داود ابراهيم

يصرّ البعض في لبنان على تصوير المرشح لرئاسة الجمهورية سليمان فرنجية على أنه الأقدر على توفير الضمانات التي يطلبها الخارج من حزب الله لانتظام الحكم في البلاد ولضمان الاستقرار في الداخل وفي الإقليم. وينطلق هذا البعض من كون حزب الله أعلن دعم فرنجية حتى قبل أن يعلن هذا الأخير ترشيحه رسميّاً، على اعتبار ان الحزب يريد رئيساً يأمَن له. ولكن السؤال الذي يقابل هذا الطرح هو: ألم يكن العماد ميشال عون مدعوماً من حزب الله حين تولى مهام رئاسة الجمهورية، وألم يتمسّك به الحزب تحت نفس العناوين التي يعلنها اليوم كمواصفات للرئيس المنتظر؟ فهل ما يوفّره الحزب اليوم لفرنجية لم يوفّر مثله لعون حين وصل إلى بعبدا؟

يترقّب اللبنانيون ارتدادات زيارة وزير الدولة القطري للشؤون الخارجية محمد بن عبد العزيز الخليفي إلى بيروت، ولقاءاته مع مختلف الفرقاء المعنيين بانتخابات رئاسة الجمهورية، وقبلها زيارة فرنجية إلى العاصمة الفرنسية بناءً على دعوة أو بناءً لطلبه، وسبقتهما زيارة معاونة وزير الخارجية الأميركية باربرا ليف إلى لبنان. ويستمر ضخ المعلومات حول انقسام بين أعضاء الخماسية الدولية التي تنظر في القضية اللبنانية بكل أبعادها والملف الرئاسي من ضمنها. فما يحكى عن تمسك فرنسا بمبدأ المبادلة، فرنجية مقابل نواف سلام لرئاسة الحكومة، مع التركيز على غياب ممانعة أميركية لوصول فرنجية ومحاولة الإيحاء بأن السعودية لا تعارضه ولكنها حددت مواصفات للرئيس، يتم العمل على مطابقتها مع ما يستطيع فرنجية تحقيقه انطلاقا ممن يدعمه، مستندين إلى أنّه يستطيع أن يأخذ من حزب الله ومن سوريا ما لا يستطيع أي طرف آخر أخذه. يبقى أن هذا الطرح يوحي وكأن الأزمة القائمة بوجه النهوض والاستقرار والبحبوحة في لبنان يمثلها حزب الله من جهة وسوريا من جهة أخرى، وأن المطلوب وصول من يستطيع تغيير سلوك الحزب وسوريا في مسائل عدّة للوصول إلى برّ الأمان.

ولكن هل الأزمة عند حزب الله وحده؟ لا بدّ من التنويه بوجود مقاربة أخرى تتعلق بما يمثله الداعم الثاني لفرنجية وهو رئيس البرلمان نبيه بري. فهذا الأخير هو المعضلة الكبرى بالنسبة للتيار الوطني الحر وكتلته النيابية، وهي إحدى كبريَيْ الكتل المسيحية في البرلمان، انطلاقا من اعتبار أنه من تصدى لعهد ميشال عون، وعرقل إنجاز أي ملف يمكن أن يصبّ في مصلحة التيار. وهو من تمسك بترشيح فرنجية حين اختار حزب الله دعم ميشال عون، وكان ما كان بينه وبين بعبدا من تباعد وبيانات وانتقادات متبادلة حتى لا نقول أكثر. ويعتبر التيار أن بري هو سبب ضرب ورقة التفاهم التي جمعته بحزب الله، وخصوصاً لجهة إحجام الحزب عن دعم التيار في ملفات الإصلاح ومحاربة الفساد وبناء الدولة. بالتالي لا يستطيع التيار تحت أي عنوان القبول بوصول فرنجية إلى الرئاسة الأولى، وهو بالتالي لن يصوّت له.

على مقلب الكتلة النيابية المسيحية الثانية أي القوات اللبنانية يطرح السؤال، هل التقارب الإيراني السعودي سيلزم القوات بالتسليم لفرنجية؟ أولا،ً لن يكون من السهل على القوات التبرير لمناصريها قبل خصومها السير بهكذا خطوة. ولا يستقيم الحديث عن مرشح سيادي وشعارات الحرية والسيادة والاستقلال مع القبول بالتوافق الخارجي على مرشح ليتولى سدة الرئاسة في لبنان، في حين ترفضه أغلبية الشارع المعني بالموقع بالدرجة الأولى. الأكيد أن القوات ستكون بمواجهة مع شعارات حملتها الانتخابية التي حصدت بنتيجتها على حجم تمثيلها الحالي في البرلمان. وبخلاف ما يصرّ الخصوم على قوله يبدو أن القوات لن تسمح بتصويرها وكأنها رهن إشارة المملكة العربية السعودية، أو أن الرياض ستلزمها بالتسوية التي يأمل البعض أن تنتهي بفرنجية رئيساً.

وعلى مقلب النواب التغييريين هل من كلمة تجمع بين هؤلاء؟ هل سيرضون بالتسوية الخارجية لينسفوا آخر ما قالوا أنّه ما يميّزهم عن الأحزاب التقليدية في لبنان؟ هل سيتعمّق الانقسام في ما بينهم فيتحولون إلى نسخة مشوّهة عن السلطة التي انتقدوا تشرذمها؟

وفي حال تمّ تأمين النصاب، واستطاع فرنجية الفوز بأصوات تؤهّله الوصول إلى سدّة الرئاسة، من سيكون رئيس الحكومة المكلّف في الاستشارات النيابية الملزمة؟  وكم سيستغرق الأمر لتشكيل الحكومة؟، هل ستكون حكومة من أصحاب الاختصاص أم ستكون حكومة مطعمّة بسياسيين أم حكومة سياسية؟ وماذا عن الحقائب الوزارية؟ كيف سيتم توزيعها؟ هل ستشارك الأحزاب السياسية فيها ووفق أي مواصفات؟ هل سيبدأ العمل بمبدأ المداورة في الحقائب؟ والأهم وزارة المالية ستكون مِن حصة مَن؟ وفي حال رفض الرئيس المرتقب للحكومة أن تكون المالية من حصّة بري، هل سيمتنع فرنجية عن القبول بالتشكيلة الوزارية لينتهي الأمر بتسمية رئيس من دون القدرة على التشكيل؟ أم أن وصول فرنجية لسدة الرئاسة سيكون كافياً لبري ليتخلّي عن وزارة المالية؟ أليس هو من يستطيع أن يأخذ من الثنائي ما لا يستطيع أحد آخر أخذه؟

نظرية رئيس الجمهورية من فريق ورئيس الحكومة من فريق، هل يمكن أن تكون الحل للوضع المأزوم في لبنان؟ هل تستطيع السلطة التنفيذية ممارسة الحكم فعلاً في حال تشكلت من دون مباركة الأغلبية النيابية الحالية؟ إلى أي مدى ستكون المعارضة حاضرة وفاعلة؟ وكيف سيكون عمل رئيس حكومة من خارج الطبقة السياسية التي اعتادها اللبنانيون؟ وقبل السؤال عن برنامج عمل الحكومة لا بد من التوقف عمّا سيكون عليه بيانها الوزاري الذي ستأخذ الثقة على أساسه؟ هل سيتولى الأمر فريق عمل وزاري متجانس أو متداخل بمصالح مختلفة ومتضاربة؟

هذه الأسئلة على أهميتها لا بد من الإقرار أنها تأتي بعد تلبية شروط "الثنائي الوطني" التي يعرفها فرنجية قبل غيره، فدعم ترشيحه من قبل حزب الله وأمل لم يأتِ من عبث. يراهن فرنجية على أن التقارب الإيراني السعودي وتهدئة الجبهات من اليمن إلى العراق فسوريا وغيرها من الساحات، يمكن أن ينتهي بتراجع دور حزب الله وإعادة تموضعه داخل الحدود اللبنانية. وعند الحدود الجنوبية ستكون ورشة التنقيب عن الغاز والنفط قد انطلقت، وهذا ما سيرسي استقراراً لا يجوز تعكيره نظراً لأهمية هذا الأمر على مستقبل البلاد. ومع تراجع الدور العسكري، سيصبح البحث بموضوع السلاح أسهل وهو رهن بحوار داخلي، ولكن لا بد هنا من توقع أن يتنامى دور الحزب في المؤسسات اللبنانية بعد ترك الجبهات المختلفة، وهو ما سيضعه بمواجهة مع حليفه بري الذي يستحوذ على أغلب الحصص الخاصة بالطائفة. فهل سيلتزم حزب الله بهذه التطورات أو التصورات لمستقبل المنطقة؟ وهل يتخلى الحزب عن شعاراته المتصلة بتحرير مزارع شبعا وتلال كفرشوبا وصولاً إلى تحرير فلسطين؟ ومن جهته هل سيقف بري متفرجاً؟ خصوصاً أن لبري أيضاً شروطه إن لم نقل أهدافه من هذا الترشيح والتي وإن لم تكن جديدة فقد تكون الإبقاء على القديم، وهو الأمر الذي لا يمكن أن يستقيم مع تغيّر الأحوال المالية والاقتصادية وتغيير المعادلات الإقليمية والدولية والتحالفات المحلية.

هي إذاً رئاسة مرهونة بتسويات وشروط وضمانات أشبه بطبخة بحص.