السّبب الذي يدفع المنظّمة لتوسيع عضويّتها فيتمثّل بحاجة الصّين لتوسيع نفوذها السياسي العالمي، في ظلّ المنافسة المتزايدة بينها وبين الولايات المتحدة الأميركية، وحاجة روسيا لبناء تحالفات جديدة بعد العزلة الغربية التي فُرضت عليها من قبل الغرب، بعد اندلاع الحرب في أوكرانيا في شباط من العام 2022.

اكتسبت قمّة مجموعة البريكس التي عقدت في جنوب إفريقيا في أواخر شهر آب أهمّيّة خاصّة لجهة إعلانها نيّتها التخلّي عن الدّولار الأميركي في تداولاتها التجارية البينية، أو لجهة ضمّ أعضاء جدد في المنظّمة من بينها دول عربية رائدة، مثل مصر والمملكة العربية السّعودية والإمارات العربية المتّحدة إضافة إلى إيران وأثيوبيا والأرجنتين.

لماذا تهتمّ بكّين وموسكو بتوسيع البريكس؟

بعد 14 عاماً على قمّتها الأولى في العام 2009 باتت مجموعة البريكس التي تضمّ حتّى الآن روسيا والصين والهند والبرازيل وجنوب إفريقيا، تمثّل 42 بالمئة من سكّان العالم و18 بالمئة من التجارة العالمية. وباتت تشكّل تكتّلاً مواجهاً موازناً للمنتديات والمؤسسات الاقتصادية والسياسية الغربية، مثل مجموعة الدّول السّبع والبنك الدّولي وصندوق النّقد الدولي، خصوصاً بعد إطلاق المجموعة لبنك التنمية الجديد أو بنك البريكس برأسمال قدره 50 مليار دولار أميركي، لتنمية مشاريع البنى التحتية في البلدان النامية.

أمّا السّبب الذي يدفع المنظّمة لتوسيع عضويّتها فيتمثّل بحاجة الصّين لتوسيع نفوذها السياسي العالمي، في ظلّ المنافسة المتزايدة بينها وبين الولايات المتحدة الأميركية، وحاجة روسيا لبناء تحالفات جديدة بعد العزلة الغربية التي فُرضت عليها من قبل الغرب، بعد اندلاع الحرب في أوكرانيا في شباط من العام 2022. هذا الذي دفع الرّئيس الصيني شي جينبينغ إلى دفع المنظّمة لقبول طلبات عضوية ستّ دول، ثلاث منها عربية وهي مصر والمملكة العربيّة السّعودية والإمارات العربيّة المتّحدة إضافة إلى اثيوبيا والأرجنتين وإيران.

والملاحظ في هذا الأمر هو أنّ خمس من أصل ستّ دول قُبلت عضويّتها تقع في منطقة الشرق الأوسط، وهي إيران والإمارات العربية المتّحدة والمملكة العربيّة السّعودية ومصر وأثيوبيا، ثلاث منها دول منتجة للنّفط هي طهران وأبو ظبي والرياض، إضافة إلى أنّ دولتين تقعان في شرق إفريقيا هما مصر وأثيوبيا.

وتكمن دلالات هذا الموضوع في حاجة الصّين إلى الوصول إلى منطقة الشّرق الأوسط بصفتها عقدة المواصلات التجارية العالمية من جهة، وبصفتها البوابة إلى القارّة الإفريقية التي يستعر حولها النّزاع مع الغرب من جهة أخرى. والجدير ذكره أنّ الصّين وروسيا دعّمتا علاقاتهما مع جنوب إفريقيا العضو في البريكس للنفاذ عبرها إلى منطقة إفريقيا جنوب خطّ الاستواء، في حين أنّهما تسعيان لتدعيم علاقاتهما مع الجزائر لتكون قاعدة الانطلاق في غرب إفريقيا، وبالتالي تصبح مصر وأثيوبيا قاعدتي انطلاق البريكس والصّين وروسيا إلى منطقة شرق إفريقيا.

أمّا السبب الذي حدا بالصّين إلى الدّفع باتّجاه ضمّ الدّول النفطية الثلاث أي الإمارت العربية المتّحدة وإيران والمملكة العربيّة السّعودية إلى البريكس فيكمن في حاجتها إلى ضمان الاستقرار في منطقة غرب آسيا للوصول عبرها إلى منطقة شرق المتوسط من جهة، وضمان الوصول إلى مصادر الطّاقة من نفط وغاز من جهة أخرى.

الملاحظ في هذا الأمر هو أنّ خمس من أصل ستّ دول قُبلت عضويّتها تقع في منطقة الشرق الأوسط

لماذا تهتم القاهرة وأديس ابابا بالانضمام إلى البريكس

تعدّ مصر واحدة من أكبر الدول المتلقية للمساعدات الأميركية والواقعة في ظلّ الهيمنة الأميركية منذ العام 1974 ، حين اختار الرّئيس المصري الراحل أنور السادات الانتقال بمصر إلى المعسكر الغربي. إلّا أنّ القاهرة مؤخّرا بدأت بتنمية علاقاتها مع موسكو وبكّين.

وقد تعزّز هذا التوجّه خلال العامين الماضيين بعد تفجّر الأزمة الاقتصادية في مصر، وبعدما لم تقدّم الدّوائر الاقتصادية الغربية أيّ عون للقاهرة. لذا فإنّ القيادة المصرية ارتأت أن تقلّل من اعتمادها على الدّولار في تعاملاتها التجارية الخارجية، ولم تجد من يقبل بذلك إلّا مجموعة البريكس. إضافة إلى ذلك فإنّ المعاملة التجارية التفضيلية التي تعمل بها منظومة البريكس الدّول الأعضاء تشجّع القاهرة على الاندماج في المنظّمة لتنويع علاقاتها الاقتصادية بما يعطيها مكاسب أكبر وهامش مناورة أوسع.

أمّا بالنّسبة لأثيوبيا فلقد سجّلت أعلى نسب نموّ بقيادة الرئيس أبي أحمد إلّا أنّ اندلاع الحرب في إقليم تيغراي في العامين الماضيين دمّر كلّ ما سبق وتحقّق، إذ أدّت الحرب إلى انهيار الاقتصاد الأثيوبي، خصوصاً بعدما قطعت الولايات المتحدة الامتيازات التجارية الممنوحة لأثيوبيا وعلّقت مساعداتها الغذائية لها.

لذا فإنّ الانضمام إلى البريكس يمكن أن يساعد أثيوبيا في إعادة بناء اقتصادها وتخفيف الاعتماد على المساعدات الاقتصادية والتجارية مع الولايات المتّحدة. وتحتاج الحكومة الأثيوبية إلى دعم عملتها المحلّية، وتوفير استثمارات جديدة لإعادة إعمار إقليم تيغراي الذي تقدّر تكلفته ب 20 مليار دولار.

لماذا تهتمّ أبو ظبي والرياض وطهران بالانضمام إلى البريكس

تسعى الإمارات العربية المتّحدة للعب دور ريادي في منطقة الشرق الأوسط، وهذا يجعلها تسعى لتنويع تحالفاتها الدّولية وعدم الاكتفاء بعلاقات قوية مع الولايات المتّحدة الأميركية. وبعد تولّيه رئاسة البلاد زار الشيخ محمد بن زايد آل نهيان روسيا والصّين في عدّة مناسبات، والتقى الرئيسين فلاديمير بوتين وشي جينبينغ.

وتسعى أبو ظبي لأن تكون جاذباً للأموال والاستثمارات ليس فقط من الدوائر الغربية لكن أيضا من الدوائر الأوراسية. والجدير ذكره أنّ دبي أصبحت ملاذاً للرساميل الرّوسية ومنطقة مفضّلة للروس للتّجارة بالذهب والنّفط خصوصاً بعد العقوبات الغربية التي فُرضت على موسكو بعد اندلاع الحرب في أوكرانيا. كذلك فإنّ للإمارات العربية علاقات قويّة مع الهند كما نمت علاقاتها مع الصّين على الرغم من أنّها تنوي الابقاء على علاقات استراتيجية مع الولايات المتحدة الأميركية.

ويأمل القادة الإماراتيون في أن يؤدّي الانضمام للبريكس إلى تقديم ضمانات أمنية في مواجهة ما يعتبرونه تهديدات إيرانية بعدما فشلت واشنطن في السنوات السابقة في تقديم هكذا ضمانات في منطقة الخليج ومضيق هرمز.

أمّا بالنّسبة للمملكة العربية السّعودية فهي تسعى لتخفيف اعتمادها على الولايات المتحدة، خصوصاً في ظلّ العلاقات المتذبذبة بينهما في ظلّ إدارة الرئيس جو بايدن الذي يتدخّل في شؤون الرياض الداخلية بذريعة الديمقراطية وحقوق الإنسان، ما أدّى إلى مواقف متباينة بينهما في قضايا رئيسية، مثل زيادة انتاج النفط وهو المطلب الأميركي الذي رفضته المملكة وغيرها من القضايا.

لذا فإنّ الرياض ترى أنّ الانضمام إلى البريكس ممكن أن يحقّق التوازن في شراكاتها التقليدية مع الولايات المتحدة وأوروبا، وذلك عبر بناء شركات مع أكبر شركائها التجاريين وهما والصين والهند. كذلك فإنّ الرّياض التي تواجه حملات تشكيك في مشروعها لإعادة هيكلة اقتصادها عبر مشروع رؤية المملكة 2030، تراهن على علاقاتها مع الصّين وروسيا والهند في دفع هذه الخطّة قدماً بما يضمن للرياض القدرة على مواجهة تحدّيات التنمية الاقتصادية في مجتمع سعودي يتغيّر ويتحوّل بأنماط سريعة. كذلك فإنّ من شأن الانضمام إلى البريكس تقديم ضمانات أمنية للرياض في مواجهة إيران التي ستنضمّ أيضا إلى المنظمة وذلك عبر وضع سقوف للتوتّرات معها بضمانات صينية وروسية.

وأخيراً فإنّ الانضمام إلى البريكس يشكّل خطوة مهمّة بالنّسبة لإيران. فلقد سعت طهران التي تمتلك ثاني أكبر احتياطي للغاز في العالم، وربع احتياطي النفط في الشرق الأوسط، إلى الانضمام إلى مجموعة البريكس لتعزيز علاقاتها الاقتصادية والسياسية مع القوى غير الغربية، في ظلّ العقوبات التي تفرضها الولايات المتحدة والدّول الغربية عليها. وفي السنوات القليلة الماضية، أقامت إيران شراكة أمنية وعسكرية عميقة مع روسيا، وعززت علاقاتها الاقتصادية مع الصين. واعتبر الكثيرون الدّعوة للانضمام إلى مجموعة البريكس بمثابة خشبة خلاص مدّت لطهران خصوصاً أنّ اقتصادها يعاني من النموّ البطيء والتضخّم.

ومن المرجّح أن انضمام الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية وإيران إلى منظمة بريكس بالنّسبة لكلّ من الصين وروسيا يمثّل دفعاً لجهودهما لإقامة نمط علاقات بديل عن العلاقات الدّولية التي سادت خلالها الهيمنة الأميركية والغربية، بما يسرّع من قيام نظام دولي متعدّد الأقطاب يمكن للدّول غير الغربية أن تحفظ مصالحها فيه.