في تاريخ الجريمة الأميركية، لطالما برزت أسماء لصوص ومجرمين تركوا بصمات عميقة في ذاكرة المجتمع ليس بسبب جرائمهم أو ثرواتهم المنهوبة، بل لأنهم جسّدوا بطريقة أو بأخرى صورة "البطل الشعبي" الذي تحدى رجال القانون لمساعدة الكثير من الناس بطرقة غير قانونية، ومن أبرز هؤلاء، اللص الأميركي "تشارلي آرثر"، الذي تحوّل إلى شخصية شبه أسطورية في ثلاثينيات القرن الماضي، بعدما ارتبط اسمه بقصص مدهشة جعلت الناس يحبونه بدلاً من أن يكرهونه.

لم يكن آرثر مجرّد سارق بنوك عادي يبحث عن المال، بل كان يحمل فلسفة خاصة في سرقاته، فحين كان يقتحم البنوك، لم يكن هدفه الصناديق المليئة بالدولارات فقط، بل كان يتوجّه مباشرة إلى أوراق الرهن العقاري المودعة في خزائن المصارف وكان يمسك بهذه الوثائق ويشعل فيها النيران أمام أعين الموظفين، في مشهد أقرب إلى ثأر شعبي ضد المؤسسات المالية التي أغرقت الأميركيين بالديون خلال سنوات الكساد الكبير.

بالنسبة للكثير من المواطنين، كان "تشارلي آرثر" بمثابة "روبن هود أميركي"، رجل يواجه النظام المالي المتوحش، ويمنح الناس فرصة جديدة للحياة بعدما تحريرهم من قيود الرهونات التي كانت تسلب بيوتهم وأراضيهم، لقد رأوا هؤلاء فيه بطلاً غائباً يمثل العدالة، حتى وإن كان ذلك عبر طرق غير شرعية.

لكن من منظور السلطات، لم يكن آرثر سوى مجرم خطير يهدد النظام المصرفي، بل واعتُبر تصرفه أخطر من سرقة الأموال نفسها، لأنه ضرب الثقة في المؤسسات الماليّة وأحدث فوضى قانونيّة كبيرة.

برزت شهرة آرثر في فترة حسّاسة من التاريخ الأميركي حين كانت الولايات المتحدة تعيش تداعيات الكساد الكبير بين عامي 1929 و1939، حيث الملايين فقدوا وظائفهم والبنوك حجزت على منازل المَديونين لديهم وازداد غضب الشارع على المؤسسات المالية. في تلك الأجواء، لم يكن مستغرباً أن يجد هذا اللص "المنقذ" لدى الكثير من الناس تعاطفاً شعبياً لديهم.

مثل الكثير من شخصيات ذلك العصر، انتهت قصة "تشارلي آرثر" بشكل مأساوي وغامض، فبعض الروايات تشير إلى أنه قُتل في مواجهة مع الشرطة، وأخرى تقول إنه قضى بقية حياته هارباً بلا أثر أو ضجيج، لكن المؤكد أن اسمه بقي محفوراً في الذاكرة الشعبية كأحد "اللصوص النبلاء" الذين لم ينظر إليهم الناس كأعداء، بل كأبطال غير متوّجين.

اليوم، وبعد مرور عقود طويلة على قصص آرثر، لا يزال هذا الاسم يُتداول في الثقافة الشعبية الأميركية والعالمية كرمز للمقاومة الفرديّة ضد جشع المصارف، وبينما يُعتبر "تشارلي آرثر" في القانون مجرماً، فقد خلّدته الذاكرة الجَماعية كبطل شعبي أعاد أمل الحياة لكثير من الناس.