أخيراً، وعلى ضفاف نهر السين، وفي قلب العاصمة الفرنسية التاريخي وسط الضخامة الحضرية، وبعد انتظار طويل ومؤلم وقاسي دام لأكثر من أربع سنوات، وتحديداً منذ 15 نيسان 2019 تاريخ الحريق الذي التهم أجزاء من الاعجوبة المعمارية، ضحكت السماء مجدداً ولاحت "بشائر الانتهاء" من ترميم الكاتدرائية المتألّقة فوق مساحة حوالي 6000م2، كاتدرائية "سيدتنا العذراء لباريس" أو ” Notre - Dame de Paris”، والتي أعادت الروح لباريس، ولفرنسا، وللتاريخ وللعالم كلّه.

"نوتردام"... كاتدرائية باريس ذات العشرة أجراس ودرّة فرنسا والشاهدة على تاريخها العريق، تعتبر من أعرق وأشهر وأقدم صروح عاصمتها، وهي مُدْرَجة على لائحة اليونسكو للتراث العالمي. شيّدت على مدى 182 عاماً ما بين الأعوام 1163-1345، واقترن اسمها بالتاريخ الفرنسي، ذَكرها الروائي الفرنسي الشهير "فيكتور هوغو" في العام 1831 في روايته "أحدب نوتردام"، وكانت شاهدة على تتويج نابليون بونابارت وإعلان تحرير فرنسا من الاحتلال الألماني في مثل هذه الأيام من العام 1944 وتحديداً بتاريخ 20 آب.

السلطات الفرنسية صرّحت وعلى لسان مدعي عام باريس، أن التحقيق بالحريق الذي أصاب الكاتدرائية يركّز على فرضية "الحريق العرضي" في "نكبة نوتردام" بسبب أعمال الترميم التي كانت تقوم بها الجهات المختصّة.

وخلال زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لمكان الحادث، تعهّد بان فرنسا ستعيد بناء "نوتردام" بصورة أجمل خلال خمس سنوات. وأضاف، "بوسعنا تحويل هذه الكارثة إلى فرصة للاتّحاد".

وقد عيّنت الحكومة الفرنسية الجنرال المتقاعد "جان - لويس جورجولين" لقيادة فريق إعادة بناء "نوتردام"، وهو الذي صرّح أخيراً، "أنّ العالم وتحديداً الفرنسيين سيشاهدون في الأشهر المقبلة ارتفاع برج "الكاتدرائية"، حينها سيعرفون أنّ أيقونة فرنسا قد عادت إليهم".

والجدير ذكره، أنّ من أجمل ما قام به الحرفيّون والمعماريون والمهندسون والأمنيون والإطفائيون وكلّ من ساهم ولا زال في ترميم "نوتردام" من قريب أو من بعيد، هو العمل بنقيضين: "الصمت" و"روح حياة"، إنّها استمرار لبادرة حُبّ شعب تجاه قلب أمّه الجريح. فخبير ترميم الزجاج القديم الذي قام بنزع أغلب الزجاج من الكاتدرائية من أجل تنظيفه، قال: "عليها دهون خلّفها ملايين المصلّين وسُخام ملايين الشموع"، أما كبير المهندسين المعماريين في فرنسا "فيليب فيلنوف" فقال: " 15 نيسان 2019 كنت أتعس إنسان وأتعس مهندس معماري على وجه الأرض، أمّا اليوم، فأنا أسعد انسان وأسعد مهندس معماري في الكون، أنا أتابع ميلاد "نوتردام" من جديد، "نوتردام" كما "طائر الفينيق" الذي احترق وولد من جديد وأصبح رمزاً للحياة والأمل، "نوتردام" كالشّمس التي تموت كلّ يوم ليشرق فجرها من جديد.

لقد لاحت بشائر الانتهاء في الأفق، فقد صرّحت وزيرة الثقافة الفرنسية "ريما عبد الملك"، إنّ "كاتدرائية نوتردام" في طريقها لإعادة فتح أبوابها للمصلين والسائحين خلال نهاية عام 2024 بصورة نهائية.

ختاماً، إنّ هذا الصرح هو من أشهر الكاتدرائيات في العالم، كان يزورها سنوياً حوالي 14 مليون سائح، ومن المتوقّع عند إعادة فتحها للجمهور في نهاية العام 2024 سيزورها أكثر من 30 مليون سائح في نهاية العام 2025، وسيشاهدها حول العالم أكثر من 500 مليون مشاهد عند أول قداس يقام فيها.