لا تزال حادثة وفاة الشاب اللبناني – الأسترالي حسين. م. ر (مواليد 2008) أثناء ممارسته رياضة الطيران الشراعي (الباراغلايدنغ) في منطقة جونية تتفاعل بشكل كبير في لبنان، وقد أعادت هذه الحادثة المؤلمة فتح النقاش حول أمان هذه الرياضة، وغياب القوانين الصارمة التي تنظمها، في ظل ما يُقال عن تفلت وعدم تطبيق شروط السلامة العامة.
مأساة جديدة تسقط من السماء
حسين، الذي قدم من أستراليا لزيارة أقاربه في لبنان، قضى خلال تجربة يفترض أن تكون ممتعة ومفعمة بالأدرينالين، لكن سائق المظلة الشراعية التي كان يطير بها لاذ بالفرار بعد الحادث، فيما أصدر القضاء قراراً عاجلاً بـمنع ممارسة الطيران الشراعي في منطقة جونية، وتم ختم المدرج المستخدم بالشمع الأحمر.
هذه ليست الحادثة الأولى، فقد سبقها سقوط شابين في نيسان الماضي في مياه البحر قبالة نفس المدرج، ونجيا بأعجوبة. ما يثير الشكوك حول سلامة الموقع والممارسات التنظيمية فيه.
ثغرات خطيرة في شروط السلامة
تصريحات عائلة الضحية كشفت عن إهمال فادح. فبحسب خاله، لم يكن حسين مربوطاً بشكل آمن، وكان وزنه الزائد عاملاً لم يؤخذ بعين الاعتبار. كما أظهر الفيديو المنتشر أنه حاول التمسك بالمظلة لأكثر من دقيقتين قبل أن يسقط بشكل مروّع.
هذه المعطيات تسلط الضوء على ثغرات خطيرة في إجراءات السلامة التي يُفترض أن تتبعها الجهات المنظمة لرياضة الطيران الشراعي.
من يحق له ممارسة هذه الرياضة؟
رياضة الباراغلايدنغ لا تُمارس بشكل عشوائي في الدول التي تحترم أرواح الناس. فغالباً ما تكون هناك:
- شهادات رسمية للمدربين معتمدة من اتحادات دولية.
- فحص طبي إلزامي للممارسين.
- تأمين ضد الحوادث.
- فحص حالة الطقس والرياح قبل الإقلاع.
- تحديد وزن الممارس ومراعاة قدرات المظلة.
- عمر قانوني أدنى (غالباً فوق 16 أو 18 سنة).
- تسجيل الرحلات مسبقاً لدى سلطات الطيران المدني أو الجهات الأمنية.
لكن في لبنان، تغيب معظم هذه المعايير عن الممارسات اليومية في بعض المناطق، ويعتمد الأمر أحياناً على المبادرات الفردية أو الشركات الخاصة دون رقابة كافية.
القوانين في لبنان... غائبة أم معطلة؟
لا يوجد في لبنان حتى اليوم قانون موحد ينظم رياضة الطيران الشراعي، بل يتم تنظيم النشاطات أحياناً عبر موافقات من الجيش اللبناني أو البلديات أو الجهات السياحية. لكن هذه الموافقات لا تشكل إطاراً قانونياً متكاملاً يحفظ سلامة المشاركين.
حتى الآن، لا يوجد اتحاد رسمي فاعل يفرض إجراءات صارمة على المدربين والمواقع المعتمدة للطيران، ولا توجد جهة رقابية تُلزم المشغلين بالحصول على رخص وتجديدها أو التحقق من جاهزية المعدات.
كيف تتعامل دول أخرى مع رياضة الباراغلايدنغ؟
في فرنسا وسويسرا والنمسا، لا يُسمح للطيران الشراعي إلا ضمن شروط صارمة:
- تدريب إلزامي في مدرسة مرخصة.
- رخصة قيادة مظلة شراعية.
- إشراف من هيئة طيران مدني.
- تأمين ضد الأذى الشخصي والمسؤولية.
- تسجيل الرحلات في مناطق معينة فقط مع مراقبة جوية.
أما في دبي مثلاً، فتفرض هيئة الطيران المدني تسجيل كل الرحلات، ولا يسمح بالطيران إلا فوق مناطق محددة، وتحت إشراف مدربين معتمدين بشهادات دولية.
هل يجب منع الرياضة أم تنظيمها؟
الباراغلايدنغ ليست رياضة قاتلة بحد ذاتها. مئات الآلاف يمارسونها سنوياً حول العالم من دون حوادث، بشرط توفر:
- قوانين واضحة.
- مراقبة رسمية للمواقع والمشغلين.
- رخص مهنية إلزامية للمدربين.
- تدريب مسبق للممارس.
- خضوع المعدات للفحص الدوري.
- جاهزية طبية في الموقع.
دعوة لتحرك فوري
حادثة حسين ليست مجرد قصة مؤلمة، بل إنذار لكل الجهات الرسمية في لبنان: أوقفوا الاستهتار بأرواح الناس. لا يجوز أن تُترك رياضة جوية دون تنظيم أو محاسبة، وأن يتحول الشغف بالتحليق إلى كابوس لعائلات شابة تبحث عن لحظات فرح في وطنٍ مثقل بالمآسي.
الوقت حان لوضع قانون واضح لرياضة الطيران الشراعي في لبنان، يحمي الأرواح ويمنع التكرار.