شكلت إعادة تموضع العماد ميشال عون السياسية انطلاقاً من توقيعه ورقة "تفاهم مار مخايل" في 6 شباط 2006 مدخلاً لمدّ الجسور مع زعيم تيار "المردة" سليمان فرنجية بعد انتقال الجنرال من ضفة "14 آذار" و"ثورة الأرز" الى "8 آذار" ومحور الممانعة، ضفة الـقرار 1559 و"قانون محاسبة سوريا" إلى زيارة الشام على متن طائرة رئاسية أرسلها الرئيس السوري بشار الاسد، ومطالبته اللبنانيين بالاعتذار من دمشق، ضفة "لا بندقية تعلو فوق بندقية الجيش اللبناني" ودعواته "الحزب" بالتخلي عن سلاحه إلى تبريره سلاح "الحزب" باعتباره "حاجة للدفاع عن لبنان في ظل الضعف الذي يعاني منه الجيش اللبناني" وتحوّله بنظر حارة حريك إلى "ربان سفينة لبنان القوي المقاوم".

انتاب فرنجية شعور الغبطة جرّاء تقديم عون من خلال خياراته الجديدة "صك براءة" لـه على التزامه بـ"الخط" الذي لطالما تباهى به وعلى خياراته الدائمة الى جانب آل الأسد و"الحزب" والتي كانت غير مستساغة في البيئة المسيحية عموماً. لذا عمد إلى الإستفادة من علاقة المدّ بين "التيار" و"المردة" لكسر حاجز المدفون السياسي والذي فرضه عليه حليفه السوري. فسعى الى التمدّد عام 2008 بدءاً من جبيل وكسروان مروراً بالمتن وبعبدا وصولاً الى زحلة وذلك بحثاً عن حالة شعبية تخرج "المردة" من العزلة فيغادر زاوية زغرتا.

بعدما شعر بأنهما في "خندق واحد" ينطلق من الضاحية وصولاً الى دمشق، بلغ تماهي فرنجية مع "التيار" حدّ القول خلال افتتاح مكتب "المردة" في جبيل في 21/2/2010: "نحن نكمّل التيار الوطني الحر وهو يكمّلنا على الأرض. قد يكون اللونان مختلفين ولكن الرأي واحد والفكرة واحدة وإن شاء الله في أحد الأيام نتمكن نحن والتيار الوطني الحر من جمع اللونين بلون واحد". إلا أن المراكز التي افتتحها باتت فارغة، فما كاد يقصّ الشريط لافتتاحها حتى سيّجت بشريط شائك من العجز عن إستقطاب المناصرين، ما تسبب بإغلاقها.

"المصيبة" تجمع "التيار" و"المردة" جراء إنكسار محورهما وخروجهما من المعادلة السياسية الجديدة وصعود "القوات" شعبياً وسياسياً

المعضلة لم تكن "خط" فرنجية السياسي الذي أصبح مقبولاً عند جزء من المسيحيين جراء سير "التيار" به، بل أنه أعجز من أن ينافس هذا الأخير خدماتياً إذ ما يقدمه عبر وزارة يحصل عليها لا يقارن بما قد يقدمه "التيار" بامتلاكه وزارات بلغت في بعض الحكومات عتبة العشر.

تدريجياً بدأ الجَزر، مع شعور فرنجية بتمدد معاكس لـ"التيار" خصوصاً شمالاً حيث كان فرنجية في الزمن السوري يحصد النواب من البترون الى الكورة وعكار الى جانب زغرتا. من هنا، خرج ونوابه تدريجياً من تكتل "التغيير والإصلاح" بعدما تغيّب عن المشاركة في الاجتماعات في الرابية. كذلك انتابه شعور بتراجعه الى المرتبة رقم 2 سياسياً على صعيد العلاقة مع "الحزب" وسوريا. خير دليل انتخابات رئاسة الجمهورية عام 2016 إذ كانت الأفضلية لعون عليه.

بلغت الخلافات بين الطرفين ذروتها وخرجت الى العلن عبر مواقف نارية بينهما، فأضحى المدّ بينهما يتطلب تدخلاً مباشراً من أمين عام "الحزب" الراحل السيد حسن نصرالله الذي جمعهما في ٨/٤/٢٠٢٢ على مائدة الإفطار لتنظيم الخلاف وحضهما على الصوم عن التراشق الكلامي عشية الانتخابات النيابية. لكن سرعان ما عاد الجزر جراء رفض باسيل القاطع لخيار وصول فرنجية الى بعبدا، رغم جهود نصرالله لإقناعه بضرورته الاستراتيجية ورغم دخول رجل الأعمال الأردني – اللبناني علاء الخواجة على الخط وجمعهما ايضاً.

هل ينجح الطرفان بترجمة تلاقي القيادتين على صعيد القاعدة وصناديق الاقتراع؟

مطلع هذا الشهر وعشية الانتخابات البلدية والاختيارية، عاد المدّ بين الطرفين فزار النائب طوني فرنجية باسيل في دارته في البيّاضة. لكن ما جمعهما هذه المرة هي "المصيبة" جرّاء:

* إنكسار "الخط" الذي تغنى به آل فرنجية، والمحور الذي ظلّله مع "التيار" أضحى أطلالاً مع سقوط حكم آل الأسد في سوريا وضرب أذرع إيران في المنطقة وترنّح "الحزب" مع اغتيال نصرالله ووضع سلاحه تحت مقصلة الضربات الاسرائيلية أو إتفاق وقف إطلاق النار والقرارات الدولية.

* فشل رهاناتهما السياسية والعزلة الدولية تطاردهما عملياً رغم لقاءاتهما الديبلوماسية صورياً. فباسيل معاقب أميركياً كما وزير "المردة" يوسف فنيانوس.

* خروجهما من المعادلة السياسية الجديدة مع وجود العماد جوزاف عون في بعبدا والقاضي تمام سلام في السراي.

* خروجهما من السلطة التنفيذية إذ رغم تقديم أوراق اعتمادهما حكومياً إلا أنه لم يؤخذ بها ودُفِعا إلى المعارضة "مكره أخوك لا بطل".

* صعود شعبية خصمهما المشترك حزب "القوات اللبنانية" الذي يمتلك أكبر كتلة نيابية مسيحية و يحصد أكبر عدد من الأصوات في صناديق الاقتراع إلى جانب "التسونامي" الشبابي الذي يحققه بكسحه الانتخابات الطالبية في كل الجامعات.

* تراجع حجمهما الشعبي والنيابي، فعلّق سليمان فرنجية في 18/5/2022 على نتائج الانتخابات النيابية الاخيرة وحصد "المردة" مقعداً يتيماً بالقول: "زمطنا بريشنا". أما "التيار"، فالى جانب الانشقاقات والاستقالات في صفوفه تحوّل "لبنان القوي" الى كتلة مقلصة إذ إنتهى بـ13 نائباً مع إستقالة الرباعي النيابي الياس أبو صعب وابراهيم كنعان وآلان عون وسيمون أبي رميا وخروج "الطاشناق" وتبرؤ النائب محمد يحيى من إدّعاء "التيار" انتماءه إلى الكتلة.

* حجم العلاقات الدولية التي نسجها الدكتور سمير جعجع وتحوّل معراب لممرّ إلزامي الى المشهد السياسي من رمزية "العباءة" السعودية التي أهديت له إلى استهلال الموفدة الأميركية مورغان أُرتاغُس لقاءاتها في لبنان بعشاء في دارة جعجع.

* المفاجآت غير المتوقعة التي حققها جعجع في نسج التحالفات انتخابياً بدءاً بـ"الكتائب" على مساحة الوطن مروراً بزحلة والتحالف مع "الكتلة الشعبية"، ونجاحه بجمع النائب نعمة افرام والنائب السابق منصور غانم البون في جونية، والتحالف مع مجد بطرس حرب في البترون وصولاً الى "حركة الاستقلال" وآخرين في زغرتا و"الحبل ع الجرار".

المعلومات تؤكد بدء التنسيق بلدياً بين "التيار" و"المردة" مع اختلاف قدرة الدفع الانتخابي في صناديق الاقتراع خصوصاً في زغرتا الزاوية حيث المعركة محتدمة في بلدات القضاء الكبرى كرشعين وأردة والعين على اتحاد البلديات إذ إن أصوات العونيين على ضآلتها نسبياً قد تكون مرجّحة في بعض القرى. أما في الكورة والبترون، فوتيرة الاجتماعات التنسيقية أخف. فهل ينجح الطرفان بترجمة هذا المدّ بين القيادة على صعيد القاعدة وصناديق الاقتراع؟ وهل يمتدّ إلى الانتخابات النيابية؟ أما الجزر آت لا محال؟