يسود في بعض الأوساط السياسية اللبنانية كلام خافت عن بداية تبدُّل في الموقف الأميركي من الوضع اللبناني تزايد في الآونة الأخيرة بعد تبديل الجنرال جاسبر جيفرز، رئيس لجنة المراقبة الخماسية لوقف إطلاق النار وتطبيق القرار الدولي الرقم 1701 بالجنرال مايكل جي ليني، والذي سيتبعه قريباً تغيير الموفدة الرئاسيّة إلى لبنان مورغَن أُرتاغُس.
وقد تنوّعت التفسيرات السياسية لهذين "التبدل والتبديل" الأميركيَّين، مشفوعة بعلامات استفهام وتعجُّب كثيرة حول الأبعاد والخلفيات والتوقعات في ظل المفاوضات الجارية بين الولايات المتحدة وإيران، والتطورات الخطيرة التي تشهدها الساحة السورية والحديث عن استعداد إسرائيل لشن حرب جديدة على حزب الله.
المؤيدون لـ "حزب الله" لا يعوّلون إيجابا على هذين "التبدل والتبديل" ولا يتوقعون أن يكون لهما أيّ مفاعيل عملية في اتجاه وقف الخروقات الاسرائيلية لوقف إطلاق النار ولا على الوضع السياسي الداخلي عموما أو مواقف القوى السياسية المناوئة للـ "حزب" أو المطالبة بنزع سلاحه خصوصا. بل إن هؤلاء المؤيدين يعتبرون أن الغاية من هذا التدبير الأميركي هي إمرار مرحلة انتقالية يعبر فيها لبنان والمنطقة ربما تنتهي مع انتهاء المفاوضات الأميركية ـ الإيرانية، وبناء المقتضى على نتائجها سواء كانت اتفاقاً على الملف النووي الإيراني أو عدمه.
وعليه، لا يُتوقَّع أن يكون لنتائج المفاوضات أيّ انعكاسات على موضوع سلاح "حزب الله" وكل الحركات والقوى المقاومة لإسرائيل في المنطقة لأن طهران رفضت ولا تزال ترفض أن يكون هذا الأمر في جدول أعمال المفاوضات التي تصر على تبقى محصورة فقط بالملف النووي والعقوبات الأميركية والغربية المفروضة على إيران بسببه. ويدل إلى ذلك عودة الـ "حزب" منذ أسابيع إلى تصعيد لهجته وتأكيد تمسكه بالمقاومة في مواجهة الخرق الإسرائيلي اليومي المتمادي لوقف إطلاق النار وعدم استكمال انسحابها مما تبقى من أراض لبنانية محتلة تنفيذا لاتفاق 27 تشرين الثاني الماضي.
من سيحمي الشيعة في لبنان ليس إيران وإنما...
ولكن معارضي "حزب الله" ومعهم بعض المطلعين على الموقف الأميركي أو اللصيقين به يقولون إن السياسة الأميركية تجاه لبنان تدخل عبر بابين الاول مقفل، لأن الـ "حزب" بات ضعيفا مُنهَكا ولن يطلق بعد الآن أيّ رصاصة. والثاني أن تسليم الـ "حزب" سلاحه لم يعد في مقدّم الاهتمامات لأسباب واقعية منها أنه بات خفيفا ومتوسطا لأن السلاح الثقيل دمرته إسرائيل وربما يكون قد تبقى منه بعض الصواريخ الثقيلة التي لا يعرف أحد مخابئها والتي لن تغيّر موازين القوى العسكرية على الأرض. ولهذا السبب انتقل البحث إلى موضوع سلاح حركة حماس في لبنان. ثمّ إن السلاح الخفيف والمتوسط لن يشكل خطرا على أميركا أو إسرائيل في حال وصول واشنطن وطهران إلى اتفاق. وقد تتكرر مع إيران تجربة الولايات المتحدة مع فييتنام، حيث أن فيتنام التي سقطت من يد الأميركيين بدعم روسي قبل خمسين عاما باتت تربطها الآن بالولايات المتحدة الأميركية علاقات متينة وكبيرة جدا سياسية ودفاعية واقتصادية. فهي من كبار المصدّرين إلى الولايات المتحدة ومن كبار مشتري السلاح الأميركي متخلية عن السلاح الروسي الذي استعملته طويلاً. وقد ساعد الاميركيون الفيتناميين بإمكانات وخبرات كبيرة في بناء ميناء هايفونغ الكبير وتطويره، ما جعل فيتنام في خط الدفاع عن الولايات المتحدة ومصالحها في تلك المنطقة من العالم.
وبالعودة إلى لبنان، فإن من سيحمي الشيعة في لبنان ليس إيران وإنما اتفاق أميركي ـ إيراني وسيكون "حزب الله" بالذات، والشيعة عموما أكبر المستفيدين منه، في وقت انتقلت الحسابات إلى محاولة معرفة انعكاساته في أماكن أخرى. ومن هنا تقرر رسميا العمل على ضبط سلاح حركة "حماس" في لبنان من خلال التوصية التي رفعها المجلس الأعلى للدفاع الوطني في اجتماعه الأخير برئاسة رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون إلى مجلس الوزراء.
والتطور الذي طرأ في الايام الاخيرة هو أنّ الجانب الإسرائيلي لم يعد على الموجة الأميركية لا في لبنان ولا في سوريا. وقد بات واضحا التباعد بين واشنطن وتل أبيب. فالإسرائيلي يريد تقسيم سوريا، حسبما قال وزير المال المتطرف بتسلئيل سموتريتش أخيرا. أما الأميركي فلن يسمح بهذا التقسيم مثلما لم يسمح تاليا بتقسيم لبنان الذي غالبا ما يتأثر بالوضع السوري ويؤثر فيه. وثمّة اعتقاد عام أن الرئيس دونالد ترامب هو من بات يخيف إسرائيل بقوة في هذه المرحلة خصوصا ويرى أنّ عليها التماهي مع سياسته لأنه قدّم لها ما لم يقدّمه سواه، إلى درجة أنه في إطار سياسته الجمركية الجديدة التي فاجأ بها العالم فرض عليها نسبة رسوم بلغت 10 في المئة فقط وهي نسبة ضئيلة جدا جدا إذا ما قورنت بالرسوم التي فرضها على بقية دول العالم. ويطيب لترامب التذكير أيضاً بأن المساعدة السنوية الأميركية لإسرائيل تبلغ أربعة مليارات دولار، ولهذا السبب لن يتهاون معها في حال أقدمت على تنفيذ أي مشروع يعارض سياسته في المنطقة، أو إذا اندفعت الى توريطه بحرب مع إيران، وخصوصا أن بنيامين نتنياهو كان ولا يزال يخطط لضرب المنشآت النووية والاستراتيجية الإيرانية التي يعتبرها "خطرا وجوديا" على إسرائيل.
فهل يفعلها نتنياهو وتقع الواقعة والوقيعة بينه وبين ترامب؟ أم أنه يناور بالتهديد بضرب إيران لنيل مكسب في مكان آخر؟
التطورات المقبلة ستحمل الإجابة ...