في السنوات الأخيرة، شهد العالم ارتفاعاً ملحوظاً في أسعار السّلع الغذائية. هذا الارتفاع لم يكن مقتصراً على بلد أو منطقة معينة، بل انتشر في مختلف أرجاء العالم، فأثار قلقاً واسع النطاق بشأن الأمن الغذائي والاستقرار الاقتصادي. 

وذكرت منظمة "الفاو" في تقرير شهري صدر في 7 حزيران الجاري، أنّ المؤشر العالمي لأسعار الغذاء ارتفع بنسبة 0.9 في المئة على أساس شهري إلى 120.4 نقطة في أيار، لكنّه يعدّ منخفضاً بنسبة 3.4 في المئة مقارنة بالشهر نفسه من العام السابق، وبنسبة 24.9% من المستوى القياسي المسجل في آذار 2022. 

 ويمكن تقسيم أسباب هذا الارتفاع إلى عدّة عوامل، أبرزها: 

  1. التغيّرات المناخية: تلعب التغيرات المناخية دوراً كبيراً في التأثير على الإنتاج الزراعي. الجفاف، والفيضانات، والعواصف، جميعها تؤدي إلى تدمير المحاصيل الزراعية وتقليل الإنتاج، وهذا ما يؤدي إلى نقص في العرض وارتفاع في الأسعار. 
  2. ارتفاع تكاليف الإنتاج: تكاليف الإنتاج الزراعي، بما في ذلك الأسمدة، والوقود، والعمالة، شهدت ارتفاعاً ملحوظاً انعكس مباشرة على أسعار السلع الغذائية. 
  3. اضطرابات سلسلة التوريد: جائحة كوفيد-19 وأحداث أخرى مثل النزاعات السياسية (الحرب الروسية الأوكرانية، الحرب الإسرائيلية على غزة، والتوترات التجارية (توترات البحر الأحمر) أدت إلى اضطرابات في سلاسل التوريد العالمية. تأخير الشحن وزيادة تكاليف النقل ساهما في زيادة الأسعار. 
  4. التضخم وانخفاض قيمة العملات: في العديد من الدول، أدّى التضخم إلى تقليل القوة الشرائية للعملة، وهذا ما جعل السلع المستوردة أغلى ثمناً. كما أنّ انخفاض قيمة بعض العملات مقارنة بالدولار الأميركي، العملة المستخدمة في التسعير العالمي، ساهم في ارتفاع الأسعار. 
  5. السياسات التجارية والقيود: فرض بعض الدول قيوداً على تصدير المواد الغذائية لحماية إمداداتها المحلية، فأدى ذلك إلى تقليل الكميات المتاحة في الأسواق العالمية وارتفاع الأسعار. 

    كيف ينعكس ارتفاع المؤشّر العالمي لأسعار الغذاء، على السلع الغذائية في لبنان؟ 

    في هذا الإطار، يشرح الخبير الاقتصادي د. خلدون عبد الصمد لـ "الصفا نيوز" أنّ "من أبرز المؤشرات الأساسيّة التي تلقي بظلالها على الأزمات الاقتصادية العالمية، هو التضخّم، الذي ينعكس بطبيعة الحال على أسعار السلع الغذائية، فعندما ترتفع الأسعار وتنخفض بوتيرة غير منتظمة، يكون ذلك بسبب تأثيرات التضخم أو أزمة ما (أزمة مالية، أو اقتصادية، أو نقدية)". 

    و"لا شكّ في أنّ ارتفاع مؤشر الأسعار العالمي سينعكس على أسعار السلع في لبنان، وهذه بدورها سترتفع مدفوعة بالتضخم العالمي والوضع الأمني. كما هناك عوامل أخرى قد تدخل على خطّ ارتفاع أسعار السلع الغذائية في لبنان، وعلى رأسها يأتي احتكار التجار للسلع"، يقول عبد الصمد. 

    ويلفت عبد الصمد إلى "أنّ السلع الغذائية التي ذكرها تقرير "الفاو" هي سلع أساسيّة، وبالتالي، ارتفاع سعرها أمر خطير جداً. فالحبوب على سبيل المثال تدخل في جميع الصناعات الغذائية، وبالتالي أيّ ارتفاع في سعرها سيحدث فرقاً كبيراً على أكثر الأسر فقراً وحتى على الطبقة الوسطى. علماً أن الدول المتقدّمة عندما تريد أن تجري إصلاحات اقتصادية، فإنّ أوّل إصلاح اقتصادي تلجأ إليه هو خفض أسعار الحبوب ومن ضمنها القمح، لتصبح بمتناول الجميع". 

    السلع الرخيصة هي الأكثر تأثراً 

    ولفت هاني بحصلي، رئيس نقابة مستوردي المواد الغذائية، في حديثه لـ"الصفا نيوز" إلى أنّ "ما نشعر به في الأشهر الثلاثة الأخيرة من غلاء فاحش، يشمل جميع المستويات ومختلف القطاعات، وهو ليس محصوراً بقطاع المواد الغذائيّة فحسب، بل يشمل أيضاً المهن الحرّة وقطاع الخدمات. ويقع على عاتق المستهلك والمنتج والتاجر على السواء". 

    ومن المؤكد أنّ أسعار السلع الغذائية تتأثّر بمؤشّر الأسعار العالمي، إلاّ أنّ ذلك يكون على صعيد الاقتصاد الماكرو، أمّا إذا أردنا الدخول إلى تفاصيل الاقتصاد اللبناني، فسنجد عوامل أخرى غير التضخم تؤثّر على أسعار السلع، وهي الضرائب من Tva وجمرك. فعلى الرغم من إقرارها منذ أكثر من سنة، ظهر تأثيرها الفعلي اليوم. قد يكون ذلك لعدة أسباب، لعلّ أبرزها أنّ البضاعة التي كانت في السوق اشتراها التجار على السعر القديم، (رساميل قديمة) لذلك لم تُرفع الأسعار فوراً". 

    ويتابع بحصلي "اليوم، نعيش في دورة تضخم كبيرة، والاقتصاد مريض. ونشهد غلاء أسعار ناتجاً من غلاء الشحن بين 2 و15 في المئة. وكلّما كان سعر السلعة رخيصاً (نصف دولار إلى دولار ونصف) ارتفعت كلفة شحنها أكثر. لأنّ الأصناف الرخيصة (التي يراوح سعر الطن الواحد منها بين 500$ و1500$) تتأثّر أكثر من الأسعار المرتفعة". 

    وطمأن بحصلي إلى أن "لا عوامل جديدة سوف تتسبب بالمزيد من رفع الأسعار، أكثر مما هي عليه الآن". 

    تأثيرات رفع أسعار السلع 
  1. الأسر والمجتمعات: ارتفاع أسعار السلع الغذائية يؤثّر بشكل مباشر على الأسر، وخاصة الأسر ذات الدخل المحدود. قد تجد الأسر نفسها مضطرّة إلى تقليل استهلاكها أو البحث عن بدائل أقلّ تكلفة، وهذا ما يؤثر على جودة التغذية. 
  2. الاقتصادات الوطنية: يؤثّر ارتفاع أسعار السلع الغذائية على معدّلات التضخّم، فيؤدي ذلك إلى تقليل القدرة الشرائية لدى المواطنين وزيادة تكاليف المعيشة. كما يمكن أن يؤدي إلى اضطرابات اجتماعية واقتصادية إذا لم تتم معالجة الأمر بفعالية. 
  3. الأمن الغذائي العالمي :تزداد المخاوف بشأن الأمن الغذائي العالمي، لأنّ الفئات الضعيفة والمناطق التي تعتمد على الواردات الغذائية أكثر عرضة للمعاناة بسبب ارتفاع الأسعار. 

    الحلول الممكنة 
  1. الاستثمار في التكنولوجيا الزراعية :يمكن أن تساعد التكنولوجيا في تحسين الإنتاجية الزراعية ومواجهة التحدّيات المناخية. استخدام تقنيات الزراعة الذكية والري الفعال يزيد الإنتاج ويقلّل التكاليف. 
  2. تعزيز سلاسل التوريد: يجب تحسين كفاءة سلاسل التوريد من خلال تبنّي تقنيات حديثة وإزالة العوائق اللوجستية. كذلك يجب تحسين البنية التحتية للنقل والشحن لأنّ ذلك يقلل من التكاليف والتأخير. 
  3. التعاون الدولي: تعزيز التعاون بين الدول لتبادل المعرفة والتكنولوجيا والمساعدة في الأزمات الغذائية يمكن أن يساعد في تحقيق استقرار أكبر في الأسواق الغذائية. 
  4. سياسات حكومية مستدامة: يجب أن تتبنى الحكومات سياسات زراعية وتجارية مستدامة تهدف إلى دعم المزارعين وتحقيق التوازن بين العرض والطلب في الأسواق. 

    ختاماً، يُعَدّ ارتفاع أسعار السلع الغذائية تحدّياً كبيراً يواجه العالم اليوم، ويتطلّب تضافر الجهود العالمية والمحلية لمواجهته. من خلال تبنّي إستراتيجيات مستدامة وتحسين التعاون الدولي، يمكن التخفيف من حدّة هذه الأزمة وضمان الأمن الغذائي للأجيال المقبلة.