ما كان منتظراً قد حصل أخيراً، فلقد قدّم غادي آيزنكوت استقالته من حكومة الحرب الإسرائيلية بعد ساعات من تقديم بيني غانتس استقالته، ما وجّه ضربة قاسية إلى رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو. وقد أعلن آيزنكوت في رسالة استقالته لنتنياهو، إنّ السبب الذي جعله ينسحب من الحكومة المصغّرة هو تغليب رئيس الحكومة "الاعتبارات الشخصية والسياسية في اتّخاذ القرار داخل الحكومة"، مشيراً إلى أنّ الحكومة التي يترأسّها نتنياهو لم تتخذ قرارات حاسمة مطلوبة لتحقيق أهداف الحرب، معتبراً أنّ هذا الأمر أضرّ بالوضع الإستراتيجي "والأمن القومي لإسرائيل"، مؤكّداً أنّ القرارات المتخذة أخيراً ليست بالضرورة بدافع مصلحة البلاد. 

استقالات بالجملة  

استقالة آيزنكوت أتت بعد ساعات من استقالة بيني غانتس، ووزير آخر من حزبه هو هيلي تروبر، وقد اعتبرها قراراً "معقّداً ومؤلماً". وفي مؤتمر صحافي، قال غانتس إنّ "المشاركة في مجلس الحرب كانت للمصير المشترك وليست شراكة سياسية"، مضيفاً أنّه "يترك حكومة الطوارئ اليوم بقلب مثقل". ودعا رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو إلى حلّ الحكومة والكنيست والدعوة إلى إجراء انتخابات بأسرع وقت ممكن وتشكيل لجنة تحقيق وطنية، مشدّداً على "ضرورة إجراء انتخابات تأتي بحكومة وحدة حقيقية صهيونية وطنية". واتّهم غانتس "نتنياهو بعرقلة قرارات إستراتيجية مهمّة لاعتبارات سياسية"، مؤكّداً "أنّ الاعتبارات السياسية لحكومة نتنياهو تعرقل القرارات الإستراتيجية في حرب غزّة،" معتبراً "أنّ نتنياهو يحول دون تحقيق نصر حقيقي"، وشدّد على ضرورة "الاستمرار في دعم الجيش الإسرائيلي حتّى النصر وتحقيق جميع أهداف الحرب، وفي مقدّمتها إطلاق سراح جميع الرهائن والقضاء على حماس".

طلب مبلغ 300 ألف دولار وإخراجه مع عائلته من غزّة في مقابل الإدلاء بمعلومات حول وجود الأسرى الأربعة

وقد ردّ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بمهاجمة غانتس معتبراً أنّه تخلى عن مسؤوليّاته في الوقت الذي "تواجه فيه إسرائيل حرباً وجودية على عدة جبهات". وقال نتنياهو إنّ هذا "ليس وقت الاستقالة من الحكومة،" داعياً إلى توحيد القوى "لتمكين إسرائيل من مواصلة الحرب حتّى تحقيق النصر والقضاء على حماس واستعادة الأسرى". وأشار إلى أنّ بابه سيبقى "مفتوحاً أمام أيّ حزب صهيوني مستعدّ للمساعدة في تحقيق النصر على أعداء إسرائيل وضمان أمن الإسرائيليين".

مجزرة النصيرات  

استقالة الوزراء الثلاثة عكّرت على نتنياهو احتفالاته بما اعتبره نصراً في مخيّم النصيرات بعد التمكّن من تحرير أربعة أسرى إسرائيليين. ورأى مراقبون أنّ الاستقالة جاءت دليلاً على أنّ العملية في النصيرات كانت فاشلة. ففي مقابل إطلاق الأسرى الأربعة تعرّض الجيش الإسرائيلي لخسائر كبيرة تكتّمت عليها الرقابة العسكرية الإسرائيلية، إلّا أنّ أرقاماً مسرّبة أفادت بمقتل نحو 15 جندياً، من بينهم قائد القوة المهاجمة، إضافة الى جرح عشرات آخرين، وهذا ما حدا قائد قوة غزّة في الجيش الإسرائيلي على الاستقالة. وكان قائد فرقة غزة العميد آفي روزنفيلد أعلن استقالته من منصبه، موضحاً أنّها بسبب فشله في "مهمة حماية منطقة غلاف غزة".  
كذلك، فإنّ العملية تسبّبت بمجزرة في مخيم النصيرات أدّت إلى استشهاد 274 فلسطينياً، من بينهم 64 طفلاً و57 امرأة، وهذا ما زاد من حملة الاستنكار والتنديد التي تتعرض لها إسرائيل على الساحة الدولية.  

وفي تفاصيل العملية، فإنّ فلسطينياً في المخيم تواصل مع أجهزة الاستخبارات الأميركية، طالباً مبلغ 300 ألف دولار وإخراجه مع عائلته من غزّة في مقابل الإدلاء بمعلومات حول وجود الأسرى الأربعة الذين تمّ تحريرهم. وأفادت معلومات بأنّ الاستخبارات الأميركية زوّدت الإسرائيليين بهذه المعلومات ونسّقت العملية معهم، حتّى أنّها أرسلت قوة من بلاكووتر للمشاركة فيها. ووفقاً للمكتب الإعلامي لحكومة حماس في غزة، فقد استخدم جيش الاحتلال سيارتين مدنيتين في نقل القوة الخاصة التي تنكّرت بزيّ نازحين واقتحمت المخيّم على وقع تغطية من قصف جوي شاركت فيه عشرات الطائرات والمسيرات الإسرائيلية التي استهدفت المباني المأهولة للتغطية على عملية التسلل، فأدّى ذلك إلى تدمير 89 مبنى مأهولاً بالسكان وسقوط مئات الشهداء والجرحى الفلسطينيين. وفي الحصيلة الأخيرة، تمّ توثيق استشهاد 274 فلسطينياً وجرح 698 آخرين. وهذا ما دفع رئيس حكومة حماس إسماعيل هنية إلى الإعلان عن أنّ مجزرة النصيرات تؤكّد صواب موقف المقاومة بضرورة أن يشمل أيّ اتفاق وقفاً دائماً للعدوان وانسحاباً إسرائيلياً كاملا، من قطاع غزة.  

تداعيات الاستقالة  

ومن المتوقّع أن يكون للاستقالات أثر سلبيّ على أداء جيش الاحتلال الإسرائيلي وعلى المستوى الإسرائيلي السياسي، خصوصاً أنّها تعكس انقسامات عميقة داخل نادي النخبة العسكرية والسياسية الإسرائيلية. لكن لا يتوقّع أن تؤدي استقالة غانتس إلى انهيار حكومة نتنياهو، بل ستعزز سطوة اليمين المتطرّف على الحكومة التي تتشكّل من حزب الليكود و 3 أحزاب يمينية متطرّفة، وفصيلين من غلاة المتدينين اليهود. 
يقول مدير مركز سياسات الشرق الأوسط في معهد بروكينغز ناتان ساش إنّ قرار غانتس الاستقالة خطوة خطيرة من شأنها دفع اليمين المتطرّف إلى رصّ صفوفه، وهذا ما سيقلل من فرص التوصل إلى صفقة تؤدي إلى وقف إطلاق النار وتخلية سبيل الأسرى الإسرائيليين في مقابل إطلاق الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال الإسرائيلي. وهذا ما أدّى إلى تصاعد القلق في صفوف المجتمع الإسرائيلي الذي اعتبر أنّه إذا استغرق إطلاق 4 أسرى إسرائيليين أشهراً طويلة من التحضير، فكم سيتطلّب الأمر لإطلاق 120 أسيراً؟