معبر "رفح" الذي تشرف عليه مصر منذ "اتفاق اوسلو" إلى اليوم.