في خطوة تُعدّ من أبرز التطورات في قطاع الطيران اللبناني خلال السنوات الأخيرة، أعلن رئيس مجلس إدارة شركة طيران الشرق الأوسط "الميدل إيست" محمد الحوت عن إطلاق مشروع "فلاي بيروت" في عام 2027، وهو أول ذراع للطيران المنخفض التكلفة في لبنان، مخصص للمسافرين الذين يفضلون أسعاراً أكثر تنافسية دون التنازل عن معايير الأمان. جاء هذا الإعلان خلال احتفال الشركة بالذكرى الثمانين لتأسيسها في مطار رفيق الحريري الدولي تحت شعار "من هالأرض لكل الأرض"، حيث أكد الحوت أن الطائرات الجديدة ستتمتع بمستوى السلامة ذاته المعتمد في طائرات "الميدل إيست"، كاشفاً عن تسلّم ست طائرات حديثة العام المقبل لتعزيز الأسطول وتوسيع القدرة التشغيلية.
نقلة نوعية في خدمات المطار
على خطٍ موازٍ، شدّد وزير الأشغال العامة والنقل فايز رسامني على أن التغيير لن يكون مقتصراً على القطاع الجوي فقط، بل سيشمل أيضاً البنية التحتية للمطار. فقد وصف مطار بيروت الجديد بأنه سيكون عصرياً، أنيقاً، فعالاً وبطابع بوتيكي يجمع بين الفخامة والراحة والتقنيات الذكية. وأعلن عن افتتاح مسار الـ Fast Track قريباً لتسهيل حركة المسافرين وتسريع إجراءات العبور، ما سيتيح قدرة استيعابية إضافية تقدّر بمليوني مسافر سنوياً.
كما تشمل مشاريع التطوير تأهيل منطقة المغادرة، تحديث قاعة كبار الزوار (VIP Lounge)، وإضافة تحف فنية تعكس الهوية اللبنانية وتساهم في تقديم تجربة سفر مميزة. وأكد رسامني: "نحن لا نرمّم مطاراً، بل نبني تجربة جديدة للسفر من لبنان وإليه. خلال عام واحد سنقدم للعالم أحد أكثر المطارات تميزاً وأناقة." كذلك تعمل الوزارة بالتوازي على إعادة تفعيل مطار رينيه معوض في القليعات، لربط شمال لبنان بالعالم وتحفيز التنمية في المناطق المحرومة.
لماذا الطيران المنخفض التكلفة مهم للبنان؟
يمثّل إطلاق "فلاي بيروت" خطوة ضرورية في سوق يعاني من ارتفاع تكاليف السفر، خصوصاً للمغتربين الذين يشكلون العمود الفقري للعلاقات الاقتصادية والاجتماعية مع لبنان. فخلال السنوات الأخيرة، ارتفعت أسعار التذاكر بشكل قياسي، ما جعل السفر إلى لبنان رفاهية لا يستطيع كثيرون تحملها.
إطلاق شركة منخفضة التكلفة يحمل عدة فوائد رئيسية:
- جذب المغتربين عبر توفير تذاكر بأسعار ميسّرة، الأمر الذي قد يزيد زياراتهم السنوية ويعيد تنشيط الاستهلاك المحلي والتحويلات.
- استقطاب السياح الأجانب الباحثين عن وجهات ميسورة مع طبيعة وجمال وثقافة غنية مثل لبنان.
- تحفيز المنافسة بين شركات الطيران، ما قد يسهم في خفض الأسعار ورفع جودة الخدمة.
- تنشيط الاقتصاد عبر زيادة حركة المسافرين وإنعاش قطاعات الفنادق، المطاعم، النقل والخدمات السياحية.
- تعزيز الربط الجوي بين لبنان وأسواق جديدة، خصوصاً مع إمكانية تشغيل خطوط نحو أوروبا والشرق الأوسط بتكاليف أقل.
ضرورة اقتصادية
يرى خبير الطيران والاقتصاد الجوي الدكتور سامر الحاج في حديثه للـ"الصفا نيوز" أن قرار إطلاق "فلاي بيروت" يشكل "تحولاً استراتيجياً طال انتظاره"، مضيفاً:
"الطيران المنخفض التكلفة ليس رفاهية، بل ضرورة اقتصادية. دول المنطقة التي أدخلت هذا النموذج شهدت قفزة قوية في عدد السياح وحركة المطارات. ومع التحديثات الموازية لمطار بيروت وتفعيل مطار القليعات، يمكن للبنان أن يستعيد موقعه كمركز سفر أساسي في شرق المتوسط. نجاح المشروع سيعتمد على شفافية التشغيل، واعتماد أسعار تنافسية حقيقية، وفتح مسارات جديدة تلبي متطلبات المغتربين والسياح."
خطوة إصلاحية
إطلاق "فلاي بيروت" ليس مجرد توسّع تجاري لشركة "الميدل إيست"، بل خطوة إصلاحية تعيد تحديث قطاع الطيران اللبناني وتجعله أكثر شمولاً وقدرة على المنافسة. ومع تطوير البنية التحتية للمطار ورفع مستوى الخدمات، يبدو أن لبنان يدخل مرحلة جديدة من الانفتاح على العالم، إذ يمكن للطيران المنخفض التكلفة أن يصبح بوابة لإحياء السياحة ودعم الاقتصاد وإعادة وصل لبنان بأبنائه وبالأسواق العالمية.
يرجى مشاركة تعليقاتكم عبر البريد الإلكتروني:
[email protected]
