أحدثت جولة الرئيس الأميركي دونالد ترامب الخليجية الأخيرة تفاعلات كثيرة على ساحات المنطقة ومنها لبنان، وطرحت علامات استفهام كبيرة حول ما سيكون بعدها خصوصاً وأنها تزامنت مع ما أشيع عن "خلاف مستحكم" بين الإدارة الأميركية ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو حول التعاطي مع قضايا المنطقة من إيران واليمن والعراق فسوريا ولبنان وصولا إلى غزة. تتزامن الظروف مع تأكيد الرئيس الأميركي "اقتراب" توصل المفاوضات الأميركية ـ الإيرانية إلى اتفاق نووي جديد من دون أن يسقط احتمال اللجوء إلى خيارات أخرى ضد إيران، من بينها الخيار العسكري إن فشلت المفاوضات التي تجرى في عمان .

إلا أن الأهم في الجولة الخليجية كان إعلان ترامب أنه سيرفع العقوبات عن سوريا قبيل لقائه في الرياض مع الرئيس السوري أحمد الشرع برعاية ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان وحضوره. وكذلك توقفت هذه الأوساط عند مهاجمة ترامب لإيران التي اتهمها بزعزعة استقرار المنطقة. لكنه لم يقطع خط الرجعة معها، كما أشاد بالحكومة اللبنانية حاملاً في الوقت نفسه على حزب الله متهماً إياه بالتسبب بما آلت إليه الأوضاع في لبنان وواعداً بتقديم الدعم لتحقيق السلام فيه.

وقد لاقى إعلان رفع العقوبات الأميركية عن سوريا ترحيباً رسمياً وسياسياً لبنانياً من زاوية الأمل أن ينعكس إيجابا على لبنان بحل يعيد النازحين السوريين إلى بلادهم وبمساهمة لبنانية في ورشة الإعمار السورية الموعودة و استجرار الغاز المصري والكهرباء الأردنية الموعودين اميركياً بها منذ سنوات لتنشيط الحركة الاقتصادية.

لكن بعض المرجعيات اللبنانية الرفيعة رسمية وسياسية عبرت عن مخاوفها من احتمال ربط هذه القضايا بنزع سلاح حزب الله. تبقى هذه القضية معقدة خصوصاً في ظل استمرار إسرائيل في خرق القرار الدولي 1701 واتفاق وقف إطلاق النار وعدم استكمال انسحابها من المنطقة الحدودية خلافا لهذا الاتفاق. هذا الربط لو حصل، سييؤخر حل الأزمة اللبنانية وإعادة إعمار ما دمّرته الحرب الإسرائيلية إلى أجل غير معلوم. كذلك سيؤجل اعادة النازحين السوريين ويؤخر إعادة تطبيع العلاقات اللبنانية ـ السورية في ظل النظام السوري الجديد.

واسترعى الاهتمامَ والحذر ما رشح من أن الشرع أوحى لترامب ما يشبه الاستعداد للتطبيع مع إسرائيل خصوصاً بعدما قال الرئيس الأميركي قبيل ساعات من لقائهما في حضور ولي العهد السعودي إن "الاتفاقيات الإبراهيمية" ستتوسع وإن السعودية ستطبّع علاقاتها مع إسرائيل في توقيت تحدده هي دون سواها.

ويبرز تساؤل عما سيكون عليه موقف لبنان الرافض التطبيع في حال انضمام سوريا إلى الدول العربية المطبعة مع إسرائيل خصوصاً بعدما كُشف أنه كانت هناك مفاوضات سرية تجري بين دمشق وتل أبيب قبل زيارة ترامب للمنطقة.

القيادة السورية لا تعير لبنان أي اهتمام يذكر

المطلعون على الموقف الأميركي يقولون إن التفسيرات التي تعطى لقرار ترامب رفعَ العقوبات عن سوريا "ينطوي على كثير من المبالغات" حتى من ترامب نفسه لأن الرئيس الأميركي لا يملك مطلق الصلاحية في أمور كهذه خصوصاً أن غالبية العقوبات المفروضة على سوريا قائمة بموجب "قانون قيصر"، ما يعني أنه لا يستطيع رفع كل العقوبات خصوصا تلك التي تعود الصلاحية فيها الى الكونغرس. لذا قد يرفع ما هو في حدود صلاحياته التي لا تشمل كل العقوبات المفروضة والتي يأمل السوريون رفعها كلياً.

أما لبنان، وقبل أن يفكر في مستقبل العلاقة مع دمشق، فعليه أن ينتظر قليلاً لمعرفة ما سيؤول إليه مصير نظامها الجديد وواقع سوريا السياسي والجغرافي المهددين. وفي السياق تعتقد الأوساط السياسية أن لبنان كان أمام فرصة كبيرة للاستفادة مما يجري في المنطقة لكنه ضيّعها لأنه لم يسارع في الوقت المناسب لترتيب علاقته بسوريا. فالقضية الفلسطينية التي كانت محور كل الاهتمامات الإقليمية والدولية لم تعد كذلك وحلت سوريا مكانها فيما الاهتمام بقضية لبنان تهاوى لأن علاقته بسوريا لم تستقر،خصوصاً أن الجانب السوري لا يبدي التجاوب المطلوب، بل ان القيادة السورية لا تعير لبنان أي اهتمام يذكر، بدليل أن الشرع شكر قبل أيام كل الدول العربية والأجنبية على اهتمامها بموضوع النازحين وعلى مواقفها الداعمة لسوريا الجديدة، ولكنه لم يشر إلى لبنان بأي كلمة متجاهلاً أنه قدّم للنازحين السوريين على أرضه ما لم يقدّمه أحد.

إن سوريا التي كانت أيام النظام السابق تقف سداً بين لبنان ودول الخليج وتركيا صارت اليوم في عهد الشرع ممراً أو رابطاً بين هذه الأطراف الثلاثة. وهذا يدل إلى الاهتمام الإقليمي والدولي العالي المستوى بها. وقد يتعاظم هذا الإهتمام في الفترة المقبلة وترافقه علامات استفهام كبيرة حول مصير سوريا وبالتالي لبنان.