الصفا
بحكم الأمر الواقع فتحت الحكومة اللبنانية الباب أمام إعادة الوصل مع سوريا نتيجة الزلزال الذي وقع، وبعد أن أعلنت الولايات المتحدة تعليق تطبيق قانون قيصر بحق سوريا. إذاً على الإيقاع الأميركي تجرأ رئيس حكومة تصريف الأعمال القيام بهذه الخطوة ، وعلى وقع الزلزال فتحت الأبواب أمام اللجنة البرلمانية لزيارة سوريا.
واضح أن سوريا إنتقلت اليوم إلى الموقع المختلف، بدأ الإنفتاح الدولي والعربي عليها وبشائر الحوار السوري والسعودي بدأت تلوح في الأفق . ومتأخراً استلحق لبنان نفسه، وتحت عنوان تعليق قانون قيصر تسلل إلى سوريا عبر الوفد الوزاري، ثم اللجنة البرلمانية، في وقت لم يعد يشكّل فيه وزناً في قرار إنفتاحه على سوريا، حتى بات السؤال هل قرّر لبنان الإنفتاح على سوريا أم أن سوريا ستفتح الباب أمام لبنان؟
لزمن طويل حكمت مقولة شعب واحد في بلدين العلاقات اللبنانية السورية. لزمن طويل إستمر هذا التداخل في العلاقات السياسية والإقتصادية والأمنية وقارب حد التبعية. شكّل اغتيال الرئيس رفيق الحريري منعطفاً خطيراً في العلاقة، فتأرجحت بين توتر وآخر حتى بلغت حد القطيعة. بدأت الحرب على سوريا وكثر المراهنون على نهاية النظام ورئيسه بشار الأسد. وصلت أصداء المواقف الحادة قصر الشعب السوري كبر العتب وزاد. خمسة عشر عاماً من القطيعة لم يبادر خلالها لبنان بإتجاه سوريا. كان التخاطب يتم بالمراسلة وتسيير الأمور المشتركة بين البلدين بالواسطة، حتى الزيارة الأولى لرئيس جمهورية لبنان وحليف سوريا العماد ميشال عون كانت إلى السعودية وليس إلى "الشقيقة". طيلة فترة عهده أمضاها كانت علاقة عون مع نظيره السوري خلف الكواليس ومن خلال مدير عام الأمن العام تحت عنوان النازحين وبعلم الأميركيين.
على فداحته شكّل الزلزال الذي ضرب سوريا مناسبة لإعادة ضخ الدم مجدداً في شريان العلاقات اللبنانية السورية. على عجل شكّلت الحكومة اللبنانية وفداً وزارياً زار سوريا مؤازراً الدور الكبير في ترتيب الزيارة أدّاه وزير حزب الله في الحكومة علي حمية الذي فتح المجال البري والبحري أمام تدفق المساعدات إلى المناطق السورية المنكوبة. هو نفسه سلّم رقم هاتف رئيس الحكومة السوري حسين عرنوس إلى رئيس الحكومة نجيب ميقاتي الذي قدم التعازي لنظيره بضحايا الزلزال، وأبدى استعداد لبنان لمساندة سوريا. كانت تلك المرة الأولى التي يتم فيها الإتصال بين رئيسي حكومتي لبنان وسوريا منذ عهد حكومة الرئيس سعد الحريري. على سبيل رد التحية بالمثل استقبل الرئيس السوري بشار الأسعد الوفد الوزاري اللبناني وتبادل معه أطراف الحديث في الأمور العامة.
بعدها بمدة وجيزة، قام وفد من لجنة الأخوة والصداقة البرلمانية اللبنانية - السورية، برئاسة رئيسها النائب علي حسن خليل بزيارة إلى دمشق، فالتقى الرئيس السوري الدكتور بشار الاسد ونقل اليه بإسم رئيس مجلس النواب نبيه بري رسالة "دعم لصمود الشعب السوري الشقيق في مواجهة العدوانين الإسرائيلي والداعشي، في ظل المصاب الجلل المتمثل بالزلزال".
في تحليل الزيارة وأهدافها أنها محاولة تمهيد لزيارة محتملة إلى سوريا لرئيس مجلس النواب نبيه بري يتم العمل على تحضيرها منذ أيام. كان متوقعاً حصولها الأسبوع الماضي لكنها أرجئت إفساحاً في المجال أمام مزيد من الإتصالات لإنجاحها.
وقالت مصادر متابعة لزيارة الوفد البرلماني اللبناني إن اللقاء مع الرئيس السوري والذي لم يزد على 17 دقيقة تم بمبادرة من لجنة البرلمانيين السوريين، وأن البحث اقتصر على الشأن الإنساني والإجتماعي وتداعيات الزلزال دون أن يتم التطرق إلى الشأن سياسي.
تثمّن المصادر الخطوات اللبنانية تجاه سوريا لكنها تستدرك قائلة إنه من المبكر الحديث عن صفحة جديدة في علاقة قد فتحت مجدداً.
المطّلعون على الموقف السوري يرون أن الزيارات البروتوكولية لا تعني بالضرورة أن أبواب العلاقة الطبيعية عادت إلى سابق عهدها، قد تكون فتحت كوة في العلاقة الباردة، لكن عودة العلاقة بين لبنان وسوريا تتوقف على موقف المؤسسات اللبنانية الرسمية من العلاقة مع سوريا وعلى الموقف اللبناني عموماً. فهل يريد لبنان علاقة مع سوريا أم أن فريقاً فيه لا يزال يتعاطى معها كدولة عدوة؟ ويتابع المطلعون قولهم إن سوريا وإن كانت تشرّع أبوابها لإستقبال من يرغب بزيارتها لكنها تريد جهة تجيب على أسئلة معينة تتعلق بأي تفاهم لرؤية العلاقة بين البلدين يريدها لبنان وضمن أية آليات؟ وهل لا يزال لبنان متمسكاً بمعاهدة الصداقة والأخوة المنبثقة عن تفاهم الطائف؟
بحسبهم فإن سوريا وإن تجاوزت بعض المواقف الحادة تجاه نظامها من بعض الحلفاء فإن مجرد العودة البروتوكولية لن يغني عن الحاجة إلى الحوار حول جملة مسائل لا تزال عالقة بين البلدين؟ وماذا سيكون عليه الموقف اللبناني بعد انتهاء مهلة الـ 180 يوماً التي أعلنتها وزارة الخزانة الأميركية لرفع بعض العقوبات المفروضة على سوريا بهدف إيصال المساعدات إلى المتضررين من الزلزال؟ الأمر هنا بات مرهوناً برئيس الجمهورية المقبل والحكومة ورئيسها على المستوى اللبناني الداخلي، وبنجاح المفاوضات السورية السعودية وعودة س-س خارجياً، أقله من قبل لبنان الذي يتصرف على وقع الموقفين الأميركي والسعودي من الجارة القريبة.