أثناء زيارة الموفد الرئاسي الأميركي آموس هوكستين إلى بيروت، بثّ حزب الله عبر الأثير فيديو "هدهده المسيّر" مظهراً فيه "بنك الأهداف الكبرى" الذي عاد به هذا الهدهد بعد جولات استطلاعية عدّة له في سماء حيفا وما قبلها وما بعدها، واعداً بفيديو آخر سيكون فيه من الأهداف "ما لم تره عين أو تسمعه أذن".

سريعاً تلقّف هوكستين الرسالة، بل الرسائل، التي أراد الحزب توجيهها إلى واشنطن وتل أبيب عبر أجنحة "الهدهد المسيّر" أو "الفيديو المهدهد"، والبعض وصفه بـ"الفيديو المُهَدِّد"، وهي استعداده لخوض الحرب التي تهدّده تل ابيب بها. وتقول مصادر مطلعة إن هذه الرسائل هي إلى الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل في آن واحد أراد الحزب أن يقول من خلالها إنّ ما تضمّنه الفيديو عيّنة من بنك الأهداف الضخم الموثّق والمثبت لديه من الجليل إلى النقب وإيلات، من الأهداف الحيوية والإستراتيجية المدنية والعسكرية والاقتصادية والأمنية. وقيل أنّ هذا الفيديو دفع هوكستين إلى عدم الإتيان على ذكر القرار 1701 وانسحاب المقاومة من المنطقة الحدودية إلى شمال الليطاني لتمكين إسرائيل من إعادة النازحين إلى المستوطنات الشمالية.

على أنّ الوضع على الجبهة الجنوبية باقٍ طويلاً على ما هو، لأنّ الولايات المتحدة والدول الغربية تعتبران أن ما يجري هناك "نزاع بين إسرائيل وحزب الله وليس بينها وبين الدولة اللبنانية التي تبدو كأنّها ممثل للحزب في المفاوضات التي تجري معه لوقف الحرب". وتسأل المصادر: "ماذا سيحصل بين حزب الله وإسرائيل إذا توقّف إطلاق النار في غزة؟ وهل يوقف الحزب إطلاق النار في الجنوب؟"

وبحسب المصادر، فإنّ حزب الله إذا أوقف النار في الجنوب في حال نجاح مبادرة الرئيس الأميركي جو بايدن في غزة، فسيحرج نتنياهو، لأنّه سيكون صعباً على حكومته البقاء والاستمرار في السلطة في الوقت الذي ترتفع الأصوات في إسرائيل مطالبة بإجراء انتخابات مبكرة للكنيست الإسرائيلي، ومنها ما جاء في صحيفة "جيروزاليم بوست" المحافظة. ولذلك يتخوّف هؤلاء من لجوء نتنياهو إلى التصعيد وتوسعة نطاق الحرب في اتجاه لبنان للهروب من هذا الاستحقاق الانتخابي. إلّا أنّه قد لا ينجح في ذلك لأنّ إدارة بايدن، حسب ما تعلن، لا تؤيّد هذه الحرب، ليس ضنّاً بحزب الله، وإنّما لأنّها يمكن أن تتسبّب بحرب شاملة في المنطقة، وتلحق ضرراً كبيراً بالمصالح الأميركية عموماً، وبالمصلحة الانتخابية لبايدن خصوصاً في مواجهة منافسه ترامب، مع اقتراب موعد الانتخابات المقررة في 5 تشرين الثاني المقبل. علماً أنّ بعض السياسيين المتابعين للحركة الديبلوماسية الجارية يرون "أنّ هذه الحرب مستبعدة لأسباب سياسية، وليس لأسباب عسكرية، لأنّ الوضع الداخلي في إسرائيل لا يتحمّل تبعاتها في ظلّ ما آلت إليه نتيجة غزة ولم تنته حتّى الآن كما يشتهي نتنياهو من قضاء على حركة "حماس" وقتل سكان القطاع وتهجير من ينجو منهم إلى سيناء وغيرها.

تخوّف  من لجوء نتنياهو إلى التصعيد وتوسعة نطاق الحرب في اتجاه لبنان للهروب من الاستحقاق الانتخابي.

"بلد حوثي وفقر مدقع"

يقول المطّلعون على الموقف الأميركي إنّه "عندما تضع الحرب أوزارها سيظهر أنّ حزب الله قد خسر على المستوى المسيحي وربح في الشارع السنّي، ولكنّ الشارع السني في المقابل حارب بالشيعة على جبهة الجنوب لدعم الفلسطينيين، فيما إيران حاربت بالسنّة داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة ضد إسرائيل". كذلك سيظهر بنتيجة الحرب، حسب هؤلاء المطّلعين أيضاً، "أنّ حزب الله هو صاحب القرار في لبنان، وبالتالي لن يكون هناك عطف خارجي على الدولة اللبنانية في الوقت الذي بدأ دعم الأمم المتحدة والولايات المتحدة الأميركية للنازحين السوريين في التراجع، وينتظر أن تتزايد ضغوط التطرّف الصاعد في أوروبا على دول الاتحاد الأوروبي لعدم دفع أموال إلى هؤلاء النازحين تحت عنوان أنّ لبنان "بات بلداً حوثياً (أي كاليمن) يملك الصواريخ لكنّه يعيش في فقر مدقع".

"إسرائيل من النهر إلى البحر"

وقد أظهر هوكستين خلال زيارته الأخيرة أنّ توسّع الحرب من عدمه ليس متوقّفاً على حصول اتفاق بين لبنان وإسرائيل، بل على ما يحصل في قطاع غزة. ويبدو أنّ ما يريده الإسرائيليون هو احتلال القطاع برمّته، ونسف مشروع الدولة الفلسطينية نهائياً من أساسه تمهيداً لإقامة "دولة إسرائيل من البحر إلى النهر" على أرض فلسطين التاريخية، التي يعلم القاصي والداني أنّها تمتدّ من نهر الأردن شرقاً إلى البحر المتوسط غرباً، والتي تختصر بعبارة "فلسطين من النهر إلى البحر". وآخر الدلائل إلى مخطّط إسرائيل لإقامة الدولة اليهودية الخالصة على أرض فلسطين التاريخية، ما قاله قبل أيام وزير المال الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش عن خطّة تهدف إلى منع الضفة الغربية المحتلّة من أن تصبح جزءاً من دولة فلسطينية مستقلّة، وقال "إنّ السبيل لمنع قيام دولة فلسطينية من شأنها أن تعرّض دولة إسرائيل للخطر هو تطوير المستوطنات اليهودية".

تقديرات محور المقاومة

على أنّ تقديرات القريبين من "محور المقاومة" تشير إلى "أنّ الحرب ستستمر في غزة والجنوب لأنّها كلّما طالت واستمرّت أدّت إلى تآكل إسرائيل من الداخل، لكنّ ذلك لن يمنعها والدول الداعمة لها من التصعيد ضد حركة أنصار الله في اليمن التي قلبت بمشاركتها في الحرب كثيراً من الموازين، وكذلك ضدّ حزب الله في جنوب لبنان الذي منعها ولا يزال من تحقيق انتصار ساحق على حماس وأخواتها في قطاع غزة. كذلك ستحاول إسرائيل وداعموها، إذا أمكن، الاستفادة من اجتماع المنامة العسكري الأخير برعاية القيادة العسكرية الوسطى الأميركية لإنشاء "شبكة دفاعية" لصدّ أيّ هجوم عليها على غرار الهجوم الذي شنّته عليها إيران في نيسان الماضي، وذلك إذا قرّرت شن حرب واسعة النطاق على لبنان.

ولكن اللافت في هذا السياق كان ما قاله نائب رئيس أركان الجيش الإسرائيلي السابق اللواء دان هارئيل، وحرفيته "أننا سنخسر إستراتيجياً في غزة لأنّ "حماس" لن تختفي، واقترح التعاطي مع تهديدات (الامين العام لحزب الله السيد حسن) نصرالله بجدية، فكلّ ما يقوله في نهاية المطاف جزء كبير منه ينفّذ". في حين أنّ وزير الأمن القومي ايتمار بن غفير قال: "إذا لم تستمر الحرب في الجنوب والشمال فلن استمر في حكومة ترفع الراية البيضاء، وأصرّ على أن أكون شريكاً في إدارة االحرب".

كلام بن غفير هذا معطوفاً على كلام سموتريتش الذي يرفض أن تكون الضفّة جزءاً من دولة فلسطينية يصب في هدف نتنياهو، وهو تصفية القضية الفلسطينية وإنهاء قيام الدولة الفلسطينية سواء كان في إطار "حلّ الدولتين أو غيره تمهيداً لإقامة الدولة اليهودية الخالصة من النهر إلى البحر".