يوم الأرض كان في 22 نيسان/أبريل. كانت المناسبة فرصة هامة للتوقف والتفكير في حال كوكبنا وما نقوم به من أجل الحفاظ عليه. ولكن على الرغم من أن الكثير من التحذيرات بشأن الكوارث البيئية تتصدر الأخبار، إلا أن هناك تطورات إيجابية لا ينبغي تجاهلها. فقد شهدنا تقدمًا ملحوظًا في العديد من جوانب البيئة، والازدهار الاقتصادي كان هو العامل الرئيسي في هذا التغيير، مع تطور حقيقي في معالجة القضايا البيئية في العديد من الدول حول العالم. ولكن في لبنان، يظل الطريق طويلاً في مواجهة التحديات البيئية والاقتصادية.

البيئة في العالم: تقدم ملحوظ رغم التحديات

عندما نحتفل بيوم الأرض، قد يُغري الكثيرين التفكير في أن العالم في خطر بيئي وشيك. ولكن الواقع يُظهر أننا أحرزنا تقدمًا كبيرًا. على سبيل المثال، منذ أول يوم للأرض في عام 1970، عندما كانت المدن تعاني من الدخان السام وتلوث الأنهار، نرى اليوم تحسنًا ملحوظًا في جودة الهواء والماء في العديد من البلدان.

في الدول المتقدمة، انخفض تلوث الهواء بشكل كبير، حيث أظهرت التقارير أن مخاطر الوفاة الناجمة عن تلوث الهواء قد انخفضت بنسبة أكثر من 70% منذ التسعينات. وفي عام 2020، أكدت منظمة الصحة العالمية أن الهواء الخارجي في البلدان الغربية قد تحسن بشكل ملحوظ، مع انخفاض التلوث في العديد من المناطق الحضرية الكبرى.

الصين مثال على التحول البيئي

على الرغم من أن الصين كانت لفترة طويلة تُعتبر واحدة من أكثر الدول تلوثًا في العالم، فإنها اليوم تشهد تحولًا كبيرًا في سياساتها البيئية. بدأت الحكومة الصينية منذ عقد من الزمن في اتخاذ إجراءات صارمة لتحسين جودة الهواء والمياه، بما في ذلك تطبيق سياسات لتقليص انبعاثات الكربون وتحفيز استخدام الطاقة المتجددة. وبحسب التقارير، انخفضت مستويات تلوث الهواء في بكين بنسبة 33% خلال الأعوام الماضية بفضل إجراءات حكومية حاسمة.

لبنان: بين التحديات والفرص

أما لبنان، مثل العديد من الدول النامية، لا يزال يواجه تحديات بيئية كبيرة. فمن تلوث المياه إلى النفايات غير المعالجة، تواجه البيئة اللبنانية العديد من الأزمات التي تعيق التقدم في هذا المجال. من أبرز هذه التحديات:

تلوث المياه: مشكلة مستمرة

تعد المياه من أكبر القضايا البيئية في لبنان. بحسب تقارير من وزارة البيئة اللبنانية، يعاني أكثر من 2 مليون لبناني من تلوث المياه في مناطق متعددة من البلاد. معظم هذه المشاكل تنبع من التلوث الناتج عن النفايات السائلة والصناعية التي يتم تصريفها في الأنهار دون معالجتها، مما يؤدي إلى تلوث الأنهار والبحيرات. على سبيل المثال، تشير التقارير إلى أن نهر الليطاني، أحد أكبر الأنهر في لبنان، يعاني من مستويات عالية جدًا من التلوث بسبب تصريف النفايات الصناعية والصرف الصحي.

تلوث الهواء في المدن الكبرى

لبنان يعاني أيضًا من تلوث الهواء، وخاصة في المناطق الحضرية مثل بيروت. تشير الدراسات إلى أن مستويات تلوث الهواء في بيروت تتجاوز الحدود المسموح بها عالميًا، حيث يبلغ مستوى الجسيمات الدقيقة في الهواء (PM2.5) حوالي 60 ميكروغرامًا لكل متر مكعب، وهي أعلى بكثير من الحد الآمن الذي تحدده منظمة الصحة العالمية (10 ميكروغرام لكل متر مكعب). وهذا يشكل خطرًا على صحة المواطنين، حيث ترتبط هذه الجسيمات بالكثير من الأمراض التنفسية والقلبية.

إدارة النفايات في لبنان

إدارة النفايات في لبنان تعتبر من أكبر التحديات التي تواجه البيئة اللبنانية. بحسب تقرير صادر عن وزارة البيئة اللبنانية، يتم جمع حوالي 3,000 طن من النفايات يوميًا في البلاد، ومعظمها يتم التخلص منها في مكبات عشوائية. يُضاف إلى ذلك أن جزءًا كبيرًا من النفايات لا يتم معالجته، مما يؤدي إلى تلوث التربة والمياه.

أهمية الازدهار الاقتصادي في تحسين البيئة

إحدى الدروس المهمة التي يمكن استخلاصها من التجارب العالمية في معالجة القضايا البيئية هي أن الازدهار الاقتصادي هو العامل الحاسم في تحسين البيئة. كلما ازدادت الدول ثراءً، أصبح لديها القدرة على الاستثمار في التكنولوجيا النظيفة ومعالجة القضايا البيئية بشكل فعال. البلدان الغنية تتمكن من تقليص انبعاثات الغازات الدفيئة، وتحسين إدارة النفايات، واستخدام مصادر الطاقة المتجددة.

في لبنان، رغم الأزمة الاقتصادية الخانقة، تظل هناك فرص لتحسين الوضع البيئي إذا ما تم استثمار الأموال في البنية التحتية البيئية. يمكن أن يُحدث التحول الكبير في استخدام الطاقة المتجددة، مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، فارقًا حقيقيًا في تقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري وتخفيض مستويات التلوث.

التوجه نحو المستقبل: حلول عملية للبنان

1. الاستثمار في الطاقة المتجددة: إذا تم توجيه جزء من الدعم الدولي والمحلي نحو مشاريع الطاقة المتجددة، يمكن للبنان أن يصبح أكثر استدامة بيئيًا. هناك إمكانيات كبيرة للاستفادة من الطاقة الشمسية في لبنان، حيث يصل معدل الساعات المشمسة إلى أكثر من 3000 ساعة سنويًا.

2. تحسين إدارة النفايات: يتعين على لبنان التركيز على تطوير نظام فعال لإدارة النفايات، بما في ذلك عمليات إعادة التدوير والتخلص السليم من النفايات. هناك حاجة ملحة للاستثمار في محطات المعالجة لتقليل تلوث التربة والمياه.

3. التشجير والحفاظ على المساحات الخضراء: إن لبنان يمتلك إرثًا طبيعيًا غنيًا من الغابات والحدائق. يمكن للحكومة والمجتمع المدني أن يتعاونوا في إعادة تشجير المناطق المتضررة، حيث أظهرت الدراسات أن لبنان فقد أكثر من 40% من غاباته خلال العقدين الأخيرين بسبب الحرائق وقطع الأشجار.

فبعدما احتفلنا بيوم الأرض، لا يمكننا أن نغفل عن التحديات البيئية التي يواجهها لبنان. ولكن في الوقت نفسه، يجب أن نحتفل بالتقدم الذي حققناه على المستوى العالمي، وأن نؤمن بأن الحلول العملية تبدأ من الآن. الاستثمار في التنمية الاقتصادية المستدامة، وتبني التكنولوجيا النظيفة، وتنفيذ سياسات بيئية فعّالة هي خطوات رئيسية لضمان مستقبل أكثر استدامة للبنان وكوكب الأرض.

إذا تمكنا من تقليص الفقر وتعزيز التنمية المستدامة، يمكن للبنان أن يكون جزءًا من الحلول البيئية العالمية. فاليوم ليس يومًا للذعر بل للابتكار والتعاون في معالجة التحديات البيئية التي لا تزال تواجهنا.