كشف وزير الطاقة في لبنان عن مفاجأة صادمة: نحو ألف محطة وقود من أصل 3500 تعمل من دون أي ترخيص قانوني. هذه المحطات لا تدفع الرسوم والضرائب المفروضة، كما أن جزءاً كبيراً منها لا يلتزم بشروط السلامة العامة، ما يجعلها قنابل موقوتة تهدد المواطنين والبيئة على حد سواء.
حجم القطاع وأرقامه
لبنان يملك اليوم حوالي 3500 محطة وقود منتشرة على كامل أراضيه، وهو رقم مبالغ فيه قياساً إلى مساحته (10,452 كلم² فقط). للمقارنة: أوروبا بمساحة 10.53 مليون كلم² تضم نحو 120 ألف محطة فقط ، أي أن كثافة محطات الوقود في لبنان تفوق المعدل الأوروبي بأضعاف مضاعفة.
هذا التضخم في العدد جاء نتيجة سنوات من الفوضى، وغياب الرقابة، وتراكم المصالح السياسية والتجارية، حيث فُتحت مئات المحطات بلا حاجة فعلية أو دراسة علمية لحاجة السوق.
كيف تعمل المحطات المرخّصة؟
المحطات الشرعية تشتري المحروقات من الشركات المستوردة وفق تسعيرة وزارة الطاقة، وتبيعها للمستهلك مع هامش ربح محدد. بعد رفع الدعم، أصبحت أرباح المحطات أكثر استقراراً نسبياً، إذ يُقدّر متوسط ربح المحطة النظامية بين 10,000 و15,000 دولار شهرياً** (بحسب حجم المبيعات وموقعها). لكن هذا الرقم يتفاوت بشكل كبير إذ أن المحطات على الطرقات السريعة أو في المدن الكبرى تحقق أرباحاً مضاعف، بينما المحطات الصغيرة في القرى أو المناطق النائية قد لا تغطي تكاليفها التشغيلية.
المحطات غير المرخّصة: أرباح بلا ضرائب
المحطات غير المرخصة تعمل خارج النظام، ما يمنحها عدة "مزايا غير شرعية، منها عدم دفع رسوم وضرائب، ما يعني خسائر مباشرة لخزينة الدولة تقدَّر بملايين الدولارات سنوياً. يضاف الى ذلك، غياب معايير السلامة إذ الكثير منها لا يملك مخارج طوارئ أو تجهيزات إطفاء، وأخيراً
استغلال المستهلك لأن بعض هذه المحطات تُمارس الغش عبر بيع كميات أقل مقابل السعر الجاري أو تمارس توزيع المحروقات المغشوشة.
المخاطر المترتبة
1- خطر على السلامة العامة: تخزين الوقود من دون الالتزام بالمعايير قد يؤدي إلى انفجارات وحرائق مدمرة.
2- إهدار المال العام: غياب الجباية يحرم الدولة من موارد مهمة في وقت تعاني فيه أزمة مالية خانقة.
3- تشويه المنافسة: المحطات الشرعية تخضع لتسديد التكاليف والرسوم القانونية، بينما تعمل غير الشرعية بأرباح مضاعفة، ما يضر بمبدأ المنافسة العادلة.
4- أثر بيئي سلبي: تسرب المحروقات من خزانات بدائية قد يلوّث المياه الجوفية والتربة.
الإجراءات الحكومية
طلبت وزارة الطاقة من وزارة الداخلية إقفال هذه المحطات، وحدد محافظ بيروت القاضي مروان عبود مهلة حتى 31 كانون الأول 2025 لتسوية أوضاعها أو إغلاقها. لكن نجاح هذا القرار مرتبط بمدى قدرة الدولة على تطبيقه وسط ضغوط سياسية من أصحاب المصالح.
موقف النقابة
نقابة أصحاب المحطات طالبت بعدم وضع كل المحطات في "سلّة واحدة"، إذ هناك محطات شرعية منذ عقود انتهت صلاحيات تراخيصها على الأملاك العامة، لكنها تختلف عن تلك التي لم تلتزم يوماً بأي إجراء قانوني.
الخبير الاقتصادي الدكتور نادر خوري يوضح في حديثه لموقع "الصفا نيوز" أن استمرار المحطات غير المرخّصة يشكل استنزافاً للمالية العامة، عبر ضياع الرسوم والضرائب، ويعرّض حياة المواطنين للخطر بسبب غياب معايير السلامة. تطبيق القرار بإقفالها خطوة ضرورية لإعادة الانتظام إلى قطاع الطاقة، لكنها تحتاج إلى متابعة جدّية بعيداً عن الضغوط السياسية والمصالح".
في الخلاصة، فوضى محطات الوقود في لبنان ليست مجرد مشكلة قانونية، بل هي قضية اقتصادية وأمنية وبيئية تمس حياة الناس مباشرة. المطلوب هو خطة شاملة لإعادة تنظيم القطاع عبر إقفال المحطات غير المرخّص، إعادة توزيع عدد المحطات وفق حاجة السوق، تشديد الرقابة على الجودة والسلامة، وزيادة إيرادات الدولة من الرسوم المهدورة.
ويبقى السؤال: هل ستنجح الدولة فعلاً في فرض النظام على هذا القطاع الحيوي، أم تبقى الفوضى أقوى من القانون في ظل الانقسام السياسي والضغوط الاقتصادية؟
يرجى مشاركة تعليقاتكم عبر البريد الإلكتروني:
[email protected]