الصفا

شهدت بعض المناطق اللبنانية اليوم حرق إطارات وقطع طرقات رداً على ارتفاع سعر صرف الدولار الأميركي مقابل الليرة اللبنانية والذي لامس خلال ساعات النهار عتبة الـ 77 ألف ليرة.

هذا الانهيار المالي مرده إلى عوامل عدة، أهمها حجم الدين العام وعدم القدرة على سداده، السياسة المالية وتثبيت سعر صرف الدولار، حجز المصارف الخاصة لأموال المودعين، الفساد والهدر والعجز عن تحقيق برامج الإصلاح وتطبيق مبدأ المحاسبة، غياب الاستقرار السياسي وانعدام ثقة المستثمرين الدوليين بواقع البلاد وهجرة أغلب اللبنانيين من أصحاب الرساميل والخبرات، تراجع تحويلات المغتربين إلى أهلهم المقيمين في لبنان، الحصار المفروض على البلاد بشكل أو بآخر لأسباب مختلفة ويضاف إلى كل هذا سوء الإدارة المحلية في مختلف القطاعات الإنتاجية والمعيشية.

يعاني المواطن اللبناني من عدم القدرة على سحب أمواله من المصارف الخاصة إلا بمبالغ محددة ووفق سعر صرف أقل من سعر صرف الدولار في السوق الموازي الذي يبلغ ثلاثة أضعاف وأكثر. كما تعاني البلاد من ارتفاع الأسعار في الخدمات والمشتريات قياساً بسعر الدولار الأميركي، فيما تعجز الدولة عن زيادة عادلة للأجور. التيار الكهربائي شهد تحسّناً طفيفاً بنحو أربع ساعات تغذية يومياً، بعدما كانت مقطوعة بشكل كامل ويعتمد الناس على المولدات الخاصة كمصدر للطاقة رغم ارتفاع بدل اشتراكها الشهري.

لا رئيس جمهورية منذ ما يزيد على 3 أشهر، حكومة مستقيلة تسيّر أعمالها باجتماعات يشكك بعض اللبنانيين بدستوريتها وبشرعية قراراتها. مجلس نيابي لا أكثرية مقررة فيه لأي طرف، يعجز حتى الساعة عن إقرار مشروع قانون الكابيتال كونترول الذي تم طرح فكرته لأول مرة في 10 تشرين الثاني 2019، وهو إجراء يتم للجوء إليه بصورة عاجلة لمنع الانهيار المالي إلا أنه لم يقر بعد رغم مرور كل هذا الوقت على بداية الانهيار.

رئيس للمجلس النيابي تراجع "فشخة" إلى الوراء، الأسبوع الفائت، عقب رفع غطاء الميثاقية عن الجلسة التشريعية التي كان يهم بالدعوة اليها، فالقراءة القواتية والتيارية (حزب القوات اللبنانية والتيار الوطني الحر) للدستور اللبناني تعتبر أن المجلس النيابي بات هيئة ناخبة منذ اليوم الأول على انتهاء ولاية رئيس الجمهورية، ولا يحق له التشريع حتى لو كان ضرورياً على نسق تمديد ولاية عدد من المدراء العامين الأمنيين والمدنيين رغم أن التمديد يأتي خشيةً من انسحاب الفراغ على مفاصل الدولة.

أحزاب سياسية طائفية متنافرة حصدت أعلى نسبة من أصوات الناخبين الذين جددوا ثقتهم بها. رفعت الكثير من الشعارات الخيالية يستحيل تطبيقها. وعود كثيرة بغياب من يسأل عن الوفاء بها. أحزاب تجتمع بالمفرق وتختلف بالجملة.

جماهير نزلت غاضبة إلى الشارع في 17 تشرين الزل 2019، احتجاجا على فرض ضريبة على الواتساب، حينها كان سعر صرف الدولار 1500 ليرة لبنانية، لم تكن المصارف تحتجز أموالهم، كانت التغذية بالتيار الكهربائي مقبولة إلى حد ما مقارنة بغيابها التام الذي حصل أخيراً. تظاهرات واعتصامات وإضرابات وشعارات انتهت بوصول عدد من النواب الذين اصطلح على تسميتهم بالتغييريين رغم أن بعضهم كان يشغل مقعداً نيابياً قبل كل ما جرى. كل ما شهدناه عقب ما حكي عن ضريبة الواتساب، وإن لم تكن تلك الأخيرة هي سببه الوحيد طبعاً، لم يحصل أن تجدد بعد كل ما ألمّ بالبلاد والعباد من تطورات دراماتيكية. يستحق الأمر مقارنة بالأسعار ما بين قبل 17 تشرين الأول 2019 واليوم، لنطرح السؤال: وينن؟ وين صواتن وين وجوهن وَيْنن؟

هل من يقطع الطريق على الدولار؟ هل يجوز الرهان على أن الحل يكون بانتخاب رئيس للجمهورية فقط، بمعزل عن مواصفات هذا الرئيس ورؤيته؟ هل يجوز تكليف أحدهم بتشكيل الحكومة من دون البحث عن مواصفات المنقذ من الانهيار كأهم مواصفاته؟ رئيس الحكومة من دون النظر إلى انجازاته وتكليف رئيس حكومة وتشكيلها من دون وضع كل ما حصل ويحصل بالاعتبار؟ هل يكفي القول أنه بانتخاب رئيس وتشكيل حكومة جديدة ستصطلح الحال، كما قيل سابقاً أنه بمجرد الفوز في الانتخابات النيابية سينخفض سعر صرف الدولار؟