أسهم الطلب المتزايد على الملاذ الآمن، مدفوعًا بعدم اليقين الجيوسياسي والاقتصادي، بالإضافة إلى الشراء المستمر من المصارف المركزية، في ارتفاع أسعار الذهب من آذار إلى نيسان 2024، إذ سجّلت في التعاملات الفورية مستوى قياسيًا عند 2431.29 دولارًا للأونصة في 12 نيسان.

يُعتبر الذهب من أقدم وأشهر وسائل التخزين والاستثمار في الثروات. على مرّ العصور، اكتسب الذهب قيمة استثنائية لندرته وجماله واستخداماته المتعدّدة في الصناعة والمجوهرات. في المدة الأخيرة، شهدت أسعاره ارتفاعًا ملحوظًا أثار تساؤلات بشأن الأسباب الكامنة وراء هذا الارتفاع ومدى اعتبار الذهب استثمارًا آمنًا.

استثمار المصارف المركزية

في هذا الإطار، لفت د. محمد موسى، الأكاديمي والباحث في الاقتصاد، في حديثه لـ "الصفا نيوز" إلى أنّ "الذهب هو بلا شك الملاذ الآمن الأول اليوم عالميًا إذ يلقى اهتمامًا كبيرًا في ذروة الحروب، والضبابية في الأسواق، والتعاطي الدولي على كلّ الأصعدة، لا سيما في ملفّ التضخّم، وعدم استقرار السياسات النقدية والمالية عالميًا. والاستثمار في الذهب هو للحفاظ على الثروة في مكان ما، إذ يسمح للمستثمر في البقاء على قيد الحياة بعيدًا عن الانهيارات. إلّا أنّه يجب التشديد على أنّ الاستثمار في الذهب هو استثمار طويل الأمد".

وما يدعم ارتفاع سعر الذهب هو زيادة الطلب العالمي، بحسب موسى، "خصوصًا أنّ الطلب يأتي من مصارف مركزية هي الجهات الشارية على أسعار مرتفعة جدًا. ويتمّ الاستثمار في الذهب في ظلّ ظروف اقتصادية وسياسية خطرة تحيط بالعالم، من اضطرابات البحر الأحمر، إلى الحرب الروسية الأوكرانية، فالحرب الإسرائيلية على غزة، واضطرابات بحر الصين الجنوبي".

أظهرت بيانات رسمية حديثة أنّ البنك المركزي الصيني (بنك الشعب) أضاف 60 ألف أونصة من الذهب إلى احتياطاته في نيسان الماضي، وهذا ما يمدّد فترة الشراء المتتالية إلى 18 شهرًا على الرغم من القفزات الكبيرة في أسعار الذهب.

"والذهب عرضة لتقلبات قليلة، كما يعتبر سهل التسييل، وأمواله دائمًا حاضرة، وهو يشكّل أساسًا متينًا"، يقول موسى، الذي شجع عبر "الصفا نيوز" المواطنين على الاستثمار في الذهب.

أسباب ارتفاع أسعار الذهب عالميًا

الاضطرابات الاقتصادية والسياسية: تلعب الأزمات الاقتصادية العالمية، مثل التضخم وانهيار الأسواق المالية، دورًا كبيرًا في ارتفاع أسعار الذهب. فعند تراجع الثقة بالاقتصاد، يلجأ المستثمرون إلى الذهب كملاذ آمن. كما تؤدي التوترات السياسية والصراعات الجيوسياسية إلى ارتفاع الطلب على الذهب، إذ يلجأ إليه المستثمرون في حالات عدم الاستقرار السياسي.

السياسات النقدية للمصارف المركزية: القرارات التي تتخذها المصارف المركزية، مثل خفض أسعار الفائدة أو تطبيق سياسات التيسير الكمي، تؤثر بشكل مباشر على أسعار الذهب. فعندما تكون الفائدة منخفضة، يقلّ العائد من الأدوات الاستثمارية الأخرى مثل السندات، وهذا ما يجعل الذهب خيارًا أكثر جاذبية.

تقلبات سوق العملات: لقوة الدولار الأميركي تأثير كبير على أسعار الذهب. كثيرًا ما تكون هناك علاقة عكسية بين الدولار وسعر الذهب. فعندما ينخفض الدولار، يرتفع سعر الذهب.

الطلب والعرض: زيادة الطلب على المجوهرات الذهبية في الدول ذات الاقتصادات الناشئة مثل الهند والصين تساهم في رفع أسعار الذهب. والعوامل المؤثرة على العرض مثل تقليص إنتاج المناجم أو ارتفاع تكاليف استخراج الذهب تؤثّر أيضًا على الأسعار. كما يعتبر الذهب تحوطًا ضد التضخم. عندما ترتفع مستويات التضخم، يزداد الإقبال على الذهب كوسيلة للحفاظ على القيمة الشرائية للأموال.

يعود ارتفاع أسعار الذهب إلى مجموعة من العوامل الاقتصادية والسياسية والنقدية.

الذهب إلى 5000 دولار

على مقلب آخر، لفت نقيب الجوهرجية في لبنان، بوغوص كورديان، في حديثه لـ "الصفا نيوز" إلى أنّ "سعر الذهب مرتبط مباشرة بالصراع الحاصل على ساحة الاقتصاد العالمي، وفي السنوات الماضية لاحظنا قوه الصراع الاقتصادي العالمي الذي اشتد بين الصين وأميركا وبقية الدول الأوروبية".

وقال كورديان "أظهرت التجارب التاريخية أنّه عند انهيار أي دولة اقتصاديًا، جراء مشاركتها في حرب أو خسارتها حربًا، تنهار قيمة العملة الوطنية للدولة، فيما يحافظ المعدن الأصفر على قيمته. وفي ظلّ الخضّات الاقتصادية التي يواجهها العالم، اليوم، من المتوقع أن يصل سعر أونصة الذهب إلى 5000 دولار، لذلك من المستحسن أن يستثمر المواطن في الذهب، خصوصًا إذا كان يملك فائضًا من المال، فالذهب هو الوحيد الذي يواكب التضخّم العالمي ويحافظ على القوة الشرائية في كلّ الظروف الاقتصادية الصعبة".

هل يعتبر الذهب استثمارًا آمنًا؟

يُعتبر الذهب تقليديًا ملاذًا آمنًا لعدة أسباب:

* الحفاظ على القيمة: على مرّ العصور، احتفظ الذهب بقيمته بشكل جيد مقارنة بالعملات الورقية التي قد تفقد قيمتها بفعل التضخم أو السياسات الاقتصادية غير المستقرة.

* السيولة: يتميز الذهب بسهولة التحويل إلى نقد في أي وقت، وهذا ما يجعله خيارًا استثماريًا مرنًا يمكن الاعتماد عليه في الأوقات الحرجة.

* تنويع المحفظة الاستثمارية: ُيعتبر الذهب وسيلة فعالة لتنويع المحفظة الاستثمارية وتقليل المخاطر. فكثيرًا ما يكون للذهب علاقة عكسية مع الأصول الأخرى مثل الأسهم والسندات، وهذا ما يساعد على تحقيق توازن في المحفظة.

* الطلب المستمر: يظل الطلب على الذهب مستمرًا في مجالات متعددة مثل الصناعة والمجوهرات، وهذا ما يضمن استقرار قيمته على المدى الطويل.

التحديات والمخاطر

على الرغم من الفوائد المذكورة، يواجه الاستثمار في الذهب بعض التحديات والمخاطر، أبرزها:

- تقلّبات الأسعار: يمكن أن تكون أسعار الذهب متقلّبة على المدى القصير، فيسبب ذلك خسائر للمستثمرين الذين يبحثون عن أرباح سريعة.

- عدم تحقيق دخل: الذهب لا يدرّ دخلًا مثل الأرباح أو الفوائد التي توفّرها الأسهم أو السندات، وهذا ما يجعله أقلّ جاذبية للمستثمرين الذين يسعون إلى تحقيق دخل مستمر.

- التكاليف المرتبطة: هناك تكاليف مرتبطة بتخزين الذهب وتأمينه، وهذا قد يقلّل من العوائد الإجمالية على الاستثمار.

في المحصلة، يعود ارتفاع أسعار الذهب إلى مجموعة من العوامل الاقتصادية والسياسية والنقدية. ورغم التحديات والمخاطر المرتبطة بالاستثمار في الذهب، يُعتبر من الخيارات الآمنة والمستقرة للحفاظ على الثروة وتنويع المحفظة الاستثمارية. لذا، فإنّ الاستثمار في الذهب يمكن أن يكون خيارًا جيدًا للذين يسعون إلى حماية أصولهم في خضم التقلبات الاقتصادية والسياسية.