افتتح متحف نابو يوم أمس، معرض "بيت بيروت" - السوديكو، الذي يضمّ صوراً وخرائط، تلخّص تاريخ لبنان القديم في الحقبة الممتدّة بين 1840 و1918 تحت عنوان "لنتذكر بيروت كما كانت ولنحافظ على ما تبقى وننهض مجدداً"، حفل الافتتاح تمّ بحضور عدد من الوزراء ومؤسس متحف نابو السيد جواد عدره وسفراء وشخصيات سياسية وإجتماعية، وتخلّل الحفل عرض كتاب باللغة الإنكليزية من مجلّدين حول التصوير الشمسي وتاريخ المدينة.
ويعرض المتحف لأبرز المحطّات التي مرّ بها لبنان، وتحديداً في بيروت المدينة التي تحوّلت بشكل سريع من قرية صغيرة إلى عاصمة توازي بهندستها وأهمّيتها المدن الحديثة، على الرّغم من الكوارث التي حلّت بها ودمّرتها مراراً وتكراراً، لتنبعث من جديد بروحها وروح قاطنيها إلى الحياة، كما يحتضن المعرض صوراً نادرة، تُنشّط ذاكرة اللبنانيين، وتأخذهم إلى عالمٍ آخر، إلى التاريخ والصعوبات التي واجهت لبنان وتمكّنوا من تجاوزها.
منازل وجدران وحارات وشوارع وأبراج داخل جدران السور القديم، وسفن وشواطئ التقطت صورها عدسات المصوّرين المحترفين والهواة على حدّ سواء، بعضها عرّف عن إسم صاحبها، وبعضها الآخر بقي مجهولاً من التقطها، وقد تمّ عرضها بعناية، داخل متحف بقي من الخارج شاهداً على مآسي الحرب الأهليّة، فيما داخله، يحمل رسالة أمل وصمود.
في هذا الإطار كان لموقع "الصفا نيوز" حديث خاص مع مؤسّس متحف نابو جواد عدره، الذي لخّص هذه المبادرة بكلمة واحدة وهي "ذاكرة لبنان"، معتبراً أنّ "ما نراه في الصور المعروضة في المتحف اليوم يعكس تاريخ لبنان الحقيقي"، ومشيراً في الوقت نفسه إلى "أنّ هناك تراثاً مهمّاً جدّا تمّ تدميره، وآخر يجب المحافظة عليه، وما حصل في بيروت قد يكون صعباً أن نُعيده، إلّا أنّ ما يحصل في طرابلس وصور وبعلبك وصيدا يمكننا المحافظة عليه، والدّرس هو أن نحافظ على ما تبقّى ليس فقط في بيروت بل في كلّ لبنان".
وأضاف عدرا: "في هذه الحياة هناك أمور أهمّ من جباية المال، وبناء أبنية جديدة، لذلك يجب أن نعطي أهميّة للأبنية التراثيّة ونحافظ عليها، فهي جزء من هويّتنا التاريخيّة"، شارحاً بأنّ "المجلّدين اللذين نتجا عن نابو، يرويان قصّة توسعة المرفأ، وبيروت التي كانت ضمن الأسوار، وبيروت عاصمة الثقافة، والتجارة، ومرفأ بلاد الشام".
وفي جوابه عن مدى المعرفة التي يملكها الشعب اللبناني اليوم والوعي بتاريخه قال "مصطلح "الشعب اللبناني" كلمة مطروحة للنقاش"، سائلاً: "هل هناك فعلاً شعباً لبنانيًّاً؟ يمكن أنه كان في شعب حقيقي، ولكن أشكّ أنّ اليوم هناك شعبًا لبنانيًّا!، حيث أنّ مجتمعنا تدمّر، وبلدنا تدمّر، ونحن لم نعد شعباً واحداً".
وعن مدى أهميّة العودة للتاريخ، في ظلّ نسب هجرة الشباب الهائلة إلى الخارج، علّق بالقول "هاجر بحدود الـ400 ألف لبناني إلى الخارج، وبقي نحو الـ400 ألف في لبنان لا يملكون القدرة على تأمين أبسط الخدمات والحقوق من طبابة وتعليم، وقد يلحقهم على نفس الطريق العدد نفسه، إلاّ أنّ عصر التنوير والنهضة في لبنان يبقى مهمًّا على الرغم من كلّ الظروف الإقتصاديّة الصعبة، لأنّ هذا العصر يعيد لنا الأمل بمستقبل أفضل. وإذا ما عدنا بالذاكرة إلى تلك الحقبة، سنرى أنّ عصر التنوير خرج من دمشق والقدس وحيفاء وبيروت، حيث أنّ بلاد الشام هي التي حدّثت اللغة العربيّة، وهي من استحوذت على أوّل المطابع في المنطقة، فالمطبعة العربيّة كانت في حلب، والسريانيّة في إهدن، والأجنبيّة في المدارس اليسوعيّة، لذلك لدينا مستقبل كبير إذا ما تذكّرنا ماضينا الجميل".
من جهّته اعتبر وزير الثقافة في حكومة تصريف الأعمال محمد المرتضى، أنّ "البلد يمرّ بظروف إقتصاديّة صعبة، وسياسيّة كارثيّة، وحصار على كلّ الجوانب، في المقابل يحاول البعض بإصرار المحافظة عل الوجه الحضاري والثقافي الجميل في لبنان."
ورأى مرتضى أنّ "افتتاح معرض "بيت بيروت" اليوم هو مناسبة ثقافيّة – توعويّة، تذكّرنا بالزمن الجميل لمدينة بيروت، كما توثّق الزمن الصعب، من مجاعة وغيرها من الكوارث التي حلّت على المدينة. والتي قد تخفّف علينا من وطأة ما نعيشه اليوم من صعوبات، حين نتذكّر ما مرّ به أجدادنا ، فنعي أنّ ظروفنا الصعبة لا تقارن بما حلّ بهم، وعلى الرغم من كلّ ذلك تمكّنوا من تجاوز هذه الظروف والنهوض ببلدهم، وجعلوا من مدينة بيروت واحدة من أجمل مدن العالم. وذلك عبر الروحيّة والثقة بالنفس والإيمان بقدرتهم على إحداث فرق، ومن جهة أخرى بالتعاون المسلم - المسيحي".
وأضاف "أنا أؤمن بأنّ صيغة العيش الواحد والقيم، هما ركيزتان أساسيّتان تحاول بعض الجهات استهدافها"، لافتاً إلى أنّه "يمكن إصلاح أيّ شيء، إلاّ القيم، والتي إن انهارت خصوصاً لدى الجيل الجديد، سنكون قد فوّتنا على أنفسنا فرصة حقيقيّة لإعادة بناء البلد".
وعن مدى وجود فرصة حقيقيّة لبناء بلد، في ظلّ غياب الإرادة السياسيّة، ردّ مرتضى بأنّ "السياسيين يفرضهم الرأي العام ويفرض مواقفهم، لذلك يجب أن نفرز رأي عام واعٍ، قادر على الإتيان بطبقة سياسيّة أمينة، وعندها يمكننا العمل سويّة للنهوض بالبلد والحفاظ على قيمه والمحافظة على سرّ القوّة، عبر الإبتعاد عن مشاريع التقسيم، وهو العبرة التي نأخذها من "بيت بيروت" الذي يعتبر من مخلّفات الحرب البشعة".
تجدر الإشارة إلى أنّ المعرض فتح أبوابه الثلاثاء 5 أيلول 2023، الساعة 6:00 مساءً، ويستمر لغاية 8 تشرين الأوّل.