باولا عطيه

بعد أكثر من عام من الأخذ والردّ، أقرت الحكومة اللبنانية ووزير الاتصالات شارل الحاج صفقة إدخال ستارلينك إلى لبنان، باتفاق رضائي مع شركة SpaceX، من دون المرور بالآليات القانونية التي يفرضها قانون الاتصالات. قرارٌ وُصف بأنه "قفزة فوق القانون"، خصوصاً أنه جاء في اليوم نفسه الذي تم فيه الإعلان عن تشكيل الهيئة الناظمة لقطاع الاتصالات، التي يفترض أن تكون المرجع الأول لأي ترخيص جديد.

ثلاث نقاط خلافية رئيسية

يمكن تلخيص الاعتراضات على إدخال "ستارلينك" إلى لبنان في ثلاث نقاط أساسية:

1. غياب المسار القانوني: وفق القانون 431/2002، لا يمكن منح أي ترخيص من دون المرور عبر الهيئة الناظمة لقطاع الاتصالات.

2. السيادة الرقمية: التعامل مع شركة أجنبية لإنترنت عبر الأقمار الصناعية يفتح الباب أمام مخاوف تتعلق بخروج بيانات المواطنين خارج لبنان.

3. حصرية الشراكة: توقيع اتفاق حصري مع "ستارلينك" من دون فتح باب المنافسة أمام شركات عالمية أخرى، ما يثير شبهات احتكار.

موقف النواب واللجنة النيابية

النائب ياسين ياسين، عضو لجنة الاتصالات، حذر من التفريط بالسيادة الرقمية، مشدداً على أن استقدام الإنترنت الدولي عبر الكابلات البحرية أو الأقمار الصناعية هو من الصلاحيات الحصرية للدولة اللبنانية، وفق المرسوم الاشتراعي 126/1959 والمرسوم التنظيمي 9288/1996.

ويقول ياسين: “أي استقدام مباشر للسعات خارج هذه القنوات يُعتبر مخالفة قانونية واضحة ما لم يصدر قانون خاص بذلك. كما لا يجوز تخصيص الترددات أو استغلالها من دون ترخيص صادر عن الهيئة الناظمة."

وطالب ياسين بوضع شروط واضحة تضمن:

إنشاء شركة محلية تمتلك فيها الدولة حصة لا تقل عن 40%.

نيل الدولة نسبة من الإيرادات السنوية.

تشغيل لبنانيين بنسبة 70% خلال 5 سنوات.

تغطية المناطق النائية وربطها بالشبكة الوطنية.

منع الاحتكار وضمان المنافسة.

أما رئيس لجنة الاتصالات النائب إبراهيم الموسوي، فشدد على ضرورة مراعاة البعدين الأمني والاقتصادي للصفقة، والتأكد من عدم حصول خروقات أمنية ومن تحقيق عائدات فعلية للدولة.

اعتراض شركات الإنترنت المحلية

لم يقتصر الاعتراض على النواب، بل امتد إلى شركات الإنترنت الخاصة (ISPs) التي رأت في "ستارلينك" تهديداً مباشراً لبقائها.

سبع شركات، بينها Inconet و Terranet وBroadband، وقّعت رسالة اعتراض طالبت فيها بتنظيم دخول الشركة بشكل تدريجي ومدروس، محذرةً من خسارة تصل إلى 25% من الزبائن، وانخفاض إيراداتها بنسبة 27%، ما سينعكس على مداخيل الدولة من القطاع.

الكلفة المرتفعة

ورغم الترويج لستارلينك كحل لمشكلة الإنترنت في لبنان، إلا أن كلفته تشكل عائقاً كبيراً أمام الاستفادة منه:

تكلفة المعدات بين 350 و500 دولار تُدفع مرة واحدة.

اشتراك شهري للمنازل بين 42 و56 دولاراً.

للشركات: تصل الكلفة إلى 111 دولاراً مقابل 500 Gb شهرياً.

ما يعني أن الخدمة ستكون متاحة للشركات والمؤسسات أكثر من المواطنين والمناطق النائية، خلافاً لما يُروج له.

جدل حول السيادة الرقمية والشفافية

المخاوف لا تتوقف عند الكلفة. خبراء اتصالات يحذرون من أن بيانات المستخدمين اللبنانيين ستُرسل إلى أقمار صناعية ومحطات خارجية تابعة للشركة الأم، ما يطرح تساؤلات حول مكان تخزين هذه البيانات ومن يملك حق الاطلاع عليها.

ويُضاف إلى ذلك غياب الشفافية: فلا معلومات حتى الآن عن مدة الترخيص، ولا عن حصة الدولة من العائدات، ولا عن طبيعة استثمارات "ستارلينك" في لبنان.

تضارب مصالح؟

الجدل تعمّق مع اتهامات بوجود تضارب مصالح، إذ إن وزير الاتصالات شارل الحاج يمتلك أو كان يمتلك أسهماً في شركتي إنترنت محليتين (Waves وConnect) اللتين تسوّقان لخدمات ستارلينك، ولم توقعا على رسالة الاعتراض، خلافاً لمعظم الشركات الأخرى.

الخلاصة

ملف ستارلينك في لبنان يختصر أزمة الحوكمة في البلاد:

قرارات متسرعة تتخطى الإطار القانوني.

مخاطر على السيادة الرقمية والأمن الوطني.

مخاوف اقتصادية على شركات الاتصالات المحلية والدولة.

كلفة مرتفعة تحد من استفادة الأفراد والمناطق النائية.

في قطاع حيوي كالاتصالات، لا تنفع سياسة "الهروب إلى الأمام". المطلوب تنظيم شفاف يوازن بين الحاجة لتقنية متقدمة مثل "ستارلينك"، وبين حماية الاقتصاد الوطني وضمان المصلحة العامة.