غداً، عندما تنتهي ولاية عون في قيادة الجيش تخرج إلى العلن إشكالية قانونية من نوع آخر وتُعدّ سابقة في تاريخ المؤسسة العسكرية لأنّ الموقع الأول في المؤسسة والمربوط فراغه بفراغ موقع رئاسة الأركان أيضاً بسبب إحالة رئيس الاركان على التقاعد (من حصة الطائفة الدرزية)، ووفق قانون الدفاع الصادر في 16/9/1983، وبناءً على المادة 19 يعيّن قائد الجيش بمرسوم يصدر بناء على اقتراح وزير الدفاع الوطني، ولأنّ الحكومة الحالية حكومة تصريف أعمال ووزير الدفاع الوطني موريس سليم يمتنع عن حضور جلساتها، فضلاً عن أنّها تعتبر تعيينات من الدرجة الأولى، وبالتّالي ينبغي أن تكون برعاية رئيس الجمهورية، فعندها يجب الاحتكام إلى الفقرة الثانية من المادة 21 والقاضية بأن ينوب عن قائد الجيش، رئيس الأركان ما سيفتح باب الاجتهادات القانونية والدستورية على مصراعيه...
يتراكم الفراغ فوق الفراغ متسلّلاً إلى مفاصل مؤسسات الدولة اللبنانية المُتهالكة. الأساس رأس هرم السّلطة حيث رئاسة الجمهورية المُكرسة للطائفة المارونية الكريمة، منذ ما قبل وما بعد اتفاق الطائف الذي أضحى منذ العام 1991 بمثابة الدستور للبلاد، وما نشهده اليوم من فراغ لا يُثير غرابة أحد لأنّه ليس الأول من نوعه فالأمثلة كثيرة والأسباب من وجهة نظر البعض أنّ الطائف نفسه لم يحدّد مهلاً دستورية لشغور المواقع الرئاسية، ولطالما كان الإنقسام السياسي والتجاذب سمة أرقى أنظمة الحكم حول العالم، إلّا أنه في لبنان دائماً ما يأخذ لوناً وطعماً آخر فتُفسده الاصطفافات الدينية والمناطقية والطائفية على وجه التحديد، والتي كانت نتائجها كارثية خلال مراحل التوتّرات الأمنية، وبكلّ أسف غالباً ما كانت الفاتورة الكبرى من حصة المواطن بغضّ النظر عن الديانة التي يعتنقها أو الطائفة التي ينتمي اليها أو المعتقد الذي يؤمن به.
وليس خافياً أنّ الإنقسام الماروني الحادّ كان نافراً أكثر من غيره من الإنقسامات داخل الطوائف الواحدة على مدى نحو 16 عقد من الزمن، واليوم عندما وجدت هذه الطائفة الكريمة ضالّتها في التقاطع على اسم مرشّح رئاسي (وزير المال الأسبق جهاد أزعور) اصطدمت بسدّ منيع، يتمثّل بتبنّي الثنائي الشيعي حزب الله وحركة أمل إلى جانبهم قلة من المسيحيين وعدد من نواب أهل السنّة (يدعمون رئيس تيار المردة سليمان فرنجية)، الطائفة السنّيّة التي تمرّ بأصعب مراحلها حيث تشرذم الموقف والمسار بعد استبعاد أحد أكبر رموزها (رئيس الحكومة الأسبق ورئيس تيار المستقبل سعد الحريري نجل الرئيس الشهيد رفيق الحريري الذي شهد أهل السنّة على يديه عصرهم الذهبي)، كلّ ذلك حال دون استمرار تقاطع الموارنة على خيارهم الرئاسي بغضّ النّظر عن صلابة ذاك الخيار وجديّته.
فهل هناك من يريد هزّ الأمن، وأي أجندة يريد أن ينفّذ؟
بالأمس البعيد دقّ الفراغ باب الموارنة في مجلس القضاء الأعلى ومن ثم قصر بعبدا مقرّ الرئاسة الاولى، وبالأمس القريب في 31 تموز 2023 غادر حاكم المصرف المركزي رياض سلامة منصباً شغله لأكثر من 30 عاماً برزمة من التهم القضائية المتعلّقة بأدائه على مدى العقود الثلاث التي شغل خلالها منصب الحاكمية، وغداً يُحدق باللبنانيين الخطر الأكبر في قيادة المؤسسة العسكرية إذ تنتهي ولاية قائد الجيش العماد جوزف عون مطلع كانون الثاني المقبل، بينما تتجلى سمات الشرذمة السنية على هيئة تناحر على صلاحيات في الكثير من الزواريب السياسية والمؤسساتية الضيقة والواسعة، وأخرها الحرب المشتعلة بين وزير الداخلية بسام المولوي ومدير عام قوى الأمن الداخلي عماد عثمان والتي حكماً سيكون لها ارتداداتها السلبية على المديرية العامّة لقوى الأمن الداخلي، وعلى الواقع الأمني بمجمله، مع تخوف من توترات وإشكالات كَثُر الحديث عنها. كما لا يمكن تجاهل بيان السفارة الأميركية بالأمس والذي تحدّث عن إطلاق نارعلى مبنى السفارة من قبل مجهول. فهل هناك من يريد هزّ الأمن، وأي أجندة يريد أن ينفّذ؟
غداً، عندما تنتهي ولاية عون في قيادة الجيش تخرج إلى العلن إشكالية قانونية من نوع آخر وتُعدّ سابقة في تاريخ المؤسسة العسكرية لأنّ الموقع الأول في المؤسسة والمربوط فراغه بفراغ موقع رئاسة الأركان أيضاً بسبب إحالة رئيس الاركان على التقاعد (من حصة الطائفة الدرزية)، ووفق قانون الدفاع الصادر في 16/9/1983، وبناءً على المادة 19 يعيّن قائد الجيش بمرسوم يصدر بناء على اقتراح وزير الدفاع الوطني، ولأنّ الحكومة الحالية حكومة تصريف أعمال ووزير الدفاع الوطني موريس سليم يمتنع عن حضور جلساتها، فضلاً عن أنّها تعتبر تعيينات من الدرجة الأولى، وبالتّالي ينبغي أن تكون برعاية رئيس الجمهورية، فعندها يجب الاحتكام إلى الفقرة الثانية من المادة 21 والقاضية بأن ينوب عن قائد الجيش، رئيس الأركان ما سيفتح باب الاجتهادات القانونية والدستورية على مصراعيه...
كلّ ذلك سببه معلوم وهو تأخّر انتخاب رئيس للجمهورية، في حين تُشير مصادر واكبت زيارة المبعوث الأميركي آموس هوكشتاين الأخيرة والذي لم يخف يوماً دعم واشطن لعون كخيار رئاسي، والجديد المستجد هو ما سُرب نقلا عن مصادر مطلعة من أن واشنطن أوكلت إلى قطر متابعة الشأن الرئاسي اللبناني باسم اللجنة الخمسية خلفاً لفرنسا، ومن المعروف أن قطر ترفع لواء قائد الجيش إلى سدة الرئاسة وهو ما أيدتها فيه أميركا، على أن السعودية قيل أنّها لا تمانع وصول العماد جوزيف عون إلى بعبدا. وإن لم يتحقق هذا الأمر وإن لم تحصل جلسة انتخاب تنتهي بفوز مرشح يضع حداً للفراغ الحاصل، فمن المتوقع أن ينتقل الفراغ إذا إلى موقع قيادة الجيش، إلّا إذا تمّ التمديد للقائد الحالي، رغم أنّ هذا التمديد غير جائز قانوناً إلا من خلال تعديل السنّ القانونية للضباط المشمولين في المادة 56 من قانون الدفاع الوطني، أو عبر قانون صادر عن مجلس النواب، وهكذا تعديل يتطلّب توفير ظروف غير متاحة في واقعنا الراهن، هي لعنة الفراغ إذاً.
يأتي ذلك كلّه مع بدء الحديث عن عزم الداعمين للمؤسسة العسكرية وقوى الأمن الداخلي، وقف مدّ العسكريين بأوكسجين الصّبر على الأوضاع المعيشية الحالية (100 دولار فرش تضاف إلى رواتبهم الزهيدة أصلاً) إذا أحيل عون على التقاعد، فإن حصل هذا الأمر، فمن القادر على حمل هذا الصليب؟