عام مضى على اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل ولبنان الذي انطلق فجر الأربعاء 27/11/2024 وهو عملياً بين إسرائيل و"حزب الله" الذي تفرّد بفتح جبهة الجنوب في 8/10/2023 وفاوض على هذا الإتفاق من خلال "الأخ الأكبر" رئيس مجلس النواب نبيه بري ووافق من خلال حكومة الرئيس نجيب ميقاتي بمن فيها من وزراء لــ"الحزب".

إلا أن ما يعيشه لبنان اليوم - من رسائل تحذير دولية ومناخات إسرائيلية تتجسد بتهديدات واعتداءات مرفقة بمناورات ومواقف وتصاريح واجتماعات حكومية مخصصة لجبهة الشمال عندهم - يوحي بأن السيناريو الذي سبق حرب الـ 66 يوماً وزلزال الـ pagers يتكرّر الآن مع مخاوف من أن تكون أي حرب قادمة أكثر عنفاً وشناعة مما سبقتها.

فحينها، وقبل اندلاع تلك الحرب، كان الموفدون الدوليون يحذّرون من ارتفاع وتيرة التصعيد بين إسرائيل و"الحزب" والإنزلاق إلى حرب لن تحمد عقباها. في طليعة هؤلاء الموفدين الموفد الرئاسي الأميركي آموس هوكستين الذي قام بزيارات مكوكية بين بيروت وتل أبيب مشدّداً على ضرورة "أن يبدأ لبنان بتطبيق القرار 1701 قولاً لا فعلاً وإلا فإن خطر الحرب موجود".

ما يعيشه لبنان اليوم يوحي بأن السيناريو الذي سبق حرب الـ66 يوماً يتكرّر الآن مع مخاوف من حرب أكثر عنفاً وشناعة مما سبقتها

لكن "على من تقرأ مزاميرك يا داوود" بين "حزب" االلعب على حافة الهاوية وكسب الوقت ويربط قراره بـ"وحدة ساحات" ومحور الممانعة بقيادة إيران وفي الأساس التفّ عن سابق تصور وتصميم على القرار 1701، وبين حكومة تدور في فلكه أعل ورئيسها نجيب ميقاتي منذ اللحظة الأولى عن عجزه أمام "الحزب" وهو الذي سارع بالرد على إحدى الاعلاميات حين سألته عن استرداد الدولة قرار الحرب والسلم من "حزب الله" بالقول: "وين عايشي إنت بلبنان أو بجزيرة كوراساو؟!!".

قبل حرب أيلول 2024، كان "الحزب" يعتبر أنه يلعب "في الوقت الضائع" عسى تحدث أي متغيرات لمصلحته. أما اليوم، فهو يلعب في "الوقت القاتل" بعد النكبات التي أصابته وفي مقدّمها إغتيال أمينيه العامين السيدين حسن نصرالله وهاشم صفي الدين، بعد سقوط نظام آل الأسد في سوريا، واستسلام "حماس" عملياً في غزة عبر موافقتها على الشروط الإسرائيلية وعبر قمة "شرم الشيخ"، وأيضاً بعد تضييق الخناق على إيران.

إسرائيل تواصل ضرباتها واحتلالها للنقاط الخمس واعتقالها للبنانيين وتتحجج بأن "الاتفاق" ينص على احتفاظ الطرفين بحق الدفاع عن النفس. المجتمع الدولي وكل أصدقاء لبنان يشددون على ضرورة إسراع لبنان ببسط سلطته على كافة أراضيه وتالياً إمساكه بقرار الحرب والسلم واحتكاره السلاح لإمكان مساعدته.

أما "الحزب" فيواصل إنكاره. يؤكّد انه إلتزم بإتفاق وقف إطلاق النار، فيما هو إلتزم فقط بوقف عملياته ضد إسرائيل ولم يلتزم بمضامين الاتفاق من تفكيك كلّ البنى التحتية والمواقع العسكرية والمنشآت المشاركة في إنتاج الأسلحة بدءاً من منطقة جنوب الليطاني. كلمة بدءاً لا تحمل أي لبس ولا يمكن تفسيرها كما عمد أحد نواب "الحزب" بأنها من نهر الليطاني بإتجاه الحدود، فهذا التفسير قمة "التذاكي".

مقدمة الاتفاق ذكرت حرفياً: "تعكس هذه التفاهمات الخطوات التي تلتزم بها إسرائيل ولبنان لتنفيذ قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1701 بالكامل، مع الاعتراف بأن هذا القرار يدعو أيضاً إلى التنفيذ الكامل لقرارات مجلس الأمن السابقة، بما في ذلك "نزع سلاح جميع الجماعات المسلحة في لبنان"، بحيث تكون القوات المصرح لها فقط بحمل السلاح في لبنان هي القوات المسلحة اللبنانية (الجيش اللبناني)، وقوات الأمن الداخلي، ومديرية الأمن العام، والمديرية العامة لأمن الدولة، والجمارك اللبنانية، والشرطة البلدية (المشار إليها فيما يلي باسم "القوات الأمنية والعسكرية الرسمية للبنان")". رغم ذلك، يصرّ "الحزب" وأمينه العام على أن الاتفاق ينطبق على جنوب الليطاني وان القرار 1701 محصور بتلك المنطقة فقط!!! إنها محاولة مكشوفة للتنصل من جوهر الاتفاق ومن مضمون الـ1701 الذي يشمل حكماً القرارين 1559 و1680. لا بل أكثر من ذلك يتباهى "الحزب" أنه استعاد عافيته العسكرية والأمنية وبأن سلاحه باق حتى يوم القيامة.

"مرتا" تهتمين بالمبادرات و"الخطوط الحمر" والاعمار والمطلوب واحد "الانتهاء من سلاح "حزب الله"

في المقابل، يتلطى "الحزب" خلف الدولة ليبرّر عدم ردعه إسرائيل مطالباً إياها من جهة بالتصدي لاعتداءاتها ومن جهة أخرى بالإسراع بإعادة الاعمار. يواصل هروبه إلى الأمام وأخر فصوله ما رافق عملية اغتيال الرجل العسكري الأول فيه وبمثابة رئيس أركانه هيثم أبو علي طبطبائي، إذ اعتبر أن الحادثة "خرق للخطوط الحمر"!!! لكن عن أي "خطوط حمر" يتحدث؟ من رسّمها؟ أي موازين قوى فرضتها؟ من يرعاها؟ كما رأى فيها رسالة ولكن هل من عاقل يعتبر أنه كان بإمكان إسرائيل القضاء على طبطبائي سابقاً وعدلت عن ذلك لتتركه لوقت لاحق توجه به رسالة؟!!

إلى جانب ذلك، يحاول "الحزب" تضخيم التعويل على بعض الجهود كالمسعى المصري أو يعمل على طرح مبادرات وهو يدرك أنها غير قابلة للحياة كمبادرة أمينه العام الشيخ نعيم قاسم تجاه السعودية كي تعلّق الخلافات بينهما وتقف الى جانبه بالتصدي للعدوان الإسرائيلي.

بالتوازي، تحاول الدولة اللبنانية ممثلة برئيس الجمهورية جوزاف عون ورئيس الحكومة نواف سلام والحكومة مجتمعة الدفع لوقف الاعتداءات الإسرائيلية ولفرض سلطتها والانتهاء من كل سلاح غير شرعي. غير أن حرصها على استيعاب "الحزب" وتطمينه يكاد يعيق حركيتها لا بل ينعكس سلباً عليها. فرئيس الجمهورية الذي أصر على حوار ثنائي مع "الحزب" بشأن سلاحه، توصّل في نهاية المطاف إلى اتخاذ قرار سيادي لمجلس الوزراء في الجلسة التي ترأسها في 5 آب 2025 بجمع السلاح غير الشرعي وفق مهلة زمنية واضحة. كما أنه أطلق مبادرة النقاط الخمس في خطاب عيد الاستقلال وخلاصتها بعد تحقيقها أن تؤمن "ما يضمن ويسرّع تحقيق الهدف الوطني النهائي والثابت، بحصر كل سلاح خارج الدولة، وعلى كامل أراضيها".

في الحقيقة، كل الحديث عن مبادرات وعن "خطوط حمر" وعن إعمار لن يصرف بمكان وفق المعطيات الدولية وموازين القوى والمنحى التي تسير به المنطقة. يكفي التذكير على سبيل المثال بأن الجهود الفرنسية لتنظيم مؤتمرات لدعم الجيش اللبناني ومساعدة لبنان باءت بالفشل حتى هذه اللحظة. إذاً الخلاصة واحدة: "مرتا" تهتمين بالمبادرات و"الخطوط الحمر" والاعمار والمطلوب واحد "الانتهاء من سلاح "حزب الله" كممر إلزامي لأي حل أو مبادرة أو وقف للإعتداءات الإسرائيلية. هذه الخلاصة ليست بناء على تمنيات أو رهانات أو كيدية بل نتاج أمر واقع وموازين قوى وتوجه دولي جامع.