يُعدّ الشراء العام الأخضر نهجًا إستراتيجيًا لعمليات الشراء الحكومية، يهدف إلى اختيار السلع والخدمات والمشاريع التي تُلبّي حاجات الجهات الحكومية مع مراعاة المعايير البيئية، وذلك بهدف تقليل التأثير البيئي السلبي لعمليات الشراء هذه.


أهمّية الشراء العام الأخضر في لبنان: 
للشراء العام الأخضر أهمّية اقتصادية وبيئية وصحّية كبيرة، أهم علاماتها: 
• حماية البيئة: يُساهم الشراء العام الأخضر في خفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، وتوفير الموارد الطبيعية، والحدّ من تلوث الهواء والماء، وحماية التنوع البيولوجي. 
• تعزيز الاقتصاد: يُحفّز الشراء العام الأخضر على الابتكار في مجال المنتجات والخدمات الصديقة للبيئة، مستولدةً فرص عمل جديدة ومعززةً النمو الاقتصادي. 
• تحسين الصحّة العامّة: يُساهم الشراء العام الأخضر في تحسين نوعية الهواء والماء، فيُقلّل من الأمراض المرتبطة بالتلوث. 
الوضع الحالي للشراء العام الأخضر في لبنان: 
- إطار قانوني: صدر قانون الشراء العام في لبنان عام 2021، ونصّ على مراعاة المعايير البيئية في عمليات الشراء العام. وذكرت بعض مواد هذا القانون، التوجه نحو السلع والخدمات المستدامة، لتقليص الأثر البيئي لعميات لشراء، فضلاً عن إدراج الخصائص البيئية للسلع، والرجوع إلى علامة بيئية معترف بها، والأخذ في الاعتبار معايير أخرى، بالإضافة إلى السعر الأدنى في المناقصات. 
- مبادرات حكومية: تُنفذ الحكومة اللبنانية بعض المبادرات لدعم الشراء العام الأخضر، مثل مشروع "شراء أخضر" بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة للبيئة. 
وتواجه المشاريع الخضراء في لبنان عدّة تحدّيات أهمّها: 
- قلّة الوعي: يُعاني لبنان من قلّة الوعي بأهمّية الشراء العام الأخضر بين الجهات الحكومية والمورّدين. 
- نقص القدرات: تفتقر بعض الجهات الحكومية إلى القدرات اللازمة لتطبيق معايير الشراء العام الأخضر. 
- ارتفاع التكاليف: قد تكون بعض المنتجات والخدمات الصديقة للبيئة أكثر تكلفة من البدائل التقليدية. 


أهمّية الموازنة الخضراء 
على خط موازٍ، قال لـ"الصفا نيوز" د. حسن دهيني، مستشار وزير البيئة، وأستاذ مشارك في الجامعة الأميركية في بيروت "بالإضافة إلى الأزمات المركّبة التي يواجهها البلد، من أزمات سياسية، واقتصاديه، وحرب، وأزمة النازحين، نواجه تحديين آخرين مهمّين، هما تحدّي التدهور البيئي وتحدّي تدهور المناخ، لذلك أيّ خطّة تعافٍ مالية واقتصادية يجب أن تحاكي جميع هذه التحديات، وتأخذ في الاعتبار كيفية مكافحة التدهور البيئي، وتغيّر المناخ، وهو ما يتطلّب الانتقال إلى الاقتصاد الأخضر، الذي يتمّ الانتقال إليه في القطاع العام، عبر الموازنة الخضراء، والشراء العام الأخضر". 
خطوات يجب اعتمادها لتطبيق الموازنة الخضراء 
وعن طريقة تطبيق الموازنة الخضراء في لبنان أجاب دهيني: "أولاً يجب أن يكون هناك مأسسة لهذه العملية، التي تتمّ عبر قانون إطار لتغيير المناخ، وهو ما يسمح بربط الأهداف المحلية الوطنية بالتوجهات الدولية في مسألة تغيير المناخ، ويساعد على الوصول إلى تمويل من الصناديق المناخية، ويصبح إطاراً قانونياً لأيّ عمل مناخي في لبنان، كما يتكامل مع القانون 444/2002، المتخصص بحماية البيئة". 
ثانياً، يتابع دهيني "نحن بحاجة إلى هيئة تتولّى مهمّة مراجعة الموازنة، وجعلها خضراء أكثر، ونحن اقترحنا إعادة تفعيل المجلس الوطني للبيئة، بحيث يصبح هيئة استشارية لشؤون البيئة والمناخ، فيتوسع دوره، ويعطى صلاحية مراجعة الموازنة قبل أن ترسلها الحكومة إلى مجلس النواب، ويعاد النظر في تركيبته، بحيث يتضمن خبراء بالاقتصاد الدائم والتنمية المستدامة، وتغيير المناخ، والشراء العام الأخضر، بدل أن يتضمّن ممثّلين عن الوزراء والنقابات. وتطبيق ذلك يحتاج إلى تعديلات في القوانين، (القانون 444، مرسوم 8157 الذي ينظم عمل المجلس)". 
أمّا الخطوة الثالثة لتطبيق الموازنة الخضراء، فيقول دهيني "إنها ترتكز على اعتماد أدوات مالية جديدة في الموازنة، تحوّلها من ورقة تجمع الواردات والنفقات إلى أداة إصلاحية حقيقية تشمل تحديث آلية إقرار الموازنة، وآلية للتثبّت من أنّ الموازنة خضراء، عبر العودة إلى معايير منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، التي ارتكز قانون الشراء العام على توصياتها". 


تحديات تعرقل عمليّة الانتقال إلى الاقتصاد الأخضر 
وعن التحديات التي تواجه لبنان، وتَحُدّ من عمليّة انتقاله إلى الشراء العام الأخضر، والموازنة الخضراء، اعتبر دهيني أنّ "هناك الكثير من التحديات، أوّلها التدهور والترهّل في القطاع العام نتيجة الانهيار المالي والاقتصادي وغياب التمويل. والتحدي الثاني مقاومة الإصلاح من قبل النظام السياسي، وهو عائق لأيّ تغيير حقيقي، أمّا التحدي الثالث فيكمن في عدم وجود أي أطر قانونية، والتحدي الرابع غياب التعاون بين مؤسسات الدولة نتيجة التشتت بالحوكمة. فوزارة البيئة لها دور قيادي في هذا الملف، لكن عليها التعاون مع وزارة الطاقة والنقل، ومع مجلس النواب من أجل التعديلات في القوانين، ومع هيئة الشراء العام. إلخ". 


ماذا حققت وزارة البيئة حتى الآن؟ 
يشير مستشار وزير البيئة إلى أنّ "الوزارة بذلت الكثير من الجهود في إطار الانتقال إلى الاقتصاد الأخضر، منها: 
1- وضع وزارة البيئة إعفاءات جمركية على المركبات الكهربائية، والهجينة، وصلت إلى 100 في المئة، فضلاً عن تخفيضات على الرسوم الميكانيكية وصلت إلى حدود الـ 80 في المئة، في موازنتي 2022، و2024، ومن شأن هذه الطروحات دفع قطاع النقل (الذي يعتبر من الملوّثات الرئيسية للبيئة) باتجاه الانتقال إلى الطاقة النظيفة.  
2- وضعت وزارة البيئة خارطة طريق لتحصيل مستحقّات المقالع للخزينة، بناء على مسح قامت به مديرية الشؤون الجغرافية في قيادة الجيش اللبناني، ووضعت دراسة مع برنامج الأمم المتحدة للتنمية، لتحديد المستحقّات عن كلّ موقع، وقدّرت بـ3،7 مليار دولار. وتعمل وزارة البيئة على قاعدة البيانات لتصبح سهلة الاستعمال بغية إصدار أوامر التحصيل، وايداعها في حساب خاص، يستعمل لإزالة الضرر البيئي، وإعادة تأهيل هذه الموقع. 
3- تعمل الوزارة على تنظيم قطاع صناعة الإسمنت (الصناعة الثقيلة الوحيدة في لبنان) والذي يستهلك مساحات شاسعة من المقالع كمواد أولية، كما أنّ مصانعه مسؤولة عن 10 في المئة من انبعاثات الغازات الدفيئة، لذلك تعمل الوزارة على تخفيض البصمة الكربونية الناتجة عن هذا القطاع. 
4- كما أرسلت وزارة البيئة مشروع تعديل القانون 80 الخاص بإدارة النفايات الصلبة، بشكل يسمح للبلديات بجبي الرسوم لجمع النفايات ومعالجتها واسترداد الكلفة، وهذا ما ينقذ القطاع ويعزّز مبدأ تطبيق اللامركزية الإدارية، كما يطبّق قاعدة "الملوّث يدفع". 
5- أطلقت وزارة البيئة صندوق الاستثمار الأخضر للبنان، الذي سيسمح باستثمارات خضراء بالشراكة مع القطاع الخاص، تعزز البيئة والصحة".  

فرص لتعزيز الشراء العام الأخضر 
على مقلب آخر، هناك فرص حقيقية لتعزيز الشراء العام الأخضر في لبنان، منها: 
- تطوير القدرات: تقديم برامج تدريبية للجهات الحكومية والمورّدين على معايير الشراء العام الأخضر. 
التشجيع: تقديم حوافز مالية للجهات الحكومية والمورّدين بقصد تطبيق معايير الشراء العام الأخضر. 
المشاركة: إشراك منظمات المجتمع المدني والقطاع الخاص في جهود تنفيذ الشراء العام الأخضر. 
ختامًا، يُعدّ الشراء العام الأخضر أداة مهمة لحماية البيئة وتعزيز الاستدامة في لبنان، وفرصة حقيقية تسمح بجذب الاستثمارات الخضراء، ومواكبة موجة التحوّل التي يشهدها العالم، بالانتقال نحو الاقتصاد الأخضر.