الصفا

يستمر الانشغال الرسمي في لبنان بموضوع انتخاب رئيس للجمهورية، فيما الاهتمام الشعبي ينصبّ على القضايا المعيشية والاجتماعية في ظل انهيار العملة المحلية مع ما تم نقله عن حاكم مصرف لبنان رياض سلامة حول رفع سعر صرف الدولار من 1507 إلى 15000 ليرة.

وكان سلامة أوضح في حديث لوكالة "رويترز"، ان التغيير في سعر الصرف "سيُطبق على البنوك، مما سيؤدي إلى انخفاض رؤوس أموال المؤسسات الواقعة في قلب الأزمة المالية للبلاد منذ عام 2019". ولفت الى إن البنوك التجارية في البلاد "ستشهد انخفاض جزء من رؤوس أموالها"... ومن أجل تخفيف أثر هذا التحول، ستُمنح البنوك خمس سنوات "لتعويض الخسائر الناجمة عن خفض قيمة العملة". ولفت الى "إن تغيير سعر الصرف إلى 15 ألف ليرة خطوة نحو توحيد أسعار الصرف المتعددة في البلاد، ويأتي تماشياً مع مسوّدة اتفاق توصل إليه لبنان مع صندوق النقد الدولي العام الماضي، وحدد شروطاً لتقديم خطة إنقاذ بقيمة ثلاثة مليارات دولار".

تقول مصادر متابعة إنّه "لا بد من رصد تداعيات خطوة سلامة هذه على الأوضاع العامة في لبنان وإمكانية نجاحها في الحد من التدهور الحاصل على مختلف المستويات، وفي ظل التخوف من تطورات في الشارع يتخوف البعض من إمكانية تهديدها للواقع الأمني في البلاد". وتلفت المصادر نفسها إلى تسارع الحراك الداخلي في الملف الرئاسي ولو على مستويات مختلفة أو من منطلقات متعارضة.

وفي هذا الإطار، يترقب الجميع الخطوة التي سيقدم عليها رئيس المجلس النيابي نبيه بري لجهة تحديد موعد لجلسة انتخاب رئيس جديد للبلاد. بري الذي التقى بالأمس رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط حيث تباحث الرجلان في عدد من الأسماء بحسب ما رشح عن اللقاء.

وقال جنبلاط بعد اللقاء الذي استمر نحو نصف ساعة: "إنَّ التوافق السياسي يعطي أملاً بانتخاب رئيس للجمهورية، اذ لا يمكن البقاء في دوامة الورقة البيضاء خلال جلسات الانتخاب، وهذا الأمر يشاركنا به الرئيس بري، والأساس هو أن نحدث اختراقات في الحواجز القائمة للوصول لتحقيق الانتخابات الرئاسية بشكل فعلي".

https://twitter.com/psp_lebanon/status/1620471036734238722?s=20&t=PLBvLTFja3rU_UT0S-6yOg

 ونبّه جنبلاط إلى أن: "هناك شيء مخيف وهو العداد، أي انهيار الليرة اللبنانية في كل لحظة. والهندسات المالية التي يجريها مصرف لبنان لا تنفع إذا لم يحصل اصلاح حقيقي من خلال انتخاب رئيس جمهورية وتبني قسم من مشروع البنك الدولي على الأقل".

وبحسب المعلومات المتوافرة فإن جنبلاط أعاد طرح اسم قائد الجيش العماد جوزيف عون ضمن سلّة من الأسماء. ومن المعروف أن بري كما حزب الله يتمسكان بمرشحهما سليمان فرنجية وإن لم يعلنا ذلك رسمياً.

تسديدة جنبلاط في مرمى بري لا تستهدفه، فالتنسيق بين الرجلين لا ينقطع، إنما ترجح المصادر أن يكون من الهدف استجرار رد فعل خارجي على هذه الطروحات يمكن البناء عليه. وكان وفد من كتلة نواب الحزب الاشتراكي برئاسة تيمور جنبلاط أعلن من بكركي عقب لقائه البطريرك الماروني بشارة الراعي طرح عدد من الأسماء يتصدرها اسم قائد الجيش مع الإشارة إلى أنه في حال تم التوافق على قائد الجيش فسيصار إلى تعديل الدستور.

https://twitter.com/psp_lebanon/status/1620354160087674881?s=20&t=PLBvLTFja3rU_UT0S-6yOg

هذه التطورات تأتي بعد زيارة وفد من حزب الله لجنبلاط اعقبتها زيارة لرئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل، حيث كان الحزب يحمل اسم مرشحه الوحيد، سليمان فرنجية. واللافت أن جنبلاط نصح الحزب بأخذ موافقة جبران على هذا الترشيح وهو ما لم يحصل. وإصرار الحزب على التمسك بفرنجية ينطلق من قناعة لدى الحزب أن باسيل لا بد وأن يرضى في نهاية المطاف في حال تم تأمين الـ 65 صوتاً الكافية لانتخاب فرنجية. مع العلم أن حزب الله لم يبد ممانعة في وصول قائد الجيش إلى سدة الرئاسة، ولكنه قال إن الأمر في حال طرحه جدياً فالحزب منفتح على مناقشته.

باسيل على الضفة الأخرى يبدو متيقناً باستحالة حشد تأييد هذا العدد من النواب لصالح فرنجية، وهو من هذا المبدأ قاد مبادرة للتواصل مع الفرقاء في البرلمان اللبناني للتوافق على اسم من خارج الأسماء المتداولة. مع العلم أن باسيل يعارض أيضاً ترشيح قائد الجيش لاعتبارات عدة، وكان قد اتهمه  سابقاً بأنه "يخالف قوانين الدفاع والمحاسبة العمومية،  ويتعدى على صلاحيات وزير الدفاع، ويتصرف على هواه  بصندوق ألأموال الخاصة وبممتلكات الجيش".

أما على صعيد تكتل الجمهورية القوية تحافظ القوات اللبنانية على دعمها ترشيح النائب ميشال معوض حتى هذه اللحظة، ولكنها لا تمانع انتخاب قائد الجيش إذا كان هذا هو الحل للخروج من المراوحة. فهل بدأت تلوح بوادر الحلول؟

اليوم وفي ظل سطوة تسعيرة جديدة للدولار على الشارع يبدو الترقب لتطورات في ملف الرئاسة مسألة ملّحة. انتخاب رئيس للجمهورية من باب الأزمات المعيشية بفعل الانهيار المالي تضفي بعداً وطنياً خالصاً للمسألة حيث لا تنحصر مقاربتها من زاوية التمثيل الماروني الأعلى في الجمهورية، بل من باب لقمة عيش المواطن اللبناني أيا تكن معتقداته.