انعقد في الصّرح البطريركي الماروني في الدّيمان اللقاء التشاوري الوزاري، برئاسة رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، وحضور البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، وشارك فيه الوزراء: "بسام مولوي، فراس الابيض، عباس الحلبي، جورج كلاس، يوسف خليل، جورج بوشيكيان، محمد وسام مرتضى، عباس الحاج حسن، عصام شرف الدين، نجلا رياشي، جوني القرم، زياد المكاري، علي حميه، أمين سلام ومصطفى بيرم".

الراعي: ليست جلسة لمجلس الوزراء بل لقاء عفوي

في بداية اللقاء رحّب البطريرك الرّاعي برئيس الحكومة والوزراء. وقال: "فكرة اللقاء صدرت بعفوية، وهي ليست جلسة لمجلس الوزراء بل لقاء عفوي للتّشاور والتّحاور في كلّ القضايا العامة، والدّيمان دائماً يجمع على كلمة سواء، وآسف أنّ البعض قام بتحميل اللقاء أكثر ما يحتمل".

وأضاف:": عندما زارني الموفد الرئاسي الفرنسي جان ايف لودريان للمرّة الأولى قلت له كلّ ما تسمعه لا يعبّر عن الحقيقة. نحن جمهورية ديموقراطية برلمانية وهناك مرشحان للرئاسة، فليقم النوّاب بواجباتهم في الاقتراع، فإمّا يُنتخب رئيس أو لا ينتخب، وفي ضوء النتيجة يُصار إلى حوار وإتّفاق على مرشح ثالث. للأسف البلد سائر إلى الخراب والدّولة تنازع وما نشهده من سجال بشأن حقّ الحكومة في العمل وحدود ذلك هو نتيجة".

وتابع الراعي: "لقاؤنا اليوم حرّ وأخوي للبحث في كلّ الأمور بوضوح وما ينبغي أن يقال سيقال. فرحتنا اليوم دولة الرئيس بقدومك مع السّادة الوزراء".

ميقاتي: فكرة هذا الاجتماع كانت "بنت ساعتها"

ثم تحدّث رئيس الحكومة فقال: "من الصعب إضافة أيّ كلمة على ما قاله صاحب الغبطة، ففكرة هذا الاجتماع كانت "بنت ساعتها" عندما اجتمعنا الاسبوع الفائت، واتّفقنا على هذا اللقاء للنّقاش في الأمور التي تجمع اللبنانيين وفي مقدّمها احترام الصيغة اللبنانية والتنوّع داخل الوحدة اللبنانية التي نعتبرها ثروة لبنان. هناك إجماع عند جميع اللبنانيين للتمسّك بالقيم اللبنانية الروحية الأخلاقية والأسرة".

وأضاف: "من هذا المنطلق رغبنا في عقد هذا اللقاء ونحن نستغرب بعض التفسيرات التي أُعطيت له واعتبار البعض أنّه يشكل انقلاباً على اتّفاق الطائف، علماً أنّ روحية اتفاق الطائف تنصّ على التحاور والتلاقي بين اللبنانيين".

وأكَّد: "نحن على استعداد لأن نكون جسر عبور بين جميع اللبنانيين وأن نتحاور في كلّ المواضيع التي تجمع اللبنانيين. فإذا لم نستطع التحرّك ولو ضمن إطار التّحاور والتلاقي، فالبلد لن يتعافى. البلد من دون رئيس جمهورية وبحكومة تتولّى تصريف الأعمال، ومجلس النواب لا ينعقد، والمناكفات السياسية بلغت أقصى حد. نحن مستعدّون للتلاقي أينما كان لنكون جسر تحاور وأخوّة بين جميع اللبنانيين".

وأضاف ميقاتي "بحثنا سيتناول الصّيغة اللبنانية والتمسّك بها والقيم الأخلاقية والروحية وأساسها الاسرة.ونشكرك صاحب الغبطة على الاستضافة، وآسف أنّ البعض تخلّف عن الحضور لأسباب مختلفة".

البيان الختامي: 

إنّ دولة رئيس مجلس الوزراء، والوزراءَ الحاضرين يشكرون صاحب الغبطة والنيافة البطريرك الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي بطريرك أنطاكيا وسائر المشرق للموارنة، على استضافته هذا اللقاء التشاوري في هذا الصرح الذي كان النواة الأولى لفكرة لبنان الكبير. ويعربون عن تقديرهم البالغ لرمزية هذا المكان وبعده الوطني والروحي، ولمقام سيّده ودورِه المتقدم في لمّ شمل العائلة اللبنانية،  ويثمّنون ما أضفى ذلك على مناخ المداولات التي جرت ومضمون الخلاصات التي توصّل إليها هذا اللقاء.

وبعد

يمرّ وطننا لبنان اليوم في مرحلةٍ من أخطر مراحل تاريخه، مليئةٍ بالأزمات والتّحدّيات السياسية والاقتصادية والمالية والمعيشية غير الخافية على أحد، والتي تضاف إليها أزمة أخرى كيانيةُ الطابع تتعلق بجوهر وجوده ودوره الحضاري على صعيد الإنسانية جمعاء. فهذا الوطن الصغير أُعطيَ نعمةً كبيرة وهي أن يكون ملتقى الذين يطلبون السلام والأمن والحرية والحياة الكريمة. وقد جاءت الصيغة اللبنانية لتكرس هذه القيم في إطار من العيش معًا، يحفظ التنوع داخل الوحدة، ويفرض احترام الآخر المختلف، ومحبتَه كما هو، وعدمَ الخوف منه، والتكاملَ معه لتحقيق المجتمع المتآلف المتضامن، الذي يقود إلى بناء الدولة العصرية العادلة والقوية، الغنية بوحدتها واتساع ثقافة مواطنيها.

إنَّ اللبنانيين جميعاً مدعوون لحماية هذه الصيغة بترسيخ انتمائنا إلى هويتنا الوطنية الجامعة، والعملَ على تمتين الوحدة من خلال التنوع، والتخلي عن دعوات التنصّل من الآخر، مهما كانت عناوينُها.

كما تطالعنا في هذه الأيام، على صعد رسمية وغير رسمية، مفرداتُ خطابٍ مموَّه بدعاية الحداثة والحرية وحقوق الإنسان، يناقض القيم الدينية والأخلاقية التي هي في صلب تكويننا النفسي والروحي والاجتماعي.

ويشكل هذا الخطاب مخالفة صريحة لنصّ وروحية المادتين التاسعة والعاشرة من الدستور اللبناني. إنّ مسؤولية مواجهة هذا الخطاب تقع على عاتق الجميع من دون استثناء، من مراجع دينية وسلطات سياسية وقضائية ومؤسسات تربوية وإعلامية وقوى مجتمع مدني، لأنّنا نرفض أن يكون حاضرُ أبنائنا مشوَّشًا، كي لا يصير مستقبلُهم مشوَّهًا.     

في ضوءِ هذا كله، خلص اللقاء التشاوري بين الوزراء المنعقد في الديمان بحضور صاحب الغبطة البطريرك مار بشارة بطرس الراعي إلى ما يأتي:

أولاً: وجوب الاسراع في انتخاب رئيس للجمهورية يقود عملية الإنقاذ والتعافي، إذ لا مجال لانتظام أيّ عمل بغياب رأس الدولة.

ثانياً: دعوة القوى السياسية كافّةً إلى التشبّث باتفاق الطائف وبميثاق العيش المشترك، والتخلّي عن كلِّ ما قد يؤدّي إلى المساس بالصيغة اللبنانية الفريدة.

ثالثاً: دعوة كلّ السلطات والمؤسسات التربوية والإعلامية الخاصة والرسمية وقوى المجتمع المدني الحية، والشعب اللبناني بانتماءاتِه كافةً، إلى التشبث بالهوية الوطنية وآدابها العامّة وأخلاقياتها المتوارَثة جيلاً بعد جيل، وقيمها الايمانية لا سيّما قيمة الاسرة وحمايتها، وإلى مواجهة الأفكار التي تخالف نظام الخالق والمبادئ التي يجمع عليها اللبنانيون.

رابعاً: دعوة المواطنين إلى حوار حياةٍ دائم بينهم، بحيث يسعى كل مواطن إلى طمأنة أخيه وشريكه في الوطن، على فكره وحضوره وحقوقه وفاعلية انتمائه الوطني.

خامساً: التعاون الصادق بين كل المكونات اللبنانية لبلورة موقف موحّد من ازمة النزوح السوري في لبنان والتعاون مع الدولة السورية والمجتمع الدولي لحلّ هذه المسألة بما يحفظ وحدة لبنان وهويته.

وقد جدّد صاحب الغبطة تثمير جهود رئيس الحكومة والوزراء كافّة في تمرير هذه المرحلة الصعبة مع المحافظة على مندرجات الدستور.

وفي الختام جدّد المجتمعون شكرهم لصاحب الغبطة على استضافتهم. كما جددوا تعويلهم عليه وعلى هذا الصرح وسائر القيادات الروحية في المساعدة على انجاح سعي مجلس الوزراءالى حفظ التنوع ومبدأ العيش معاً وإلى حماية القيم الأخلاقية والايمانية التي تشكل حجر الزاوية في الكيان اللبناني.