القادة الإسرائيليون بدأوا يتحدّثون عن أنّ حركة حماس لم تكن لتنجح بهجومها على منطقة حزام غزة، لولا أنّها كانت مدعومة ومدرّبة ومدفوعة إلى ذلك من قبل إيران...

تلقّت إسرائيل ضربة قاسية على يد حركة حماس يوم السبت في السابع من تشرين أوّل 2023. هذه الضّربة تمثّلت بنقل المعركة إلى المستوطنات لأوّل مرّة منذ اندلاع الصّراع العربي الإسرائيلي، ما شكّل ضرباً للعقيدة الأمنية والاستراتيجية الإسرائيلية التي كانت تقول بنقل المعركة إلى أرض الخصم. هذا جعل الكيان يتعرّض لأكبر عدد من الخسائر البشرية ولوقوع عشرات الأسرى في يد مقاتلي المقاومة وهو مشهد لم نرَ له مثيلاً منذ حرب تشرين أول 1973.

الحسابات الإسرائيلية

كلّ هذا جعل القادة الأمنيين الإسرائيليين يشعرون بالحرج في ظلّ تنامي الانتقادات من داخل المجتمع لطريقة أدائهم، ما جعلهم يمعنون باستخدام القوّة والعنف ضد المدنيين الفلسطينيين من دون تمييز، ومن دون أن يحقّقوا إنجازا عسكرياً، ما جعلهم يتخبّطون في الطريقة التي يجب أن يتعاملوا بها. هذا جعلهم يلجأون إلى الحليف الأميركي لنيل الدعم السياسي والاقتصادي والعسكري، ولكن أيضاً لمحاولة توريطه في ميدان المعركة.

من هنا فإنّ القادة الإسرائيليين بدأوا يتحدّثون عن أنّ حركة حماس لم تكن لتنجح بهجومها على منطقة غلاف غزة، لولا أنّها كانت مدعومة ومدرّبة ومدفوعة إلى ذلك من قبل إيران، محاولة تصوير حركات المقاومة في فلسطين ولبنان وغيرها من البلدان في الشرق الأوسط على أنّها مجرّد أدوات إيرانية. ولقد كان هذا مقدّمة لأن تطلق تل أبيب استراتيجيتها لتوريط إيران في النزاع، حتّى يكون هذا ذريعة لشنّها هجوما على طهران يشكّل مقدّمة لتوجيه ضربة عسكرية للجمهورية الإسلامية لطالما سعت إليها إسرائيل، في ظلّ بنيامين نتنياهو خلال السنوات العشر الماضية.

حتّى تنجح إسرائيل في مسعاها فإنّها بدأت بالاحتكاك بحزب الله ولبنان في منطقة الجليل، ما أدّى إلى عدّة حوادث اشتباك انتهت بسقوط عدد من الشهداء اللبنانيين والقتلى الإسرائيليين على طرفي الحدود. وإن كان من مصلحة إسرائيل العسكرية عدم تحريك الجبهة الشمالية في الوقت الذي تحاول التركيز على مواجهة فصائل المقاومة في غزة، إلّا أنّ بعض الطّيف السياسي الإسرائيلي وعلى رأسه رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو يغلّبون الحسابات السياسية على البعد العسكري. لذلك فهم يندفعون نحو مواجهة مع لبنان تكون مقدّمة لردّ فعل من حزب الله تتخذها إسرائيل ذريعة للقول بأنّها في حرب مع إيران.

الإدارة الأميركية برئاسة جو بايدن كانت على علاقة سيّئة جداً نتنياهو

الحسابات الأميركية

في ما يتعلّق بالولايات المتّحدة فإنّها وجدت نفسها في موقف غير مريح بعد نجاح الهجوم الفلسطيني على إسرائيل. وأوّل أسباب هذا الحرج تعود إلى الفشل الاستخباراتي الأميركي وعدم قدرة أجهزة الاستخبارات الأميركية والغربية ومعها أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية في توقّع الهجوم. يضاف إلى ذلك أنّ الولايات المتّحدة تعتبر أنّ ما حصل يشكّل نجاحاً كبيراً لحلفاء إيران، قد يؤدّي إلى عرقلة مشروعها للشرق الأوسط الجديد الذي اطلقته مؤخّراً خلال قمّة مجموعة العشرين، عبر إطلاق مشروع الممرّ الهندي الشرق أوسطي الأوروبي والذي يشكّل محاولة لضرب مشروع حزام وطريق الصين وطريق شمال جنوب روسيا ويرسي دعائم منظومة إقليمية بقيادة إسرائيل، وبشراكة من دول خليجية على حساب قوى ريادية في المنطقة مثل مصر وسورية والعراق وإيران وتركيا. لذا فإنّ الضّربة التي وجّهتها المقاومة الفلسطينية لم تضرب فقط العقيدة الأمنية الإسرائيلية، بل أيضاً الممرّ الهندي الشرق أوسطي الأوروبي.

يضاف إلى ذلك، فإنّ الإدارة الأميركية برئاسة جو بايدن، والتي كانت على علاقة سيّئة جداً ببنيامين نتنياهو، تجد نفسها في مرمى استهداف الحزب الجمهوري وعلى رأسه الرئيس السابق دونالد ترامب الذي ألقى باللائمة على ضعف الرئيس الأميركي الحالي في الوضع الذي وصلت إليه إسرائيل. ويأتي هذا الاستهداف ليوظّف في الحملة الانتخابية للرئاسة الأميركية التي تبدأ خلال هذا الشهر وتستمرّ حتّى خريف العام 2024 حين تجرى الانتخابات التي يأمل جو بايدن أن يفوز فيها بولاية رئاسية ثانية، فيما يأمل دونالد ترامب بالعودة إلى كرسي الرئاسة مراهناً على إخفاقات بايدن. كلّ هذا جعل الإدارة الأميركية تتخذ قراراً بتوجيه حاملتي طائرات إلى شرق المتوسط كدعم لإسرائيل من جهة وكردع لقوى أخرى من التدخّل في الصراع.

والجدير ذكره أنّ الإدارة الأميركية تعي نيّة نتنياهو توسيع رقعة المواجهة لتشمل إيران وحلفائها بالمنطقة في محاولة "لتوريط" واشنطن في النزاع وتوجيه ضربة لإيران. لذلك فإنّ الإدارة الأميركية أعلنت منذ بداية النزاع أنّها لن ترسل جنوداً إلى الميدان وأنّ دعمها لإسرائيل سيتضمّن الدعم الاقتصادي واللوجستي العسكري والاستخباراتي وتنسيق الأعمال العسكرية من قبل خبراء عسكريين أميركيين. وحتّى تتفادى الولايات المتحدة توسيع رقعة المواجهة فإنّها مارست ضغوطاً كبيرة على لبنان ووجهت رسائل "قوية" محذّرة من توسيع رقعة النزاع.

موقف حزب الله

في مواجهة الموقفين الأميركي والإسرائيلي، يبرز موقف حزب الله. ويجري الحديث كثيراً عن أنّ الحزب سيتدخّل في المعركة إلى جانب حماس وينطلق لإشعال جبهة الجنوب اللبناني  حتّى يجبر إسرائيل على القتال على جبهتين. ويحذّر بعض معارضي الحزب من أنّه قد يقع في الفخّ الإسرائيلي، ما قد يجرّ لبنان إلى حرب مدمّرة. وللصراحة فإنّ حزب الله لا يمكن أن ينأى بنفسه عن هذا الصراع، لأنّ نجاح إسرائيل في توجيه ضربة قاسية لفصائل المقاومة في غزّة سيجعل الجيش الصهيوني قادراً على تركيز جهوده ضد الحزب بعد خنق المقاومة في الضفة الغربية.

لذلك فإنّ حزب الله بقي حتّى الآن متوازناً في ردّه على الاعتداءات الصهيونية. فهو من ناحية أرسل عدّة رسائل تفيد بأنّه لن يبقى بمنأى عن الصراع في حال شعر بأنّ المقاومة في غزة قد تصل إلى موقف حرج، وفي نفس الوقت فإنّه سعى لعدم الاندفاع للتصعيد لوعيه حقيقة نوايا نتنياهو باستدراج إيران إلى الصراع. ويراهن الحزب على قدرة المقاومة في غزة على الصمود في مواجهة الاحتلال من جهة وعلى استيعاب الهجوم البري الإسرائيلي وتحقيق خسائر كبيرة في صفوفه من جهة ثانية بما يؤدّي إلى هزيمة إسرائيلية، خصوصاً في ظلّ إعلان القيادات الإسرائيلية عن أهداف مستحيلة التحقيق كالقضاء على حماس وفصائل المقاومة وتهجير فلسطينيي غزة إلى سيناء.