علي شكر

"علّةٌ بلا دواء"، ربما يكون التوصيف الأكثر ملاءمة لواقع القطاع الكهربائي في لبنان على مدى أكثر من 3 عقود من الزمن، إذ لا تزال المُشكلة قائمة من دون أي علاج رغم إنفاق ما يقارب الـ40 مليار دولار أميركي، فالإحتفالية بالـ 4 ساعات تغذية كهربائية التي أعلن عنها أخيراً وزير الطاقة والمياه في حكومة تصريف الأعمال وليد فياض، لا تزال نعمة كبيرة في عيون غالبية اللبنانيين الذين يرزحون تحت وطأة أزمة إقتصادية خانقة.

ولأن الخصخصة ربما تكون سبيلاً جيداً فعالاً لمعالجة ما عجزت عنه الدولة لسنوات طوال، ها هي مؤسسة كهرباء زحلة والتي أثبتت تجربتها نجاحاً ملحوظاً (99% جباية وتغذية 18/24 ساعة)، مهدّدة اليوم، لأنها بحاجة إلى قانون يمدّد عقد عملها مع شركة كهرباء لبنان وهذا القانون من المفترض أنه سيصدرعن جلسة تشريعية تعقد في مجلس النواب، في ظل ما تشهده الساحة السياسية من كباش عنيف حول إمكانية الدعوة إلى جلسة تشريعية في ظل الشغور الرئاسي والذي دفع برئيس مجلس النواب نبيه بري إلى تأجيل الدعوة إلى الجلسة التي كان من المقرر أن تنعقد هذا الاسبوع.

ويبقى القانون ساري المفعول حتى آذار المقبل ولكن ماذا عمّا بعد آذار، هل بإمكان مؤسسة كهرباء لبنان استلام مؤسسة كهرباء زحلة اليوم؟ خصوصاً وأنها أعربت عن عجزها في سنوات ما قبل الأزمة الاقتصادية، فكيف هو الحال اليوم؟

دراسة

في سياق متصل، أفادت دراسة علمية اطلع عليها موقع "الصفا نيوز"، تُفيد بأن خصخصة الكهرباء في دول العالم الثالث تعتمد على عوامل أساسية تبدأ بالأطر التنظيمية وتمرّ بالمنافسة وصولاً إلى الرقابة الحكومية، لافتةً إلى أن فوائد الخصخصة متوازنة مع حماية حقوق المستهلكين والاستدامة البيئية والعدالة الاجتماعية.

وأشارت الدراسة إلى أنه يمكن للبنان التعاون مع الدول المجاورة لاستيراد الكهرباء أو الغاز الطبيعي، ما قد يساعد في تنويع مصادر الطاقة وخفض التكاليف. ولكن ما حال الدولة الصديقة الوحيدة المجاورة للبنان (سوريا)؟ وما حجم العجز الكهربائي الذي تعاني منه؟ وأين اصبحت مبادرة استجرار الغاز من مصر عبر الأردن مروراً بسوريا في ظل العقوبات المفروضة على هذه الأخيرة؟

وعلى الصعيد اللبناني، إذا تمكّنت السلطات المختصة من وضع الأطر التنظيمية لخصخصة الكهرباء في ظل تحقّق المنافسة عبر وضع أكثر من شركة في أكثر من منطقة لبنانية، فمن يضمن الرقابة الحكومية التي لم تُفلح بلجم الهدر منذ العام 1990؟

سرقة الكهرباء وأصحاب المولدات

قرّرت وزارة الطاقة والمياه رفع تعرفة الكهرباء للحدّ من العجز المتراكم في مؤسّسة كهرباء لبنان، لتتمكّن الأخيرة من زيادة ساعات التّغذية الكهربائيّة.

وإلى أيام قليلة معدودة كانت لا تزال شركة كهرباء لبنان، تُجبي فواتيرها وفق قانون أُقر عام 1994، وحينها لم يكن فقط سعر صرف الدولار ثابتاً على الـ 1500 ليرة فحسب، إنما كانت المصاريف التشغيلية والتعرفة وحتى أسعار المحروقات تتناسب معها، وقد وصلت إلى تأمين ساعات تغذية تقارب الـ22 ساعة في وسط بيروت و18 ساعة في باقي المناطق.

ووفق التسعيرة القديمة: متوسط بدل التأهيل كان بـ5000 ليرة، ورسم العداد بـ 4800 ليرة، يضاف عليها ضريبة القيمة المضافة بشكل متوسط، وكانت تقارب الـ4000 ليرة، وقد كان متوسط سعر الكيلواط/ ساعة بـ 47 ليرة لبنانية فقط، بمعنى آخر كان استهلاك عائلة متوسطة الدخل لا يتجاوز الـ 300 كيلواط/ساعة في الشهر الواحد، وضمن عملية حسابية بسيطة كانت الفاتورة لا تتجاوز الـ 30 الف ليرة لبنانية، أو ما كان يقارب الـ20 دولار أميركي قبل الأزمة، في ظل حد أدنى للأجور يتجاوز الـ 400 دولار أميركي.

أما وفق التسعيرة الجديدة لكهرباء لبنان فإن سعر الكيلواط/ساعة بلغ 0.10 دولار أميركي لأول 100 كيلواط/ساعة مستهلكة، وبعدها يسعر بـ 0.27 دولار للكيلواط/ساعة.

ويضاف عليها رسم 0.21 دولار لكل أمبير ومتوسط عدادات كهرباء لبنان 15 أمبير، أي ما يقارب الـ 3.15 دولار شهرياً يضاف إليها بدل التأهيل بـ 4.30 دولار و0.10 تضرب بأول 100 كيلواط/ساعة (300 كيلواط/ساعة استهلاك متوسط لعائلة متوسطة الدخل) كذلك يضاف إليها 200 تضرب بـ0.27 سنتاً لكل كيلواط/ساعة أي 54 دولار، فيصبح المجموع على الشكل الآتي: (3.15+4.30+10+54+ ضريبة على القيمة المضافة 11 في المئة اي ما يعادل الـ 7 دولارات أميركية) فيصبح إجمالي الفاتورة 78 تضرب وفق سعر منصة صيرفة التي حدّدها أخيراً مصرف لبنان بـ 43600 ليرة لبنانية.

في المقابل، يشكل كارتيل أصحاب المولدات في لبنان "لوبي" مرعب، في ظل غياب رقابة الدولة ،إذ يبسط هؤلاء سلطتهم على أرض الواقع فيتقاسمون الأحياء ويفرضون التسعيرة التي يريدونها من دون أي رادع وبالدولار، ضاربين بتسعيرة وزارة الطاقة والمياه عرض الحائط، حتى أن جرأة أحدهم في جنوب لبنان، وصلت إلى كتابة فاتورة الاشتراك لمدير عام وزارة الإقتصاد محمد ابو حيدر بالدولار الأميركي من دون خجل، وفق ما وصف الأخير خلال حديث تلفزيوني.

وعن تسعيرة أحد مولدات الضاحية الجنوبية لبيروت، والذي يوفر 18 ساعة تغذية يوماً، فقد بلغت الفاتورة ما يقارب الـ 31 دولار أميركي بنسبة استهلاك 64 كيلواط/ساعة خلال كانون الثاني الفائت، ووفق التسعيرة الأخيرة الصادرة عن الوزارة فيتوجب على المشترك دفع مبلغ مليون و218 ألف ليرة تقسم على هذا النحو: "رسم الـ 5 أمبير 130 ألف ليرة ثابتة و17000 ليرة لبنانية كيلواط/ساعة). إلا أن صاحب المولّد فرض دفع 30.7 دولار أميركي أو ما يعادل الـ 2 مليون ليرة أواخر الشهر الفائت، وفق سعر الصرف في السوق الموازية حينها. واحتسب فاتورة الإشتراك ومن دون أي خجل على الشكل الاتي: 0.43 سعر الكيلواط/ساعة تضرب بـ 64 ويضاف إليها رسم اشتراك ثابت 3.14 دولار أميركي.  ويتقاضى صاحب المولد بدل تمديد التيار الكهربائي نحو 2 مليون ليرة بمثابة الـ"تأمين"، أو ما يعادل الـ 50 دولار أميركي.

يشار إلى حل أزمة الكهرباء يبدأ بحملات توعية تطلقها الحكومة لتعزيز كفاءة الطاقة وممارسات الحفاظ عليها بين المستهلكين في ظل التأكيد على أهمية الجباية، بالإضافة إلى وضع خطة حل طويل الأمد ومتعدد الأوجه يعالج القضايا التقنية والمؤسسية في قطاع الكهرباء ويعزز ممارسات الطاقة المستدامة عبر تنويع مصادرها مثل اعتماد الطاقة الشمسية وتوليد الطاقة من الرياح والسدود وحتى من النفايات.

يضاف إلى ذلك كله موضوع فرض الجباية العادلة في كل المناطق اللبنانية، بدءاً من المساكن الشعبية وصولاً إلى المخيمات ومناطق المخالفات وغيرها، تحت وطأة التهديد بالحرمان من الكهرباء وفرض غرامات مالية كبيرة على "السارقين" لتكون رادعة.