السفر عبر الزمن يسير، مبدئياً، باتّجاهين: المستقبل والماضي. والاتّجاهان يتمحوران حول الوقت وسرعة مروره أو بطئه.

الحديث عن السفر عبر الزمن غالباً ما يجنح بتفكيرنا نحو أفلام الخيال العلمي. فالعلماء يجمعون على انعدام احتمالية تطبيقه – أقلّه حتّى الآن - في الواقع. وليس، على حدّ علمنا، ثمة من عاد من سفرٍ مماثلٍ ليروي تجربته. غير أنّ قوانين الفيزياء، عامّة، تشير إلى عدم تعارُضها بالمطلق مع مبدأ "القفز" الزمني. فحتّى المفارقات التي تنتج عن الأخير، نظرياً، قابلة للتذليل كما يتكشّف. لا بل قد يكون السفر ذاك مذلّلاً لمعضلات كانت ولا تزال عصيّة على الحلّ الفيزيائي.

السفر عبر الزمن يسير، مبدئياً، باتّجاهين: المستقبل والماضي. والاتّجاهان يتمحوران حول الوقت وسرعة مروره أو بطئه. فوفقاً لنظرية آينشتاين حول النسبية الخاصة، يعتمد تدفُّق الوقت بالنسبة لجسم ما على مدى سرعة حركة الأخير. وكلّما سافر الجسم بسرعة أكبر، كلّما مرّ "وقته" بصورة أبطأ. أمّا نظرية النسبية العامّة، فتقول بأنّ زيادة قوة الجاذبية بالقرب من جسم ما، تُبطئ "وقته" هو الآخر.

من باب التبسيط، السّفر إلى المستقبل يحصل الآن وفي كلّ حين بمعدّل ثانية واحدة في الثانية. فنحن نتحرّك عبر الزمن – إلى الأمام وعلى الدوام – باتّجاه واحد وبنفس السرعة. أمّا العودة به إلى الوراء، فحكاية أخرى. فالتحرّك العكسي إنّما يخلق مشاكل عدّة قدر تعلُّق الأمر بالقواعد الأساسية للكون. إذ إنّ عودة أحدنا بالزمن إلى الماضي والقيام بفعل ما إنّما يعبث بتسلسل أحداث لاحقة (سبق وحصلت) أو باحتمالية حصولها من أصله. ويمكن أن نتحدّث هنا عمّا يُعرف بـ"مفارقة الجد" (Grandfather Paradox)، التي يعود استخدامها في أدب الخيال العلمي إلى سنة 1933، في رواية للأميركي نات شاشنر. وتُختصَر بأنّ عودة المسافر بالزمن عكسياً للقاء جدّه وقتْله قبل تعرُّف الأخير على جدّته، يُترجَم بعدم ولادة المسافر من أصله. فكيف لِمَن لم يولَد أصلاً أن يسافر في المقام الأول؟

قبل بضع سنوات، توصّل طالب فيزياء من جامعة كوينزلاند الأسترالية، يُدعى جيرمين توبار، إلى فرضية حول كيفية جعْل السفر عبر الزمن قابلاً للتطبيق بلا مفارقات. فمعرفتنا لحالة نظام ما في وقت معيّن تزوّدنا بتاريخ النظام بأكمله، بحسب توبار. علماً بأنّ نظرية النسبية العامة تنبّأت بوجود منحنيات زمنية مغلقة (Closed Time-Like Curves) تتيح وقوع حدث ما في الماضي والمستقبل في آن. كما أنّ ثمّة تجارب تشي بقدرة النظام الزمكاني على التكيّف الذاتي لتجنّب المفارقات. مثلاً، يمكن تخيُّل سفر أحدهم عكسياً لمنْع انتشار مرض ما. لكن نجاح المهمة يعني انتفاء المرض الذي يستدعي عودة المسافر عبر الزمن والقضاء عليه. توبار اقترح إمكانية إفلات المرض من محاولات السيطرة عليه بطريقة أو بأخرى، ما يزيل التناقض. وهكذا، مهما فعل المسافر، ليس من شأن ذلك الحدّ من انتشار المرض.

ومقاربةً لإشكالية تقييد الإرادة الحرة، تقول الفرضية إن السفر عبر الزمن ممكنٌ طالما قُيّد المسافر في ما يفعل، تجنّباً لخلق المفارقات. لكن بغضّ النظر، لِنفترض أنّ القضاء على المفارقات ممكنٌ فعلاً. فكيف يمكن لمحاكاة السفر عكسياً عبر الزمن أن يُسهم في تذليل مشكلات فيزيائية عصيّة على الحلّ؟ بسبب استمرار استحالة تحقيق التدفّق العكسي للزمن في المختبر، يلجأ العلماء إلى النمذجة والمحاكاة النظرية. ومؤخراً، أجرى فريق فيزيائيين من جامعة كامبريدج تجربة نُشرت نتائجها في مجلة Physical Review Letters، حيث أتاحت محاكاة منحنيات زمنية مغلقة تغيير عوامل متغيّرة لنظام معيّن بعد إنجاز ضبطها الأوّلي.

المنحنيات تلك افتراضية بالكامل، لكن ما أجاز محاكاتها هو اللجوء إلى دوائر النّقل الآني الكمّي (Quantum Teleportation Circuits) باستخدام جسيّمات متشابكة لنقل معلومات كمّية من أحدها إلى الآخر المتباعِد. ويعطي فريق البحث مثالاً عن إرسال هدية إلى شخص ما، حيث لا يستلم المرسِل قائمة رغبات المتلقّي سوى في اليوم التالي للإرسال. وفي سيناريو كهذا، يأخذ التسلسل الزمني بالاعتبار، يستحيل على المرسِل تحديد الهدية المرجوّة مقدَّماً. لكن إمكانية تغيير ما سبق وأُرسِل في اليوم الأول تبعاً لقائمة الرغبات المرسَلة في اليوم الثاني تتطلّب محاكاة التشابك الكمي (Quantum Entanglement) لإظهار كيفية تغيير فعْلٍ سابقٍ ما بأثرٍ رجعيّ لضمان النتيجة النهائية المطلوبة.

التشابك الكمي يُبرز حالة ترابُط بين خصائص جزيّئين قبل قياسها، حيث أنّ قياس خصائص أحد الجسيّمين إنما يحدّد، بالتزامن، الحالة التكميلية للجسيّم الآخر المتباعِد. والحال أن الفريق البحثي استفاد من الجسيّمات المتشابكة لغرض نقل المعلومات عبر الفضاء المادي عكسياً عبر الزمن. وهذا ما جرى بعدها: أوّلاً، إرسال الجسيّم الأول لاستخدامه في التجربة؛ وثانياً، التلاعب بالجسيّم الثاني - عند الحصول على معلومات مستجدّة - لتغيير الحالة السابقة للجسيّم الأول، ما غيّر بدوره نتيجة التجربة برمّتها. وبعد إعادة الكرّة، سمحت المحاكاة بتغيير حدثٍ محدَّد بعد حصوله بواقع مرّة واحدة من أصل كل أربع محاولات.

"الخرق"، طبعاً، لا يزال في أولى مراحله النظرية. لكن الفريق البحثي يُقرّ بأن العالم سيصبح غريباً للغاية في حال ازدادت احتمالات نجاح المحاكاة. ويبقى المبتغى الرئيس من التجربة ليس خلْق آلة سفر عبر الزمن بل الغوص أكثر في أساسيات فيزياء الكم. فالعودة إلى الماضي وتغييره تماماً قد لا يكون سهل المنال، لكن "المحاكاة قد تُسهِم اليوم في إيجاد غدٍ أفضل من خلال معالجة مشكلات الأمس"، بحسب الباحثين. وهو كلام يتردّد صداه، بعبارات أخرى بالغة الأهمية، في قول عالِم الكونيات في جامعة دريكسيل، ديف غولدبرغ: "إن إرساء أسُس السفر عبر الزمن – إن وُجد - سينجم عنه إنتاج رؤية واحدة متّسقة ذاتياً للتاريخ".