للجالية اللبنانية الأميركية تنوّع غني وجذور عميقة تعود إلى منتصف القرن التاسع عشر، وانخراط سياسي. وقد سعت منذ فترة طويلة للتأثير في السياسة الأميركية تجاه لبنان. ورغم تاريخها الطويل في النشاط والدفاع عن قضايا لبنانية، بما في ذلك عملُ عدد من الأميركيين اللبنانيي الأصل الذين برزوا في الإدارة وفي مجلسَي النواب والشيوخ، لم تحقّق الضغوط التي مارستها تلك الشخصيات وعدد آخر من مجموعات الضغط سوى نتائج محدودة مقارنة بما حققته مجموعات الضغط الإثنية والسياسية الأخرى، ولا سيّما اللوبي الصهيوني في واشنطن.

ورغم أن الجالية تضم مجموعة متنوعة من المنظمات والأفراد المؤثّرين، فقد أعاقت نشاطاتِهِم الانقساماتُ الداخلية وتضاربُ المصالح وتعقيدُ المشهد السياسي المحيط بلبنان، وقوة مجموعات الضغط المناوئة.

الشخصيات البارزة في السياسة اللبنانية الأميركية

قدّم اللبنانيون الأميركيون مساهمات ملحوظة في السياسة الأميركية، إذ وصل كثير منهم إلى مناصب بارزة، بدءاً من أول عضو في مجلس النواب من أصل عربي، جورج قاسم، ثو أبراهام الخازن، إلى الموفد الرئاسي الأميركي السابق إلى لبنان فيليب حبيب والسفير الحالي توماس باراك، فإن حضور الجالية في السياسة الأميركية اكتسى أهمية كبيرة.

من بين الشخصيات الرئيسية الأخرى السيناتور جورج ميتشل زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ،و السيناتور جيمس أبو رزق والسيناتور جون سنونو الذي انتخب حاكما لولاية رود آيلاند، ووالده الذي كان كبير الموظفين في البيت الأبيض، و السيناتور تشارلي كريست الذي انتخب أيضاً حاكماً لولاية فلوريدا، وجون بالداتشي الذي انتخب لاحقاً حاكماً لولاية ماين، والنواب نيك رحّال، وراي لحود، عضو الكونغرس الذي عينه الرئيس أوباما وزيراً للنقل، وسبنسر أبراهام الذي عيّنه الرئيس جورج بوش الابن وزيراً للطاقة، ودارِلّ عيسى ودارِن لحود، ودونا شلالا التي كانت وزيرة للصحة في رئاسة كلينتون، وتشارلز بستاني وروبن كيوان.

يضاف إلى هؤلاء النائبة ماري روز عوكر، وديبي مكرزل وكريس جون وريتشارد حنا ورالف أبراهام وتوبي مافتت وآخرون انتخبوا في مجلس النواب لدورة أو دورتين.

استخدمت هذه الشخصيات مناصبها للدفاع عن مصالح لبنان، بما في ذلك دعم السيادة وتوفير المساعدات وحفظ أمن لبنان وسلامة أراضيه. وقد تحدثوا عن قضايا سياسية، أهمُّها استبعاد "حزب الله" من الحكومة اللبنانية وتعزيز الجيش اللبناني كالقوة المسلحة الشرعية الوحيدة في البلاد.

مجموعات الضغط اللبنانية الأميركية

أدّى عدد من المنظمات دوراً محورياً في الضغط من أجل مصالح لبنان، خصوصاً في واشنطن.

أبرز المنظمات الناشطة حالياً لحشد تأييد الإدارة والكونغرس للبنان هي لجنة العمل الأميركية من أجل لبنان (ATFL) وهي تعمل على تحليل السياسات وتعزيز الدعم الحزبي للبنان من الجمهوريين والديمقراطيين على السواء.

وهناك أيضاً لجنة التنسيق اللبنانية الأميركية LACC، وهي تحالف يضم عدة مجموعات لبنانية أميركية وتُعتبَر من الكيانات الرائدة التي تدعو إلى سيادة لبنان واستقراره.

تساهم منظمات أخرى مثل مركز المعلومات اللبناني (LIC)، والمعهد الأميركي اللبناني للسياسات وهو لجنة عمل سياسي - (ALPI-PAC)، والشراكة اللبنانية الأميركية للنهضة (LARP) أيضاً في جهود حشد التأييد السياسي للبنان. وتعمل هذه المنظمات على الضغط للحصول على دعم أميركي من أجل تعافي لبنان الاقتصادي، والديمقراطية، والمساعدات الإنسانية.

مؤسسة الحريري، التي أسسها رئيس الوزراء الراحل رفيق الحريري عام 1979، ركزت على البرامج التعليمية والإنسانية وكان لها تأثير سياسي معيّن لدى أصحاب القرار في واشنطن. أدت التطورات السياسية في لبنان، وبخاصة تلك المتعلقة برئيس الوزراء السابق سعد الحريري ابتداء من 2017، إلى امتناع المؤسسة عن محاولة التأثير على السياسات الأميركية في لبنان.

ومع ذلك، ورغم تنوع هذه المجموعات، فهي حققت نجاحاً جزئياً لأسباب تتعلق بنشاطها الإفرادي غير المنسَّق في الولايات المتحدة وأخرى تتعلق بالانقسامات السياسية اللبنانية نفسها.

التحدّيات أمام عمل مجموعات الضغط اللبنانية الأميركية

ساهمت عدة عوامل في الحدّ من نجاح جهود الضغط اللبنانية الأميركية، منها:

1. الانقسامات الداخلية

تعاني الجالية اللبنانية الأميركية من انقسامات عميقة على خلفية طائفية، تبعاً للتنوُّع الطائفي داخل لبنان نفسه. مع هذا الانقسام يصعب تقديم موقف موحَّد حول القضايا الأساسية. فالأولويات المتنوعة، بناءً على الدين أو الولاءات السياسية، تؤدي غالباً إلى أهداف متضاربة تُضعف جهود حشد التأييد الرسمي.

2. صورة لبنان المثيرة للجدل

لحقبة طويلة، خصوصاً منذ 2006، ولكن حتى منذ ثمانينيّات القرن الماضي ترتبط صورة لبنان في الولايات المتحدة والغرب عموماً بـ "حزب الله"، الذي صنّفته لولايات المتحدة ودول أخرى منظمةً إرهابية. وقد شكلت تلك الصورة عائقاً كبيراً أمام أيّ ضغط فعّال. وعليه، يتوخّى صُنّاع القرار الأميركيون الحذر في دعم مبادرات تتعلّق بلبنان خشية دعم "حزب الله" أو فصائل مسلحة أخرى بدون قصد.

3. أولويات السياسة الأميركية

يُهيمن عدم الاستقرار السياسي المستمر والأزمات الاقتصادية والفساد في لبنان على الدولة، وهو ما أخّر قضايا لبنان في سلّم اهتمامات الحكومة الأميركية. في هذا الوقت صبّ الأميركيون اهتمامهم على قضايا اعتبروها أكثر إلحاحاً مثل الطموحات النووية الإيرانية أو الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، علماً بأن الملف اللبناني على تماس مباشر مع القضيّتين.

4. محدودية الموارد

بالمقارنة مع مجموعات الضغط الأخرى مثل لجنة الشؤون العامة الأميركية الإسرائيلية (AIPAC)، تواجه المجموعات اللبنانية الأميركية نقصاً في الموارد المالية والبنية التحتية المهنية للضغط، ويعتمد الكثير منها على جهود متطوعين (هواة)، وهو ما يضعها في مرتبة أدنى عند التنافس من أجل جذب انتباه صنّاع القرار.

5. ضعف التعبئة الشعبية

تعتبر الجالية اللبنانية الأميركية صغيرة نسبياً ومنتشرة على امتداد الولايات المتحدة، تفتقر إلى القدرة على حشد الناخبين في الولايات الحاسمة. وهذا يحدّ من قدرتها على التأثير في الانتخابات أو الحصول على دعم سياسي قوي من أعضاء الكونغرس.

6. نشاط ضغط تفاعلي وليس استباقي

تتركز غالبية جهود الضغط على الاستجابة للأزمات الفورية مثل العقوبات أو عدم الاستقرار السياسي، بدلاً من اعتماد استراتيجية طويلة الأمد تعالج القضايا المستمرة في العلاقات الأميركية اللبنانية.

نافذة على المستقبل

لزيادة الفاعلية، على مجموعات الضغط اللبنانية الأميركية تبنّي نهج أكثر استراتيجية. وهذه بعض الاقتراحات:

1. بناء أجندة موحّدة

لتجاوز الانقسامات الطائفية، يجب أن تعمل الجالية اللبنانية الأميركية على تطوير منصّة موحّدة تركز على القيم المشتركة، مثل السيادة اللبنانية، الاستقرار السياسي، والتعافي الاقتصادي. ويمكن أن يؤدّي انتهاج مقاربة مركزية ومنسقة بين المنظمات إلى تحقيق نتائج أفضل في القدرة على إحداث تغييرات إيجابية مستمرة في السياسة الأميركية تجاه لبنان.

2. التخلي عن الهواية و الاستعانة بمحترفين

على مجموعات الضغط اللبنانية الأميركية إنشاء بنية تحتية أكثر احترافية ومستدامة للضغط بما في ذلك توظيف خبراء علاقات عامة، ومحللي سياسات يعملون بدوام كامل للحفاظ على التواصل الدائم مع المسؤولين الأميركيين.

3. توسيع التعبئة الشعبية

لزيادة التأثير السياسي، من الضروري بناء دعم جماهيري من خلال حملات وطنية لتسجيل الناخبين ومبادرات المشاركة السياسية. يمكن أن تنظيم أنشطة تزيد تعارف أبناء الجالية وتوثق العلاقات في ما بينهم فتجعلهم يشعرون بأن مشاكلهم مشتركة. ويمكن استغلال المناسبات الثقافية التي تقيمها الرعايا لعقد ندوات تثقيفية تتخللها نقاشات عن الأوضاع في الوطن الأم.

4. إقامة شراكات استراتيجية

التعاون مع مجموعات أميركية من الشرق الأوسط أو منظمات حقوق الإنسان ومراكز الأبحاث يمكن أن يوسع الدعم للقضايا اللبنانية. كما أن الشراكة مع أعضاء الكونغرس غير اللبنانيين المهتمين بالسياسة الشرق أوسطية والمساعدات الإنسانية ستقوي جهود ممارسة الضغط.

5. التركيز على الرسائل الإيجابية

ينبغي للجالية اللبنانية الأميركية أن تنتقل من سردية تركز على إدارة الأزمات إلى إبراز الفرص المتاحة للتعاون الأميركي اللبناني في مجالات مثل التعليم والأعمال والتبادل الثقافي.

6. وضع خطة استراتيجية طويلة الأمد

هذا النشاط الترويجي يجب أن يتجاوز الاستجابات القصيرة الأجل للأزمات، عبر وضع خطة استراتيجية طويلة الأمد ذات أهداف واضحة وأبحاث قابلة للتطبيق لتوجيه السياسة الأميركية تجاه لبنان بشكل أكثر فعالية.

من خلال تجاوز الانقسامات الداخلية، توسيع الموارد، واعتماد نهج أكثر استباقية، تستطيع الجالية تعزيز قدرتها على التأثير في السياسة الأميركية لدعم سيادة لبنان واستقراره وازدهاره. ومع الوحدة والتخطيط الاستراتيجي، لدى اللوبي اللبناني الأميركي إمكانية أن يصبح قوة فاعلة أكبر في واشنطن، قادرة على تشكيل العلاقات الأميركية اللبنانية بشكل إيجابي ومستدام.