تحرّك رئيس "التيار الوطني الحر" جبران باسيل باتّجاه المراجع المسؤولة والقيادات السياسية

لم يجد رئيس مجلس النواب نبيه بري غضاضة خلال الجلسة النيابية الأخيرة في دعوة النواب إلى استغلال الواقع الذي فرضته عملية "طوفان الأقصى" والشروع في انتخاب رئيس جمهورية جديد، ليكون للبنان سلطة تواجه تداعيات هذا "الطوفان" الذي أقضّ مضاجع إسرائيل وجعلها في أزمة وجودية. لكنّ هذه الدعوة لم تلق آذاناً صاغية ولا اهتماماً...

وفي ظلّ هذا الواقع تحرّك رئيس "التيار الوطني الحر" جبران باسيل باتّجاه المراجع المسؤولة والقيادات السياسية، بهدف التشاور معها تحت عنوان "حماية لبنان والوحدة الوطنية"، والبحث في ما يمكن القيام به من خطوات على المستوى الوطني لمواجهة المرحلة التي أطلقها "طوفان الاقصى"، والحرب الدائرة في غزة وعلى الجبهة اللبنانية الجنوبية، والتي تسود توقّعات حول اتّساعها إلى حرب مفتوحة تتجاوز لبنان وغزة إلى بقيّة الجبهات في المنطقة، نتيجة الإصرار ظلّ السّعي الإسرائيلي على "الثأر" في ضوء الضربة الكبرى التي تعرّضت لها إسرائيل على كلّ المستويات، وأظهرت فقدانها قوّة الرّدع التي كانت تمتلكها، وجعلتها تشعر بخطر كبير على وجودها دلّ إليه تحرّك الأساطيل الغربية إلى شرق البحر المتوسط، لتطمينها وردع القوى التي تهدّد هذا الوجود.

ولم يظهر من حراك باسيل بعد ما إذا كان يركّز على وجوب الإسراع في الاتّفاق على انتخاب رئيس جديد للجمهورية، ولكنّ الرجل لم يغيّر بعد في مواقفه الرئاسية الداعية إلى اعتماد خيار ثالث غير رئيس تيار "المردة" سليمان فرنجية، وقائد الجيش العماد جوزف عون، والوزير السابق جهاد أزعور الذي تقاطع وفريق المعارضة عليه، علماً أنّ باسيل كان مهّد لجولته التشاورية هذه غداة "طوفان الأقصى" بمواقف حذّر فيها أطرافاً لم يسمّها من الاستثمار على حرب غزة "لفرض رئيس علينا". الأمر الذي فهمه البعض للوهلة الأولى أنّه يقصد بذلك "الثنائي الشيعي" وحلفاءه الذين تماهوا مع "الطوفان" ويدعمونه سياسياً وعسكرياً، ليتبيّن لاحقاً أنّ باسيل يقصد أيضا "الفريق الآخر" الذي يعتقد أنّه في حال مكّنت الدول الغربية إسرائيل من الانتصار في غزّة، فإنّه سيكون من القدرة بدعمها بما يمكّنه من فرض خيار رئاسي من صفوفه.

ويقول قطب سياسي بارز، أنّه سيكون من باب الأعاجيب أو المعجزات أن يلتئم الشمل اللبناني في الظروف الراهنة على انتخاب رئيس جمهورية وتكوين سلطة جديدة قبل انتهاء حرب غزة وما يمكن أن تتطور إليه، علماً أنّ خطّة الطوارئ التي وضعتها حكومة الرئيس نجيب ميقاتي فرضتها تداعيات تلك الحرب واحتمال توسّعها في اتجاه لبنان وسوريا وغيرها، فيما تكوّن لدى ميقاتي من خلال الاتصالات التي تجري بينه وبين كثير من العواصم والمرجعيات العربية والدولية اقتناع بأنّ الحرب طويلة لأشهر، إن لم يكن لأكثر من ذلك بكثير.

إلى أين من هنا؟

يسأل القطب السياسي، ثم يجيب، فيقول أنّ الاسرائيلي هو في اقصى درجات الانفعال حيث تمتلكه الرغبة في الانتقام نتيجة الضربة المزلزلة التي تعرّض لها، ولم يطمئنه حضور الرئيس جو بايدن شخصياً إلى تل ابيب ولا الدعم الخماسي الغربي له بالعدة والعتاد وبحاملات الطائرات والمدمرات والبوارج، ولذلك يعمل لتحقيق "انتصار" يعوّضه ما خسره عسكرياً ومعنوياً ووجودياً، ولكنّه يواجه عقبات وتعقيدات كثيرة، فلديه تفكك في الجيش، وتمرّد في سلاح الطيران، وقلق من جبهة الشمال، وإذا توقف حيث هو يكرّس هزيمته ويزيدها تفاقماً يهدد مستقبله، وإذا اندفع في اجتياح برّي لغزّة فإنّ هذا الاجتياح لن يكون نزهة، وقد يكون محفوفاً بهزيمة إضافية يخشاها بقوة، ولذلك هو يحاول أن يعوّض ذلك بالقصف التدميري الممنهج الذي يفترض أن يمهّد لاجتياح بري لا زال يتردّد فيه، فيما الطيارون الذين يقصفون بدأوا يتذمّرون ويقولون لرئيس حكومة الحرب بنيامين نتنياهو "لقد حوّلتنا قتلة أمام العالم، نحن نقصف مدنيين وأحياء سكنية تمهيداً لتجتاح، ولكنّك لم تفعل بعد ولا تستطيع أن تستمرّ في القصف طويلاً، لأنّه يقتل المدنيين ويدمّر المنشآت المدنية، وهذا ما سيقيم الدنيا ويقعدها علينا". على حد تعبير القطب نفسه.

على أنّه عسكرياً أيضاً، ووفق القطب السياسي المعني والمتابع لكلّ يجري في الميدان، يتكوّن الجيش الإسرائيلي من 7 فرق، ثلاث منها تتمركز على جبهة الشمال مع لبنان واثنتان على جبهة الجولان، وثالثة في الضفة الغربية واثنتان على جبهة غزة، أمّا في الداخل الإسرائيلي فتنتشر بضعة ألوية تحسّباً لأيّ تحرّكات في مناطق عرب 1948 وغيرها. فعلى جبهة الشمال تشاغل المقاومة الفرق الثلاث بما يمنع نتنياهو من تحشيد عسكري أكبر على جبهة غزة، وإن اشتعلت كلّ الجبهات فإنّه لن يستطيع تحقيق أيّ تقدّم عسكري على أيّ منها، وخصوصاً في غزة التي يريد القضاء على حماس فيها، ولذلك هو في وضع صعب، إذ إنّ هذه الجبهات ستفتح كلّها ودفعة واحدة إذا قرّر اجتياحاً برّياً لغزّة لأنّ "محور المقاومة" سيعتبر ذلك قراراً بإنهاء القضية الفلسطينية برمّتها، لأنّ غزة إذا سقطت من يده تسقط الدولة الفلسطينية الموعودة، وسيكون الدورالآتي على الضفّة الغربية القطعة الجغرافية الثانية من تلك الدولة، علماً أنّ الولايات المتحدة الأميركية تؤيّد كما تعلن دوماً "حلّ الدولتين" ولا تؤيّد اجتياح غزة كما قال الرئيس الاميركي جون بايدن لنتنياهو رغم أنّه أيّده في العمل للقضاء "حماس" إذا استطاع إلى ذلك سبيلا.

المواجهات لن تتوقف على جبهة الجنوب، ما لم تتوقف الحرب التدميرية على غزة

وفي الوقت الذي نجح حزب الله بمقاومته حتّى الآن في مشاغلة الجيش الاسرائيلي على جبهة الجنوب، مخفّفاً الضغط إلى حد ما على غزة ومؤخّراً اجتياحها، فإنّ كلّ ما حقّقه في الميدان قد يكون ممهّدات للانغماس في مواجهة كبرى، حيث عطّل بالقصف كلّ مواقع وأبراج وسائل الرصد والاستطلاع والاستعلام والتنصّت على الحدود الجنوبية، ما جعل الإسرائيلي يعتمد على الطيران المسيّر لتعويض ذلك، متخوّفاً من أن يكون هذا التعطيل مقدّمة لاجتياح المقاومة للجليل لحظة توسّع جبهات القتال، علماً، وحسب المعلومات، فإنّ بايدن نصح نتنياهو بتجنّب مواجهة مفتوحة مع "الحزب" أو مع "محور المقاومة" عموماً.

ويقول البعض أنّ حزب الله أدرك منذ اللحظة الأولى أنّ الاتّصالات الخارجية التي تلقّاها خصوصاً من بعض العواصم الغربية هدفت إلى تحييده عن المواجهة، ليس ضنّا بمصلحة لبنان المنهار اقتصاديا وماليا ولا يتحمّل حرباً قد تكون مدمّرة له، وإنّما لتمكين إسرائيل من خوض "معركة مريحة" في غزة تمكّنها من القضاء على "حماس" أو تقويضها عى الأقلّ. ولكن "الحزب" أبلغ إلى الذين اتّصلوا به أنّه يلتزم قواعد الاشتباك في الجنوب، ولكنّه لن يقف مكتوفاً إن تقرر اجتياح غزة.

ولذلك، يقول القطب السياسي إيّاه، انّ المواجهات لن تتوقف على جبهة الجنوب، ما لم تتوقف الحرب التدميرية على غزة، وإنّ من يقود المقاومة لن يتردّد في اتخاذ القرار بالمواجهة المفتوحة على كلّ الجبهات "حتى قبل ساعتين من تأكّده من أن الهجوم البري على غزة بات حتمياً"، وعندها ستكون المنطقة أمام واقع جديد لا يمكن التكهّن من الآن بطبيعته وبما سينتهي اليه.