قبل ثلاثة أيام وقّعت المملكة العربية السعودية وباكستان اتفاقية دفاع مشترك نقلت العلاقات بين الدولتين إلى مستوى أعلى وأشد وثوقاً وتلاحماً وأشّرت إلى تحوّل استراتيجي سيترك انعكاسات واسعة في دول المنطقة والعالم. ونصّت الاتفاقية على أن أي اعتداء على أحد البلدين سيُعتبر اعتداءً على الآخر، بما يعنيه ذلك من التزامات دفاعيّة قد تمتد إلى أبعد من حدود شبه الجزيرة العربية وجنوب آسيا.
رهان السعودية وباكستان
أرادت السعودية أن تؤكد أن الاتفاقية ليست مجرّد شراكة عابرة، بل خيار استراتيجي طويل الأمد، يضعها جنباً إلى جنب مع قوة نوويّة تُعدّ من أبرز جيوش العالم عديداً وخبرة. أما بالنسبة لباكستان، فإن توقيع مثل هذه الاتفاقية مع أكبر قوة اقتصادية في الشرق الأوسط يمثل تعزيزاً لمكانتها الدوليّة، وإعادة صياغة لدورها في خريطة التحالفات العالمية. فما الذي أملى على البلدين إحكام الترابط بينهما؟
يتّسم الوضع الإقليمي باضطراب غير مسبوق. وفي الخليج، تستمر هواجس التهديد الإيراني وطموح إيران النووي رغم الضربات القاسية التي تلقّتها. ويشهد المشرق العربي احتداماً في الصراعات التقليديّة المتناسلة.
أما في جنوب آسيا، فالتوتر المزمن بين باكستان والهند يظل مصدر قلق دائم. ودخول السعودية لاعباً مباشراً في المعادلة الدفاعية الباكستانية يفتح الباب أمام إعادة صياغة موازين الردع في المنطقة، ويمنح الرياض أوراق ضغط جديدة على طاولة الجغرافيا السياسيّة، خصوصاً في مواجهة المحاور الإقليمية المنافسة.
الاتفاقية في الميزان الدولي
لا تقف تموّجات توقيع هذه الاتفاقية عند حدود المنطقة. ترى واشنطن في الاتفاقية مؤشراً على أن السعودية تبحث عن بدائل وخيارات استراتيجية بعيداً عن المظلّة الأمنية الأميركية التي ظلت لعقود صمّام الأمان التقليدي لدول الخليج. لكنْ، على عكس واشنطن، تقرأ بيجينغ الخطوة باعتبارها توطيداً لمحور جديد قد يتقاطع مع مشروعها "الحزام والطريق"، خصوصاً أن باكستان حلقة مركزية في المشروع الصيني، والسعودية أحد أعمدته الاقتصادية. موسكو بدورها سترى في الاتفاقية فرصة لتقوية موقعها في معادلة النفوذ في الشرق الأوسط وجنوب آسيا، إذ تتقاطع مصالحها مع باكستان في ملفات عدة من الطاقة إلى الأمن الإقليمي.
موقف الجيران
الهند، التي تراقب بحذر أي تقارب سعودي-باكستاني، قد تجد نفسها أمام تحدٍ استراتيجي جديد. فبين السعودية والهند شراكة اقتصادية أساسية للبلدين، لكنّ دخول السعودية في تحالف دفاعي صريح مع خصم الهند التقليدي، باكستان، سيجعل الهند أكثر حرصاً على موازنة علاقتها مع الخليج وربما يدفعها لتعزيز تعاونها العسكري مع دول أخرى في المنطقة أو مع الولايات المتحدة مباشرة وبشكل أعمق، علماً أن الهند كانت بدأت تستدير نحو الصين وروسيا بعدما ساءت علاقتها أخيراً مع الولايات المتحدة.
إيران، من جانبها، ستقرأ الاتفاقية كخطوة معاكسة لطموحها الإقليمي، وستشعر بأن أي مغامرة عسكرية أو توتير أمني في الخليج قد يستجلب ردّ فعل مضاعفاً، ليس من السعودية وحدها بل من باكستان أيضاً، بكل ما تمثله من ثقل نووي وعسكري.
الرسالة واضحة
توقيع اتفاقية بين قوة اقتصادية عظمى مثل السعودية وقوّة نوويّة مثل باكستان، يرسل برسالة واضحة مفادها أن التحالفات لم تعد حكراً على القوى الغربية أو المؤسسات العسكريّة التقليديّة مثل حلف شمال الأطلسي. العالم الآن يشهد ولادة صيَغ جديدة من الشراكات الأمنية، تتجاوز الإطار الجغرافي الضيّق، وتُعيد تعريف مفاهيم الردع والتحالفات في القرن الحادي والعشرين. هذه الخطوة قد تشجّع دولاً أخرى، سواء في آسيا أو إفريقيا على بناء تحالفات دفاعية خارج الأطر الغربية التقليدية، بما يساهم في إعادة تشكيل النظام الدولي على نحو أكثر تعدّدية وأقل خضوعاً للقطبية الأحادية.
وعليه، فإن اتفاقية الدفاع المشترك بين السعودية وباكستان ليست مجرّد ورقة بل إعلان عن حقبة جديدة من العلاقات الدولية قد تفتح الباب أمام استقرار أكبر إذا ما أدّت إلى ردع التهديدات من أي جهة أتت، وقد تحمل في طياتها بذور تصعيد إذا ما فُعّلت بنودها في لحظة مواجهة. لكن المؤكد أن هذا التحالف سيُحسب له ألف حساب في أي معادلة إقليميّة أو دوليّة مقبلة.
يرجى مشاركة تعليقاتكم عبر البريد الإلكتروني:
[email protected]