قبل سنوات ثلاث فقط كانت الولايات المتحدة الأميركية تجري مراجعة لعلاقتها مع المملكة العربية السعودية. كان ذلك في عهد الرئيس الديمقراطي جو بايدن. اليوم، يخرج ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، من المكتب البيضاوي بعد لقائه الرئيس الجمهوري دونالد ترامب، ظافراً تقريبا بكل ما تمنّاه، وكذلك ترامب الذي حصل على كل شيء قبل اللقاء أصلاً منذ زيارته الخليجية الأخيرة.
يأتي ذلك وسط مرحلة جديدة في العلاقة يضفي الرئيس الأميركي عليها الطابع الشخصي. هكذا ينتقل بن سلمان من محاولة بايدن لعزله، ليصبح واحداً من أقرب الشركاء العسكريين لواشنطن، وليدافع عنه مستضيفه بتوبيخ مراسلة في البيت الأبيض على خلفية سؤال عن مقتل الكاتب في صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية جمال خاشقجي.
في المشهد الكثير من الاستعداد لتعزيز العلاقات مع الرياض التي تعهدت باستثمارات أميركية تقترب من تريليون دولار مع الحفاظ على علاقات تجارية مع عائلة ترامب نفسها. ويأتي هذا مع تخلي ترامب عن الشرط الوحيد الذي أصرت عليه واشنطن طويلا قبل إبرام صفقات دفاعية وتجارية كبرى مع الرياض وهو التطبيع الكامل مع إسرائيل. بايدن أصر على أن أي صفقة شاملة بين الولايات المتحدة والسعودية لا يمكن أن تمضي قدُماً إلا إذا تقدمت مكوّناتها الثلاثة معا، الاتفاقيات الدفاعية والتجارية الثنائية والتطبيع السعودي مع إسرائيل، والتزام إسرائيل بمسار يؤدي إلى قيام دولة فلسطينية. لكن مع رفض إسرائيل لفكرة دولة فلسطينية ورفض السعودية تليين موقفها، توقف هذا الإطار.
وكانت الجائزة الكبرى تصنيف الولايات المتحدة للسعودية كحليف رئيسي خارج حلف شمالي الأطلسي "الناتو"، مع المضي قدُماً في خطط بيعها طائرات إف – 35. تشمل الاتفاقية أيضا بيع 300 دبابة أميركية الصنع للسعودية، وتسهيل عمل شركات الدفاع الأميركية في المملكة.
واتفق الجانبان على إطار للتعاون في مجال الذكاء الاصطناعي يشمل الموافقة على بيع الرقائق المتقدمة للمملكة، ووقعا اتفاقية للمعادن الحرجة، وفتحا الباب لتوسيع التعاون في مجال الطاقة النووية، لكن من دون توفير الضوء الأخضر لتخصيب اليورانيوم سعودياً.
وبذلك حققت الرياض معظم ما تتطلع إليه، من دون الارتقاء الى مكانة قطر الدفاعية التي تمتلك العلاقة الدفاعية الأقوى مع الولايات المتحدة، لا سيما بعد تعرضها للضربة الإسرائيلية. فهي تستضيف أكبر قاعدة جوية أميركية في المنطقة، وتم تصنيفها كحليف رئيسي خارج "الناتو" في العام 2022، وحصلت هذا العام على أقوى التزام أمني أميركي لأي دولة عربية، من خلال أمر تنفيذي ينص على أن "الولايات المتحدة ستعتبر أي هجوم مسلح على أراضي دولة قطر أو سيادتها أو بنيتها التحتية الحيوية تهديداً لسلم الولايات المتحدة وأمنها".
وكانت السعودية قد انفتحت على دول الشرق لا سيما روسيا والصين لتنويع شبكتها الدفاعية. وعملت الرياض على تحسين علاقاتها تدريجياً مع بيجينغ، وبلغ الأمر ذروته بالمفاجأة التي تمثلت في المصالحة بين السعودية وإيران في العاصمة الصينية في آذار من العام 2023. وخلال العام الحالي وقعت السعودية الاتفاقية الدفاعية مع باكستان النووية، في رسالة لتنويع الشركاء مع الرياض بحثاً عن ضمانات أمنية.
لذا تريد الولايات المتحدة اليوم من السعودية أن تصبح شريكا استراتيجيا رئيسيا في المنافسة مع الصين، وهي ترى في السعودية أيضاً سوقاً ضخمة لشراء التكنولوجيا الأميركية ومنع تمدّد الصين.
ماذا عن إسرائيل؟
طبعاً لم تمر الاتفاقيات العسكرية من دون أسئلة عن إسرائيل.
فالولايات المتحدة ملزمة قانوناً بأن لا تكون أي صفقات أسلحة متقدمة للشركاء في الشرق الأوسط على حساب حفاظ إسرائيل على تفوقها العسكري النوعي.
ويبدو أن إسرائيل كانت على علم بالصفقة وهي لم تعارضها مع ضمانات بأنها ستحافظ على التفوق النوعي عندما يتعلق الأمر بدفاعها. وجين ستتسلم السعودية أولى طائرات إف - 35 تكون إسرائيل قد سبقتها بخمس عشرة سنة في استخدامها وحصلت على نحو 75 طائرة منها.
الانفتاح الأميركي السعودي الإيراني
وما يشير الى طبيعة الدور السعودي الجديد، الوساطة التي تقودها الرياض بين إيران والولايات المتحدة والتي تسابق بها إسرائيل التي تخطط دوما لضرب النظام في طهران.
تلقّى بن سلمان بعد اجتماعه مع ترامب رسالة من الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، جاءت لتثني على دور السعودية التي باتت الوازن للتناقضات في الخليج والشرق الأوسط.
الجديد أن الإيرانيين، قبل اجتماع بن سلمان وترامب، أبلغوا السعوديين استعدادهم للتوصل إلى اتفاق مع الأميركيين.
كانت بادرة ودية وذات ثقة على أعلى المستويات تشير إلى أن طهران أمام مرحلة تفاوضية مفصلية قد تفتح الباب أمام اتفاق غير مباشر مع ترامب.
تلقف السعوديون المبادرة وقابلوها بالمثل. فأداء دور الوسيط الفاعل سيشكل فرصة لإرساء استراتيجية للاستقرار الإقليمي.
وكانت المفاجأة في كلمات ترامب الإيجابية مع حديث بن سلمان. فطهران تحتاج لاستقرار داخلي وإقليمي وإعادة بناء، خصوصاً اقتصادياً، وهي بادرت للانفتاح فتلقفت الرياض وواشنطن المبادرة.
هنا نشأ إطار ثلاثي علني نادر فتح نافذة استراتيجية عبر السعودية، الشقيقة الكبرى لدول الخليج، وليس عبر دول أخرى.
لكن يخشى مؤيدو التقارب في إيران من مقاومة سياسية أو عرقلات داخلية من معارضي المفاوضات أو حتى المناوئين للسعودية ولدورها المستقبلي.
نفوذ إقليمي.. وتفاهمات
واليوم تبدو السعودية أمام فرصة لنفوذ إقليمي يمتد من الخليج حتى البحر الأبيض المتوسط في سوريا ولبنان لضمان الاستقرار فيهما والتسوية السياسية الداخلية على أساس تفاهم التناقضات، وحتى غربي آسيا وأفريقيا، وفي فلسطين لكن مع شريك إسرائيلي غير رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، لإعادة بناء غزة بالمال العربي ولضمان عملية سلام تحفظ الحق الفلسطيني.
وإذا كان المطلوب أميركيا إبقاء السعودية في نطاق النفوذ الأميركي على طريق رسم الشرق الأوسط الجديد لما بعد حرب غزة، تحت عنوان السلام و"اتفاقيات إبراهام"، فإن ثمن ذلك أميركياً سيكون بلجم إسرائيل ثم تحضيرها لضمان "السلام" مع الشريك العربي الأكبر.
لكن السؤال الأكبر يبقى: هل سيكون الوقت متاحا قبل انتهاء ولاية ترامب لتتمكن الرياض من تنفيذ رؤيتها في المنطقة؟
يرجى مشاركة تعليقاتكم عبر البريد الإلكتروني:
[email protected]
