تتوقّف الأوساط السياسية اللبنانية طويلاً هذه الأيام عند الحراك المتجدّد للمجموعة الخماسية العربية الدولية، وهو الذي جاء بعد مبادرة رئيس مجلس النواب نبيه بري المتجدّدة، ذات الأيام الحوارية الخمسة والجلسة الانتخابية الواحدة بدورات اقتراع متتالية مفتوحة حتى انتخاب الرئيس، وقبلهما كان طرح الولايات المتحدة فصل انتخاب رئيس الجمهورية عن الجنوب وغزة، مشفوعاً بإرسال موفدها الرئاسي آموس هوكستين إلى إسرائيل، اليوم، لإقناعها على ما يبدو بهذا الفصل، وكأنّها تضمن مسبقاً موافقة الجانب اللبناني عليه، في الوقت الذي اجتمع سفراء الخماسية في بيروت (عند السفير الفرنسي هيرفيه ماغرو) ليتّفقوا على القيام بجولة جديدة على المسؤولين اللبنانيين والكتل النيابية والسياسية المعنية بالاستحقاق الرئاسي، لاستطلاع آرائها في الطروحات الرئاسية الجديدة.
ولكن ما رشح من معلومات لمرجعيات وجهات فاعلة معنية بالاستحقاق الرئاسي لا يوحي بـ"الوردية" التي تلوّن الطرح الأميركي الذي يبدو أنّ الخماسية أو بعض أركانها تسير فيه، فهذه "الخماسية" صارت خماسيات لأنّ التباين في ما بينهم حول مقاربتهم للاستحقاقات اللبنانية تطوّر إلى خلافات حادة، إلى درجة أنّ الجانب القطري على الأقل بات مشتبكاً مع الآخرين، الذين يعتبرون أنّه لا يساعد بما له من تأثير كبير على حركة "حماس" بإقناع الأخيرة بقبول المقترحات المطروحة لوقف إطلاق النار في غزة وإطلاق الأسرى والمعتقلين، وهذا ما عكسه الاتهام الأميركي الأخير لحركة "حماس" بالعرقلة، ولكن هذا الاتهام كان رسالة غير مباشرة إلى الدوحة، وقد فهمتها فوراً وأسقطتها على واقع علاقتها مع بقية أقرانها في الخماسية، ليظهر لها أنّ مصر هي من أكثر المتصلّبين بالموقف ضدّها وتليها السعودية.
انتظار خماسي
على أنّه قبل أن تجتمع الخماسية، كان معروفاً مسبقاً لدى المعنيين أنّها ستقرّر جولة جديدة على المسؤولين والكتل اللبنانية، وهي تدرك سلفاً أنّها لن تقدّم أو تؤخّر في مجرى الاستحقاق الدستوري اللبناني، ولكن أُريد منها أن تكون المخرج لتعود هذه الخماسية إلى الموقف الذي كانت عليه قبل الحراك الحالي، وهو انتظار التوافق الداخلي على انتخاب رئيس يسبقه حوار أو لا يسبقه لا فرق عندها، وكذلك انتظار التفاهمات الإقليمية التي يُحكى عنها، وتحديداً بين الأميركيين والإيرانيين، في الوقت الذي بدأ استحقاق الانتخابات الأميركية يطغى على الجميع، ويفرض عليهم حالة انتظارية تحاول واشنطن هذه الأيام كسرها بطرحها الفصل بين انتخاب الرئيس اللبناني وبين جنوب لبنان وغزة.
وفي هذا السياق، يقول مصدر قريب من "الثنائي الشيعي" أنّ هناك سيناريو تنقله الأوساط الغربية عن الأميركيين يقول بانتخاب رئيس الجمهورية وفقاً للفصل بين مسار غزة والوضع في جنوب لبنان، وهذا السيناريو هو مدخل للتفاوض على تنفيذ القرار الدولي 1701، ولكن حزب الله لا يرى حتّى الآن أيّ مؤشر إلى حلحلة، فهناك حركة غربية ـ أميركية، وهناك حركة للمجموعة الخماسية العربية ـ الدولية، ولكن لم نر أيّ إلى الساعة فرصة واضحة لتحقيق الاختراق في الجدار المسدود.
ويضيف المصدر "أنّ أيّ رهان على الفصل بين جبهة الجنوب وجبهة غزة غير وارد، سواء حصل انتخاب رئيس جمهورية أم لم يحصل. فالمدخل إلى تنفيذ القرار 1701 وما بعده، له علاقة بما بعد غزة وليس بما بعد الرئيس، وهذه إشكالية كبيرة مطروحة. فالرئيس نبيه بري أطلق في ذكرى تغييب الإمام موسى الصدر رسالة اعتدال كبيرة عندما حدد جلسة واحدة للانتخاب بدورات متتالية مفتوحة، وإذا كان الوضع كذلك فلماذا لا يضغط الأميركيون وغيرهم على رئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع حتى يستجيب لهذا السيناريو".
ويؤكّد المصدر أن "ليس هناك إحساس لدينا بإمكان حصول أيّ اختراق في الجدار لأنّ المجموعة الخماسية مربكة في وضعها، ولا تتحرك على موجة واحدة ، فكلّ طرف فيها يتحدث بطريقة مختلفة عن الطرف الآخر، لكنّ الأميركي أمل في تحقيق سيناريو والفصل بين الاستحقاق الرئاسي والجنوب وغزة، لكن هذا ليس كافياً لإحداث خرق، ولا رفع المستوى التصعيد الإسرائيلي سيدفع حزب الله إلى تغيير في إسناد غزة.
والملاحظ، يقول المصدر، أنّ تصعيداً إسرائيلياً سُجّل الأسبوع الماضي، بعدما تلاقى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع يوآف غالانت ورئيس أركان الجيش الإسرائيلي هرتسي هاليفي على هذا التصعيد، ولكن بعد يومين ارتفع مستوى الغارات الجوية، وهذا حصل في الأسبوع نفسه الذي بدأ الأميركي خلاله الحديث عن فصل الوضع في جنوب لبنان عن انتخابات رئاسة الجمهورية، بحيث ينتخب الرئيس ليتولّى التفاوض ويفتح الطريق لتنفيذ القرار 1701. ولكن في هذا السيناريو ينسى الجميع موضوع غزة. ويستطرد المصدر ليقول أن لا مانع لدى حزب الله لانتخاب رئيس جمهورية، ولكن هل إذا انتخب هذا الرئيس يكون قادراً على حلحلة الملفات الإستراتيجية والأساسية بمعزل عن وقف العدوان الإسرائيلي على غزة فيما يُحكى عن وقف إطلاق النار".
بدأوا يعملون على قاعدة كيف يمكنهم أن يحسموا الوضع بحيث لا يتدحرج إلى ما لا تُحمد عقباه.
كابوس الأميركيين
وعن مدى استفادة الإدارة الأميركية "الديموقراطية" من سيناريو الفصل بين انتخاب الرئيس اللبناني والوضع في الجنوب ، يقول المصدر إنّ "الأميركي يعتبر أنّ معالجة كلّ ملف من ملفات المنطقة تصبّ في مصلحة الحزب الديموقراطي ومرشحته للرئاسة الأميركية كملا هاريس، والأمر الآخر هو أنّ الأميركي قلق فعلاً من تطور الوضع على الجبهة اللبنانية، خصوصاً إذا تزامن مع الضربة الإيرانية الموعودة رداً على اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" اسماعيل هنية في طهران قبل أكثر من خمسين يوماً.
إذاً، ليس هناك من يضمن أنّ الأمور لا تنفلت من الزمام في المنطقة. علماً أنّ الأميركيين عادوا وحذروا مراراً من الوضع في جنوب لبنان، معتبرين أنّه يبعث على القلق، وبدأوا يعملون على قاعدة كيف يمكنهم أن يحسموا الوضع بحيث لا يتدحرج إلى ما لا تُحمد عقباه.
فهل يمكن الإيراني أن يردّ على اغتيال هنية قبل الانتخابات الاميركية؟ يجيب المصدر: "في المعلومات، أنّ الايراني متريث، وبدأ يتحدّث عن أنّ الوقت ليس مهماً وأنّ المهم هو استنفاد الوقت غاياته، الآن أو لاحقاً، وهذا يعني أنّ طهران غير مستعجلة للرد إطلاقاً". ويشير إلى أنّ كلّ القوى الأميركية هي في حال حيرة وتردد سواء المرشحة هاريس وحزبها أو منافسها ترامب وحزبه، ولكن في حسابات الأميركيين أنّ ترامب هو الكابوس".
على أنّه خلافاً لكلّ التهديد والوعيد الإسرائيلي، فإنّ أوساطاً معنية تؤكد أنّ حال الاستنزاف المتبادل ستستمر من خلال عمليات القصف ما لم توقف إسرائيل حربها على غزة، خصوصاً أن الإسرائيلي عاجز عن شن "الحرب الكبرى" التي يهدّد بها بدليل حديث نتنياهو أخيراً عن أنّ هذه الحرب "يمكن أن تحصل بعد أسابيع أو بعد أربعة أشهر". والأهمّ من كلّ هذا كان حديثه عن حاجة إسرائيل إلى تأمين "الدعم الدولي" للحرب، وهو الأمر الذي لن يتوافر له كذلك الدعم الذي توافر له عندما شنّ حرب الإبادة على قطاع غزة التي لم تنته فصولاً بعد.