احتفل العالم في الثاني عشر من الشهر الحالي وكما في كل عام بـ"اليوم العالمي للممرضين والممرضات"، تقديرًا للدور المحوري الذي يلعبه الممرضون والممرضات في النظام الصحي، واعترافاً بتفانيهم في خدمة المرضى، سواءً في الظروف العادية أو خلال الأزمات.

يعود اختيار هذا التاريخ إلى ذكرى ميلاد فلورنس نايتينغايل، مؤسسة التمريض الحديث، التي أحدثت تحوّلاً جذرياً في مهنة التمريض في القرن التاسع عشر وساهمت في تطوير نظم الرعاية الصحية.

مهنة تتجاوز الممارسة… إلى القيادة والرعاية

الممرضون والممرضات ليسوا مجرد منفذين لتوجيهات الأطباء، بل هم ركيزة أساسية في العملية الصحية. يرافقون المرضى على مدار الساعة، ويؤمّنون الرعاية في الطوارئ وغرف العمليات والمراكز الصحية والمدارس وحتى المنازل. يتحملون ضغوطاً نفسية وجسدية هائلة، ويُطلب منهم تقديم الرعاية بتعاطف ومهنية، في ظروف قد تكون قاسية وغير مستقرة.

وفي هذا السياق، توضح سينتيا أبي خليل، مديرة التمريض في مستشفى الجعيتاوي، أن "اليوم العالمي للتمريض هو مناسبة لتسليط الضوء على نُبل هذه المهنة، وما تتطلبه من تضحيات تبدأ من السهر والعمل في العطل، ولا تنتهي عند الألم النفسي الناتج عن مرافقة المرضى في معاناتهم اليومية".

التحول الرقمي يعيد تشكيل دور الممرضين

لم يعد دور الممرض/ة يقتصر على الإجراءات الطبية فقط، بل أصبح حلقة وصل بين التطور التكنولوجي والجانب الإنساني في الرعاية الصحية. وتابعت أبي خليل: "في ظل تسارع استخدام التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي في القطاع الصحي، أصبح للممرضين والممرضات دورٌ أساسي في اختيار وتطبيق الحلول التقنية التي تخدم المرضى وتحافظ في الوقت نفسه على إنسانية المهنة".

وتضيف: "الممرض/ة اليوم شريك في اتخاذ القرار، يستخدمون أدوات رقمية متقدمة، وفي الوقت ذاته يقدّم الدعم النفسي والمعنوي الذي لا يمكن لأي جهاز أن يوفّره".

نقص عالمي يهدد استمرارية المهنة

رغم الأهمية البالغة لدور التمريض، يعاني هذا القطاع من نقص حاد في الكوادر البشرية على مستوى العالم، وهي أزمة تفاقمت بعد جائحة كورونا. وأشارت أبي خليل إلى أن "قطاع التمريض يواجه تحديات كبرى، أبرزها النقص المستمر في عدد العاملين، مع تزايد الطلب على الرعاية الصحية الناتج عن شيخوخة السكان وانتشار الأمراض المزمنة".

وأكدت أن "هذا النقص يضع ضغطاً هائلًا على الكوادر الموجودة، ويدفع بعضهم لمغادرة المهنة قبل سن التقاعد. لذلك، من الضروري تحسين ظروف العمل، وتأمين بيئة داعمة، واستقطاب الشباب والشابات عبر تشجيعهم على اختيار مهنة التمريض من خلال مسارات مهنية واضحة وحوافز مجزية".

التمريض: مهنة علمية وإنسانية بامتياز

تلفت أبي خليل إلى أن "التمريض لا يقتصر على تنفيذ التعليمات الطبية، بل يشمل مراقبة دقيقة لحالة المريض، ودعمًا نفسياً متواصلاً، وتثقيفاً صحياَ، وتعاوناً متكاملاً مع الأطباء والاختصاصيين. بل إن الممرضة غالباً ما تكون أول من يلاحظ تدهور حالة المريض، وأول من يتدخل لإنقاذه".

وأضافت: "نحن نرافق المريض في كل محطات حياته – من ولادته، إلى لحظاته الأخيرة – ونمثل صوته، وندافع عن حقوقه، ونمنحه الطمأنينة، عندما يكون بأمسّ الحاجة إليها".

وتتابع: "التمريض ليس مجرد مهنة، بل هو مسار حياة. إنه يطوّر الشخصية، ويغني الإنسان، ويمنحه طاقة داخلية لا مثيل لها، انعكاسها لا يظهر فقط في مكان العمل، بل في كل علاقاته ومحيطه".

وتشارك تجربتها وتقول "لقد اخترتُ التمريض كمهنة عن قناعة منذ أكثر من 15 عامًا، ولا تزال خياري الأول والوحيد. ونصيحتي الصادقة لكل شاب وشابة مهتمين بالعمل في المجال الصحي: إذا كنتم على استعداد للتعلّم المستمر، والعمل الجاد، والقيادة، والتعاطف، والتفاني، فإن مهنة التمريض ستمنحكم الكثير. إنها مهنة تتطلب العلم، وتفتح أمامكم آفاقًا واسعة، وتردّ لكم الجهد بدعاء المريض، وشكره، وابتسامته. إنها مهنة مليئة بالتحديات، لكنها تمنحكم قوة حقيقية في الحياة اليومية، وفي علاقاتكم العائلية والمجتمعية. فالتمريض لا يقتصر على ما نقوم به، بل يشكّل ما نصبح عليه. إنها مهنة تصقل الإنسان، وتُغني شخصيته، وتُعزز إنسانيته".

وتتابع: "لعبت الممرضة دورًا أساسياً في النظام الصحي، سواء في مراكز الرعاية الأولية، أو المستشفيات، أو المدارس، أو دور الحضانة، أو دور الرعاية، أو حتى في شركات التأمين والوزارات والهيئات المعنية بالصحة العامة. تقدم الممرضة رعاية صحية متواصلة، تتابع حالات المرضى، توفر الدعم النفسي، وتُثقف العائلات، وتتعاون مع جميع أفراد الفريق الصحي من أطباء واختصاصيين. ورغم أن الصورة النمطية تختزل دور الممرضة في تقديم الأدوية، وقياس الضغط، ومراقبة المؤشرات الحيوية، إلا أن دورها يتجاوز ذلك بكثير. فهي تراقب المريض عن كثب على مدار الساعة، وتكون أول من يلاحظ علامات التدهور، وأول من يتدخل لإنقاذ حياته، وهي التي تهيئه للعودة إلى منزله وتُثقفُه لمتابعة حالته. كما تمثل الممرضة صوت المريض، تدافع عن حقوقه، وترافقه في أصعب مراحل حياته، وقد تكون موجودة في لحظاته الأخيرة لتمنحه الدعم المعنوي، والأمل، والطمأنينة. فهي الوجه المألوف في كل مراحل الحياة، من لحظة الولادة إلى آخر لحظة في الحياة. لذلك، فإن مهنة التمريض ليست فقط إحدى أهم المهن في القطاع الصحي، بل هي عموده الفقري، وهي المهنة التي تجمع بين العلم والإنسانية، وبين المهارة والتعاطف، وبين التقنية والحكمة".

دعوة إلى التقدير والدعم

في هذا اليوم العالمي، تصبح دعوة تقدير الممرضين والممرضات ضرورة ملحة، لا مجرّد احتفال. فهؤلاء الأبطال الصامتون يستحقون أكثر من الشكر، بدءاً من أجور عادلة، مروراً بدعم نفسي وبيئة عمل محفّزة، وصولاً إلى الاعتراف بدورهم القيادي في النظام الصحي.

في الختام، كان اليوم العالمي للتمريض وقفة احترام وامتنان، لكل ممرض وممرضة يضعان راحة المريض فوق راحتهما، وصحته فوق صحتهما. هم النور في عتمة المستشفيات، والأمل في لحظات اليأس. تحية لكل من اختار أن يداوي الألم بمهنية وحنان، ويجعل من الرعاية رسالة حياة.