داود ابراهيم

[caption id="attachment_2621" align="aligncenter" width="1024"] ميقاتي مترئساً جلسة لمجلس الوزراء[/caption]

ليست قضية صلاحيات فقط ولا مجرد إصرار على كسر هيبة فريق لبناني من قبل آخر. جلسة الحكومة المستقيلة ليست مُجرد مسألة إقصاء طرف لمجرد الإقصاء وبسط النفوذ وإثبات السطوة. يقول مصدر متابع ليست القضية في كل هذا على أهميته وخطورته إنما القضية لها عنوان واحد وحيد: "خصخصة قطاع الكهرباء". وخصخصة القطاع كانت السبب الأول الذي منع رفع التعرفة سابقاً ورهن مؤسسة كانت مربحة حتى في زمن الحرب لمصلحة مصرف لبنان مع ما يعنيه هذا الرهن وكيف يُترجم اليوم.

ويتابع المصدر روايته للأحداث كما يراها معتبراً أنّ ما فعله وزير المال الحالي يوسف خليل لا يختلف عما فعله سلفه وسلف السلف والثلاثة ينتمون لجهة واحدة تعهدت أكثر من مرة بمعالجة ملف الكهرباء، وكُلفت مراراً من قِبل مجلس الوزراء بمتابعة القضية وكانت في كل مرة تصل إلى طريق مسدود أو تعلن وبكل فخر مسؤوليتها عن التعطيل وبذرائع مختلفة، من موضوع الضريبة على القيمة المضافة ضمن عرض المناقصة وصولاً إلى مسألة الموافقة الاستثنائية بناءً على طلب خليل نفسه الذي عاد واشترط إصدار مرسوم ينجم عنه موافقة مجلس الوزراء. وزارة المال المسؤولة عن 150 مليون دولار كتعويض للشركة التي رست عليها مناقصة معمل دير عمار، هي اليوم المسؤولة عن الغرامة التي بلغت ما يزيد على النصف مليون دولار بسبب التأخير في تفريغ البواخر المحملة بالفيول.

هي قصة خصخصة القطاع أولاً وأخيراً والتي يُمكن ترجمتها من خلال المواجهة التي حصلت بين التيار الوطني الحر وخصومه. أكان حين تصدت حركة أمل التي يرأسها رئيس المجلس النيابي نبيه بري لرسوِّ باخرة إنتاج الطاقة الكهربائية "إيرسا سلطان" في الزهراني (المكان الذي حددته مؤسسة كهرباء لبنان)، بوصفه أفضل مكان يمكن من خلاله الاستفادة من كامل طاقة الباخرة. واعتراض أهالي المنطقة على الباخرة لأسباب "بيئية", ونُقل عن بري قوله أمام وفد من المنطقة زاره لهذه الغاية "من غير المسموح اللعب بأرزاق الناس ومصالحهم، والضرر مش مقبول أبداً..."

وفي هذا الإطار، يضع المصدر نفسه التصدي لحملة وضع العدادات على المولدات الخاصة التي أطلقها وزيرالاقتصاد والتجارة الاسبق رائد خوري، والأفرقاء الذين تصدوا لهذه الحملة في دعم واضح لقطاع المولدات الخاصة، ويقدر حجم القطاع بين 1.8 مليار دولار و 1.95 مليار دولار سنوياً. استفاد هذا القطاع من تراجع انتاج الطاقة من قبل مؤسسة كهرباء لبنان بالتالي يستفيد هذا القطاع من عرقلة أي مشروع لإنتاج الطاقة على مدار اليوم أو حتى بانتاج طاقة لساعات محدودة قد تؤدي إلى الإستغناء عن الإشتراك الشهري في مولدات الأحياء التي تعود ملكيتها بشكل أو بآخر إلى من يدورون في فلك الأحزاب في مناطق نفوذها.

ويضيف المصدر، "يحلو للبعض عند الحديث عن الكهرباء تناسي ما واجهه الوزير الأسبق لوزارة الموارد المائية والكهربائية جورج افرام الذي أُقيل من منصبه   عام  1993. وكان افرام قد أعدّ خطة لقطاع الكهرباء لم تُبصر النور لتعارضها مع تصور الرئيسين الياس الهراوي ورفيق الحريري. ومن تاريخه بدأ قطاع الكهرباء بالتراجع وراحت تنشط نظريات خصخصة القطاع العام وأُنشئ مجلس أعلى للخصخصة يتبع لرئاسة مجلس الوزراء. وقد نجحت الحكومة في خصخصة بعض القطاعات منها البريد والهاتف الجوال إلا أنها وبحكم التجربة والممارسة تحولت إلى إحتكارات لمصلحة المتنفذين لا مشاريع تنافسية".

ما يجري اليوم في موضوع الكهرباء لا يمكن تناوله بمعزل عن المطالبات المتكررة بخصخصة هذا القطاع وفي محطات مختلفة، وما تجاهُل دور وتأثير الجهات والشركات المعنية بهكذا مشاريع بشكل مباشر أو عبر واجهات، إلّا إمعاناً في تجهيل هوية المسؤولين عن هذه المأساة التي يعيشها اللبنانيون منذ إعلان انتهاء الحرب بموجب اتفاق الوفاق الوطني.

وفي آخر إبداعات الخصخصة تقدم النائب طوني فرنجية في العام 2021 باقتراح قانون يرمي إلى تخصيص مبالغ مالية من الإحتياطي الإلزامي على الودائع والمودعين لدى مصرف لبنان لتغطية مساهمات في شركة خاصة يملك أسهمها مودعون غير قادرين على الإستفادة من ودائعهم، بهدف إنشاء معمليّ كهرباء على الغاز الطبيعي لتزويد مؤسسة كهرباء لبنان بشكل حصري بالطاقة، على أن تعود ملكيتهما للدولة اللبنانية بعد مرور 20 عاماً. هذا الإقتراح، وضعه رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي، بحسب ما أعلن ضمن سُلّم أولويات حكومته.

وهكذا يبدو جلياً وبحسب المصدر السبب خلف عدم الضغط للحصول على الغاز من الأردن عبر الأراضي السورية أو قبول هبة الفيول الإيرانية أو السير بأي خطة كان يمكن أن تنهض بالقطاع وتلحق أضراراَ بالمنتفعين من تغييبه أو المراهنين على تحويله احتكاراً جديداً يُحقق الأرباح من دون عائدات تُذكر لمصلحة الدولة والأمثلة على هكذا قضايا كثيرة آخرها ما طال "ليبان بوست" من تبرئة ذمة.

وإلى حزب الله الذي بمشاركته يمكن للحكومة المُستقيلة أن تنعقد، يتوجه المصدر بسؤال يتصل بما أعلنه الأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله لجهة "أن عرض الفيول الايراني للبنان ما زال قائماً"، من يعرقل القبول بهذا العرض؟ ولماذا لا يكون حاضراً في جلسة الحكومة المأمول منها معالجة هذه القضية؟ هل تملك الحكومة فعلاً قرار إيجاد حل للمسألة خصوصاً أن وزير الطاقة والمياه وليد فياض قام بما عليه في هذا المجال؟ أم أن جوهر الأمر هو "واقع الحل الممكن المتاح" وما أو من الذي يحول دون الحلول الأمثل؟