كلّنا يعلم أن القضاء يجب أن يكون محايداً برغم أنّ السياسة هي بطبيعتها منحازة.  

تُعدّ العلاقة بين السياسة والقضاء من أبرز القضايا التي تشغل الباحثين والمختصّين في الشؤون القانونية والسياسية، إذ تتّسِم بتعقيدات كبيرة وتشعبات كثيرة، ويتفاعل كلا المجالين في كثير من الأحيان بشكل يثير التساؤلات حول حياديّة القضاء ونزاهة الأحكام القضائية وتأثير السياسة والسياسيين على ذلك.  

طبيعة العلاقة بين السياسة والقضاء 

السياسة والقضاء يشكّلان ركيزتين أساسيتين في هيكلية أيّ نظام ديمقراطي. فالسياسة تتمحور عندما تتصل بالسلطة تحديداً حول صناعة القرارات وتحديد السياسات العامّة التي تؤثّر على جميع جوانب الحياة المؤسساتية والمجتمعية، أمّا القضاء، فيهدف إلى تطبيق القوانين وحماية الحقوق والحريات في المجالات كافة. 

ومن أجل تحقيق العدالة وتطبيق القانون وضمان استقرار النظام السياسي، يجب أن تكون العلاقة بين المنظومتين السياسية والقضائية متوازنة، بحيث يتمكّن كل منهما من أداء دوره من دون تدخل الطرف الآخر. 

التداخل بين السياسة والقضاء 

في لبنان، يمكن أن يظهر التداخل بين السياسة والقضاء في عدّة أشكال: 

1- التشكيلات القضائية: في كثير من الأنظمة السياسية، ولبنان ضمنها، يلعب السياسيون دوراً حاسماً في التشكيلات القضائية، وهذا ما يفتح المجال أمام تشكيلات مبنية على الولاءات السياسية بدلاً من الكفاءة والنزاهة. 

2- القوانين والتشريعات: عادةً، يسنّ بعض السياسيين القوانين التي يستند القضاء إليها. وذلك من خلال الوزراء أو النواب، ففي بعض الحالات، يمكن أن تكون هذه القوانين والتشريعات موجّهة إلى خدمة مصالح سياسية وحزبية معينة، وهذا ما يضع القضاء في موقف حرج أثناء تطبيق هذه القوانين. 

3- القضايا ذات البعد السياسي: قد تتداخل المنظومتان السياسية والقضائية بشكل كبير في القضايا الحساسة التي تحمل أبعاداً سياسية، كقضايا الفساد أو الجرائم الكبرى التي يكون فيها للأطراف المتورطة نفوذ سياسي. في هذه الحالات، يمكن أن تتعرض القرارات القضائية لضغوط سياسية تؤثر على نزاهة الأحكام. 

التحديات التي تواجه استقلالية المنظومة القضائية 

تُعدّ استقلالية المنظومة القضائية مبدأً أساسياً لضمان نزاهة النظام القضائي. عدالته، ومع ذلك، هناك العديد من التحديات التي تعترض هذه الاستقلالية، أهمها: 

1- السطوة السياسية: قد يتعرض القضاة لضغوط مباشرة أو غير مباشرة من بعض السياسيين لتغيير أحكامهم أو تخفيفها أو تحريفها، وهذا قد يؤثّر سلباً على نزاهة المنظومة القضائية واستقلاليتها. 

2- التأثير الإعلامي: يمكن الإعلام أن يلعب دوراً كبيراً في تشكيل الرأي العام، وبالتالي، ممارسة الضغوط على القضاء. في القضايا المثيرة للجدل، قد يتعرّض القضاة لضغوط من الجمهور ومن الإعلام لاتخاذ قرارات معينة. 

3- نقص التمويل: قد يؤدي نقص الموارد المالية والإدارية الخاصة بالمنظومة القضائية، كالرواتب وغيرها، من الأمور اللوجستية إلى ضعف استقلالية النظام القضائي، وهذا ما يجعله أكثر عرضة للتأثيرات الخارجية. 

سبل تعزيز استقلالية المنظومة القضائية 


لضمان استقلالية القضاء وحمايته من التأثيرات السياسية، يمكن اتّباع عدّة إستراتيجيات، منها: 

1- تعيين لجان مستقلّة من أجل إجراء دراسة تتعلّق بالتشكيلات القضائية، وهذا ما يساعد في تقليل التأثيرات السياسية وضمان تعيين قضاة مؤهلين ونزهاء. 

2- التدريب والتطوير المهني من أجل تعزيز قدرات القضاة من خلال برامج تدريبية تساعدهم على تعزيز مهنيتهم  تطويرها لمقاومة الضغوط السياسية والتأثيرات الخارجية. 

3- مواصلة التمويل من أجل توفير الموارد المالية والإدارية واللوجستية اللازمة للمنظومة القضائية بهدف تعزيز استقلاليتها وقدراتها على أداء مهماتها بشكل فعّال. 

4- التشريع الدّاعم من أجل سنّ قوانين تضمن استقلال المنظومة القضائية وتحميه من التدخّلات السياسية، يمكن أن يكون خطوة مهمة نحو تعزيز نزاهة القضاء. 

ختاماً، يمكن الجزم بأنّ ضمان تحقيق العدالة في المجتمعات يتطلّب توازنات دقيقة بين المنظومتين السياسية والقضائية، ومن الضروري أن تسعى الدول إلى تعزيز استقلالية القضاء وحمايته من التدخلات السياسية لضمان نزاهة الأحكام والقرارات القضائية. 

إنّ تحقيق هذا التوازن هو من الركائز الأساسية لبناء نظام عادل وديمقراطي، لأنّه يسهم بشكل فعّال في بناء الثقة بين المواطن والدولة ومؤسساتها. 

فالأمن القانوني للقاضي هو، من دون أدنى شك، منطلق للأمن القضائي للمواطن.