دخل الاقتصاد اللبناني منعطفاً جديداً، بالتزامن مع دخول العدوان على غزة أسبوعه الثاني. وإذا كان من الصعب تحديد الكلفة الاقتصادية لحال الـ"لا يقين" من إمكانية امتداد نيران الحرب إلى لبنان، فإنّ الشرارات المتطايرة من فلسطين المحتلّة والجنوب بدأت "تحرق: مكانها".

التداعيات المباشرة لحرب غزة على لبنان

حركة المطار تتراجع بأكثر من النصف

السياحة وما يرتبط بها من خدمات مباشرة وغير مباشرة كانت أكثر القطاعات تأثراً بالحرب. فـ "حركة القدوم إلى لبنان بعد أسبوع على حرب غزة تراجعت بنسبة كبيرة جداً بلغت 21.5%؜ وذلك بالمقارنة مع الحركة قبل أسبوع من اندلاع الحرب"، يقول الباحث في الدولية للمعلومات محمد شمس الدين. "في المقابل لم ترتفع حركة المغادرين إلا بنسبة 4.7 في المئة". الأمر الذي يعني بحسب شمس الدين أنّه "في الأيام الأولى على العدوان، كانت التوقعات بإمكانية امتداد الحرب إلى لبنان ضئيلة. بينما تراجعت حركة القادمين خوفاً من إقفال المطار في حال تطوّرات الأمور سلباً".

التوقّعات الإيجابية لم تعمّر طويلاً، إذ بدءاً من مساء اليوم، ستخلي شركة طيران الشرق الأوسط عشر طائرات من أسطولها إلى وجهة لم تُحسم بعد، يرجّح أن تكون قبرص، بعد أن كانت نقلت 5 طائرات إلى تركيا. وبذلك ستضطر الشركة إلى تشغيل 8 طائرات فقط، ما يعني تخفيض عدد الرحلات من وإلى المطار بأكثر من النصف. كما عمدت شركات الطيران الدولية إلى خفض أو تعليق رحلاتها إلى لبنان نظراً لارتفاع المخاطر من نشوب حرب، وانخفاض حركة الحجوزات. ومن المتوقّع أن يفتتح الأسبوع الطالع على تراجع حركة المطار بنسبة تتراوح بين 50 و70 في المئة.

إلغاء الحجوزات

على صعيد القطاع السياحي أيضاً، خسر لبنان فرصة إحياء "الموسم الميت - dead season"، الذي يقع بين نهاية فصل الصيف وعيدي الميلاد ورأس السنة. الخسارة لا تقتصر على ارتفاع أعداد السياح، إنما على جنسياتهم التي تمثل سوقاً جديدة بالنسبة للبنان كان قد فقدها طويلاً. إذ كان لافتاً حجم الحجوزات في شهري تشرين الأول والثاني من الأوروبيين عموماً، ومن دول البلقان والبلطيق ككرواتيا وإستونيا ولاتفيا وهنغاريا وبلغاريا خصوصاً"، بحسب ما كشف نقيب مكاتب وكالات السياحة والسفر جان عبود قبل أيام من وقوع الحرب. وأهمّية هذه الأسواق أنّ "السياحة الأوروبية أصبحت سياحة شبه مستدامة في لبنان ولم تعد فقط موسمية"، وعلى الرغم من عدم وجود أرقام فعلية للخسائر التي سيتحمّلها القطاع السياحي، فقد كان كافياً توقّع رئيس اتحاد النقابات السياحية بيار الأشقر أن "تخسر المؤسسات السياحية في فصل الخريف الأرباح التي جنتها في فصل الصيف".

ارتفاع كلفة التأمين

من النتائج السلبية للحرب كان "خفض التأمين على مخاطر الحرب على الطائرات اللبنانية بنسبة 80 في المئة"، بحسب ما كشف رئيس شركة الميدل ايست محمد الحوت. وفي المقابل زادت شركات الملاحة البحرية الأسعار على نقل الحاويات الآتية إلى لبنان والمنطقة كما رفعت شركات التأمين أقساطها على البواخر والحاويات. الأمر الذي "رفع الكلفة على الحاوية الواحدة بين 1500 و2000 دولار"، بحسب الخبير الاقتصادي باسم بواب. "وستبدأ نتائج هذه الزيادات بالظهور زيادة بأسعار مختلف السلع بين 4 و5 في المئة مطلع الشهر المقبل".

الدولار قرب هامش الـ90 ألف ليرة

في المقابل فإنّ الطلب على السلع والمواد الغذائية والشقق السكنية الذي شهد ارتفاعاً ملحوظاً، انعكس ارتفاعاً بالطلب على الدولار. وعاد الأخير ليتحرّك قرب هامش 90 ألف ليرة بعدما ظلّ طويلاً بحدود 88500 ليرة. وإذا كان المصرف المركزي لغاية اللحظة قادر على لجم أيّ ارتفاع في سعر الصرف، فإنّ زيادة الضغط في الأسواق يعني إعدام فرصة الدولة بطلب أيّ سلفة بالليرة أو الدولار من المركزي.

سيناريو الحرب

المؤشرات السلبية هذه، وإن كانت نتائجها كبيرة على الإقتصاد، فهي تبقى نقطة في بحر وقوع حرب شاملة. وابتعاداً عن الإنشاء وتوخياً للدقة في معالجة الأرقام، سنعمد إلى مقارنة الكلفة الاقتصادية لأيّ حرب محتملة مع النتائج التي ترتبت على عدوان تموز 2006 على لبنان.

وستقتصر المقارنة على النقاط الآتية:

بلغت الكلفة المباشرة الأولية لحرب تموز 2006 حوالي 2.8 مليار دولار بحسب تقرير "لبنان: في الطريق إلى إعادة الإعمار والنهوض"، الصادر عن رئاسة مجلس الوزراء. أمّا من جهة الكلفة غير المباشرة للأضرار في مختلف القطاعات الاقتصادية فقد قدرت أكثر من ذلك بكثير. وتراجع الناتج المحلّي بقيمة مليار دولار. وزاد عجز المالية العامة بنحو 1.6 مليار دولار نتيجة زيادة النفقات وانخفاض العائدات. وعليه لم تقلّ الخسائر في العام 2006 عن ما بين 10 و12 مليار دولار.

في حال طبّقنا هذه الأرقام على واقعنا الحاضر، فإنّ لبنان لن يخسر كلّ احتياطاته من النقد الأجنبي فحسب، إنما سيحلّق سعر الصرف قرب مستويات خيالية، وسيفقد المودعون القدرة على استرداد ولو دولار واحد من أموالهم المحتجزة في المصارف.

خسارة غير متوقعة

إضافة إلى كلّ الأكلاف السابقة فإنّ اللبنانيين سيخسرون ما لا يقلّ عن مليار دولار نتيجة تضرّر أنظمة الطاقة الشمسية. فبحسب الدولية للمعلومات هناك " 1500 ميغاوات فوق المنازل والمؤسسات"، تقدّر كلفتها بـ 1.5 مليار دولار. واستناداً إلى البيانات الصادرة عن المديرية العامّة للجمارك اللبنانية خلال الأعوام 2020- 2023، وصلت قيمة مستلزمات الطاقة الشمسية إلى نحو 1 مليار دولار، منها ألواح بقيمة نحو 600 مليون دولار. وفي ظلّ عجز الكهرباء عن تأمين الطاقة فإنّ المواطنين سيفقدون الكهرباء إضافة إلى خسارتهم مئات ملايين الدولارات نتيجة تضرّر الألواح والأنظمة.

لبنان الذي غرق بـ "شتوة"، وأمضت أجهزته الإنقاذية ثلاثة أيام لسحب ثلاثة ضحايا من تحت ركام انهيار مبنى في المنصورية، لن يكون قادراً على تحمّل النتائج غير المباشرة في حال طال أمد الحرب في فلسطين المحتلّة. فكيف الحال في حال وقوعها على لبنان!؟