ها هي الحكومة اليوم تنجز مشروع موازنة 2024، ولم تجد غير جيوب من سُلِب جنى أعمارهم لتموّل منها ذيول ارتكاباتها وسياساتها وأفعالها

حوارات، مصالحات وزيارات راعوية من جهة، وحرب ضرائب ورسوم يتعرّض لها الشّعب اللبناني من جهة أخرى. الحكومة المستقيلة من دورها الرعائي نجحت ولأول مرة في إنجاز موازنة جديدة لمالية الدّولة، وهي موازنة وبالمعنى الحرفي للكلمة تلحق بالمواطن اللبناني حتّى القبر.

من المهد إلى اللحد بالقول وبالفعل، قبل الأزمة المالية التي بدأت قبل 4 أعوام كان المواطن اللبناني يولد وعليه دين بحدود الـ 15 ألف دولار أميركي، هي حصته من مجموع الدين العام آنذاك، ولا داعي لنحتسب ما آلت إليه الأمور اليوم، ولكن المستجدّ هو تلك الضريبة المقترحة في الموازنة الجديدة كما وردت إلى الحكومة تحت باب حماية البيئة، وهي تستهدف جميع السّلع المستوردة، ومن ضمنها النعوش التي تحتوي رفاتا بشرية. إذاً أصبح من الأفضل لمن يقضي خارج البلاد أن يُدفن في الخارج أيضاً وإلّا فالحكومة ستلحقه حتى القبر.

ولا ضير من القول أنّ هذه الحكومة أو أغلب من يتمثّل فيها وحتّى من منحها الثّقة كانوا من المسؤولين عمّا آلت إليه حال البلاد، إن لم يكونوا مسؤولين مباشرين عن الفساد أو الهدر أو متجاهلين له، فهم ممّن لم يحرّك ساكناً لوقف مسلسل الانهيار والاستدانة ووضع اليد على أموال المودعين في المصارف.

أصبح من الأفضل لمن يقضي خارج البلاد أن يُدفن في الخارج أيضاً وإلّا فالحكومة ستلحقه حتى القبر

إذاً ها هي الحكومة اليوم تنجز مشروع موازنة 2024، ولم تجد غير جيوب من سُلِب جنى أعمارهم لتموّل منها ذيول ارتكاباتها وسياساتها وأفعالها. صحيح أنّ رئيس الحكومة المستقيلة نجيب ميقاتي قال أنّ علينا أن نتعاون معاً للخروج من أزمتنا، ولكن حين يصف نائب رئيس الحكومة سعادة الشامي نفسه هذه الموازنة بأنّها غير إصلاحية، كيف يمكن للشعب أو للشعوب اللبنانية غير المتّحدة أن تقبل هكذا ضرائب ورسوم وهي تعي مسبقاً أنّها قد تذهب كما ما سبقها هدراً وفساداً في ظلّ غياب أيّ إصلاحات حقيقية؟

كنّا ننتظر مثلا موضوع عائدات الأملاك البحرية والتعويضات عن إشغالها والمخالفات المبنية عليها، فإذا بنا نفاجأ بتدابير تحمّل البحر مسؤولية التعدّي على أراضٍ خاصة عند حدود الشاطئ وتصدر قرارات بمصادرة أمتار من البحر نفسه لصالح أشخاص بعينهم. في وقت كنّا نظنّ أنّ لا أحد فيه سيجرؤ على تلزيم من دون مناقصة شفافة وقانونية، فإذا بنا نجد أن العمل يسير كما جرت العادة "بيزنيس آز يوجوال". من الواضح أن لا شيء تغيّر بالنسبة للسلطة السياسية وأحزاب السلطة، أما على مقلب الناس، على مقلب الشعب أو الشعوب غير المتّحدة، فلم يعد شيء على حاله. فهل يعقل أن تكون إجراءات النهوض بالواقع الاقتصادي والمالي المنهار هو فرض المزيد من الضرائب؟ وهي ضرائب وكما جرت العادة ستطال الشرائح الأكثر فقراً، ووحدهم الفقراء، وإلى أيّ شعب من الشعوب اللبنانية غير المتحدة يتساوون في الواجبات طالما أنّ لا حقوق ترتجى ولا من يسأل عنهم أو عن حقوقهم إلّا حين يتمّ احتساب العائدات الضريبية.

ولمناسبة الحديث عن الشعوب اللبنانية غير المتّحدة، كانت لافتة بالأمس زيارة البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي إلى منطقة الشوف والحفاوة التي تمّ استقباله بها، في مشهديّة احتفالية مميزة. ولكنها حفاوة تدلّل على أنّه حدث غير عادي، وكأنّ فيه اجتياز للحدود والبحار. زار البطريرك الماروني الشوف وعاليه والتقى شيخ عقل الموحّدين الدروز الشيخ سامي أبي المنى، كما التقى زعيم حزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، هي زيارة سبقتها زيارات للبطريرك الراعي والبطريرك مار نصرالله بطرس صفير، لكنها لم تحقّق عودة المهجرين المسيحيين إلى قراهم، ولم تنجح في تثبيت من عاد منهم في أرضه، ولا داعي للخوض في الأسباب والموانع ففي بعضها نكء للجراح وفي بعضها تقصير السلطات والإدارات المعنية.

هي شعوب غير متّحدة تحتاج لدعوات حوار محلية وأجنبية للتوافق على انتخاب رئيس للجمهورية، الحوار الأجنبي ينتظر زيارة الموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان يوم الإثنين لبيروت، يأتي حاملاً معه الردود التي تلقّاها ممن راسلهم سائلاً فأجابوه. يلتقيهم الثلاثاء والأربعاء ويغادر الخميس إلى بلاده حيث يستعرض نتائج لقاءاته مع الإدارة الفرنسية قبيل اجتماع اللجنة الخماسية المقرر في العشرين من الجاري في نيويورك على مستوى وزراء الخارجية للدول الأعضاء. هو "ميني" حوار أجنبي إذاً يسبق الحوار الكبير المرتقب في حال تكلّلت المساعي بالنّجاح. وهو يسبق الحوار الداخلي الذي كان قد دعا إليه رئيس المجلس النيابي نبيه برّي وهو الذي التقى المبعوث الأميركي المعني بملفّي الغاز  وترسيم الحدود "آموس هوكشتاين" كما بوزير الخارجية الإيراني "حسين أمير عبداللهيان". حوار برّي الذي حصد تأييداً من البطريرك الماروني ومن التيار الوطني الحر، عاد وتمّ تجميده لأنّه كان ينتظر إجماعاً على المشاركة من كلّ الكتل النيابية ليتمّ تحديد موعد له، وجاء التجميد على خلفية ما اعتُبر انقلاباً على الدعوة في ما جاء في كلمة رئيس التيار من البترون وحديثه عن "صيغة ملتبسة" في دعوة برّي وما إذا كان بديلاً أو مكمّلا لحوار لودريان. فيما كانت مواقف سلبية من حوار برّي  لكلّ من القوات اللبنانية والكتائب اللبنانية. جُمّد أو صُرف النّظر عنه، المسألة بانتظار لودريان ولقاءاته المقرّرة في بيروت. 

هو حوار تم تجميده وحوار لم يبدأ بعد وليس من المؤكّد مصيره أيضاً، هذا في عالم السياسة والسياسيين، أمّا في حالة المواطن العادي فهو مشغول باحتساب الضرائب والرسوم وما بينهما من حياة.