من جلسة 5 أيلول إلى جلسة 5 آب تغيرت أشياء كثيرة في المواقف كما في شأن قرار "حصرية السلاح بيد الدولة"، وجاءت النتيجة وفق معادلة "رابح ـ رابح" على المستويين الداخلي والخارجي.
في انتظار ما ستحمله الأيام من ردود فعل أميركية وغربية وعربية على نتيجة جلسة مجلس الوزراء اللبناني الأخيرة فإن الأهم من ذلك يكمن في التسوية التي حصلت بين المعنيين قبيل انعقاد الجلسة حول قرار "حصر السلاح" وأمّنت نزول الجميع عن شجرة مواقفهم العالية.
وعلى رغم انسحاب وزراء "الثنائي الشيعي" من الجلسة عند طرح قائد الجيش العماد رودولف هيكل الخطة التنفيذية لحصر السلاح، تصرّف الجميع بعد الجلسة معتبرين أنفسهم رابحين وأن نتائجها جاءت وفق ما اشتهوا لأن خطة الجيش أرضتهم إذ جاءت واقعية تتلاءم مع إمكانات المؤسسة العسكرية الغارقة في تنفيذ مهمات كبرى في الجنوب وبقية المناطق. ولذلك لم يلزم الجيش نفسه بمهل زمنية محددة، على أن يبدأ التنفيذ من جنوب الليطاني ليمتد لاحقا وعلى مراحل إلى بقية المناطق. وسترفع القيادة العسكرية تقريراً شهرياً عن عملها إلى مجلس الوزراء.
ووفقا معادلة رابح ـ رابح بين المعنيين يتبين أن "الأرباح" جاءت كالآتي:
ـ أوّلاً، رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون ربح في أنّ مجلس الوزراء ثبّت خياره لمعالجة موضوع السلاح ضمن "استراتيجية الأمن الوطني" وهو ما كان يؤسس له من خلال مشاوراته مع "الثنائي الشيعي" منذ أشهر، فأعاد المجلس هذا الأمر الى نصابه وهو المنصوص عنه في خطاب القسم الرئاسي والبيان الوزاري للحكومة، وبات عون مستعداً لعقد مؤتمر حوار وطني في أي وقت متسلحا بدعوة رئيس مجلس النواب نبيه بري في ذكرى تغييب الإمام موسى الصدر إلى "حوار هادئ وتوافقي" لمعالجة السلاح ضمن "استراتيجية الأمن الوطني" يفضي إليها هذا الحوار الذي سينعقد قريبا. كما بات في إمكان رئيس الجمهورية أيضا أن يذهب الى الأمم المتحدة لإلقاء كلمة لبنان أمام جمعيتها العمومية في 25 من أيلول الجاري ليطالب العالم بإلزام إسرائيل بوقف إطلاق النار والانسحاب من الجنوب، شارحاً الخطوات التي اتخذتها الحكومة اللبنانية لحصر السلاح وقرار الحرب والسلم في يدها.
ـ ثانياً، رئيس الحكومة نوّاف سلام ربح في أن قرار "حصر السلاح بيد الدولة" الذي اتخذته حكومته قد بدأ تنفيذه عملياً وفق الخطة التي أعدّتها قيادة الجيش، وأنّ لا تراجع عن هذا القرار الذي يحاول البعض أن يوحي به استناداً إلى صيغة القرار الحكومي التي صيغت بعبارة "ترحيب" مجلس الوزراء بتلك الخطة العسكرية. يجدر التذكير بأن القوى السياسية التي أيّدت اندفاعة رئيس الحكومة وإصراره على قرار نزع السلاح في جلستي 5 و7 آب المنصرم، تعتبر نفسها رابحة وقد تبنّت موقفه من نتائج الجلسة الأخيرة وستستمر في تأييده والمطالبة في استعجال تنفيذ هذا القرار.
ـ ثالثاً، "الثنائي الشيعي" وحلفاؤه، يعتبرون انفسهم رابحين لأن مجلس الوزراء أعاد الأولويات إلى ترتيبها الأصلي بعدما كان خرج عليها في قراريه في 5 و7 آب الفائت، بحيث أن المجلس ربط نزع السلاح بالتزام إسرائيل وقف النار والقرار 1701 والانسحاب من التلال التي تحتلها وإطلاق الأسرى وإطلاق عملية إعادة الإعمار، ورهن معالجة مصير السلاح ضمن "استراتيجية الأمن الوطني" التي نادى بها خطاب القسم وتبنّتها الحكومة في بيانها الوزاري. وبالتالي ترك الأمر لمؤتمر الحوار الموعود وللجيش، وتم تجنيب البلاد الدخول في فتنة كان يمكن حصولها لو تم الإصرار على نزع السلاح بالقوة.
والواقع أن هذا القرار الحكومي ـ التسوية كان "طرّزه" رئيس مجلس النواب نبيه بري في الاتصالات التي جرت عبر الموفدين بينه وبين الرئيسين عون وسلام وقائد الجيش طوال الأيام التي سبقت الجلسة، بحيث كان هناك اتفاق على عدم الدخول في أي خطوات من شأنها أن تعرّض السلم الاهلي لأي انتكاسة أو أن تعرّض الحكومة للانقسام أو للسقوط تحت ضغط الشارع أو الشوارع. وتم الاتفاق أيضا ًعلى مضمون الموقف الذي أعلنه مجلس الوزراء مرفقا بـ"ترحيبه" بخطة الجيش الممرحلة لحصر السلاح والتي ستترافق مع العمل لوضع "استراتيجية الأمن الوطني".
في أي حال فإن الأنظار والاهتمامات ستبقى منصبة على المواقف من القرار الحكومي الأخير، وتحديدً على موقف إسرائيل التي تستمر في عدم التزام وقف النار ورفض الانسحاب من المناطق التي تحتلها. وسينصب الاهتمام أيضاً على حركة الموفدة الرئاسية الأميركية مورغان أرتاغُس التي تأخذ هذه المرة "طابعاً عسكرياً" لمرافقتها قائد المنطقة الوسطى الادميرال براد كوبر في زيارته للبنان والجنوب. وكذلك سينصب الاهتمام ايضا على التعاطي العربي، والخليجي تحديداً، مع السلطة اللبنانية خصوصاً والوضع اللبناني عموماً، خصوصاً أن بعض الدول الخليجية كانت الداعم الكبير، إلى جانب واشنطن، لاستصدار قرار مجلس الوزراء في 5 و7 آب في شأن حصر السلاح والموافقة على الورقة الأميركية.