خلاصة ما انتهت إليه زيارة الموفد الرئاسي الفرنسي جان ايف لودريان الأخيرة، أنّها وضعت لبنان على رصيف انتظار ما يمكن أن تسفر عنه القمة الرئاسية الأميركية ـ الفرنسية، التي ستعقد في الثامن من الشهر الجاري خلال "زيارة الدولة" التي سيقوم بها الرئيس الأميركي جو بايدن لفرنسا، بعد مشاركته في الاحتفال السنوي بذكرى إنزال النورماندي الشهير في الحرب العالمية الثانية.
ليست هناك معلومات مؤكّدة لدى أيّ من الفرقاء اللبنانيين وحتّى لدى الفرنسيين وغيرهم إذا كان الرئيسان جو بايدن وإيمانويل ماكرون سيخوضان الغمار اللبناني بتفاصيله في "قمة النورماندي" إذا جاز التعبير، وذلك في ضوء التقرير الذي سيرفعه لودريان حول لبنان إلى رئيسه ماكرون الذي سيضعه على طاولة البحث بينه وبين نظيره الأميركي، إذ يتخوّف البعض من تكرار تجربة مماثلة حصلت في لقائهما السابق وفي المناسبة نفسها ولم ينل لبنان منها نصيباً.
لكنّ بعض المؤشرات هذه المرّة تدلّ إلى حماسة فرنسية لانتزاع دعم أو تفويض أميركي يمدّ الدور الفرنسي بمزيد من الحيوية، دفعاً في اتجاه إيجاد المساعدة على حلّ الأزمة اللبنانية، بما ينسجم مع المصالح التاريخية الفرنسية في لبنان، وهذا ما ستدلّ إليه مواقف باريس وتصرفاتها بعد مغادرة الرئيس الأميركي قصر الاليزيه عائداً إلى واشنطن.
خلافاً لما قيل وشاع
على أنّه خلافاً لكلّ ما قيل وشاع، جاء لودريان إلى لبنان ليبلّغ إلى رئيس مجلس النواب نبيه بري، التأييد لمبادرته الحوارية في شأن الاستحقاق الرئاسي، مبدياً له استعداد فرنسا والمجموعة الخماسية لدعمه ومساندته في العمل لإنجاز هذا الاستحقاق، لأنّه ثبت بعد التجربة أن لا خيار سوى هذه المبادرة للوصول إلى انتخاب رئيس جمهورية جديد، سواء انعقد الحوار في لبنان أو في أيّ مكان، وذلك حسب قول أحد الذين شاركوا في اللقاء بين بري ولودريان.
غير أنّ لودريان الذي استأخر اللقاء مع بري إلى اليوم الثاني من زيارته لبنان، أبلغ إلى الآخرين من مسؤولين وكتل نيابية وسياسية التقاهم، باستثناء كتلة "الوفاء للمقاومة"، كلّ الموقف الذي يؤيّد طروحاتها وخياراتها الرئاسية والسياسية. فدعا كتلة "الاعتدال الوطني" إلى المضي في مبادرتها لتقريب وجهات النظر حول صيغة الحوار أو التشاور المطلوب، الذي ينبغي أن يسبق الذهاب إلى جلسات مفتوحة بدورة انتخابية متتالية إلى حين انتخاب رئيس للجمهورية، فيما أبلغ إلى فريق المعارضة تأييده الذهاب إلى اعتماد الخيار الثالث (المرشح الثالث) لانتخاب رئيس الجمهورية بما يتجاوز المرشحين المطروحين. وكانت النتيجة أنّ مهمة لوديان الفعلية اقتصرت على الإبلاغ إلى بري الدعم لمبادرته، وكذلك الإبلاغ إلى رئيس الحكومة نجيب ميقاتي أنّ موقف المجموعة الخماسية موحّد، وأنّها "على قلب رجل واحد" في التعاطي مع الأزمة اللبنانية، وأنّه مكلّف من الإليزيه إعداد تقرير سيحمله الرئيس الفرنسي إلى لقائه المقرّر مع نظيره الأميركي على هامش الاحتفال بذكرى إنزال النورماندي، حيث يطمح إلى التوصّل معه إلى اتفاق في شأن لبنان، على الرغم من أنّ اللقاء السابق المماثل بينهما لم تأت نتائجه مشجّعة بالمقدار الذي طمح إليه لبنان.
ويقول البعض إنّ لودريان عكس في جانب من مهمّته كأنّه جاء لـ"يوزّع الأدوار" على المسؤولين والكتل المعنية بالاستحقاق الرئاسي، فشجع بري على المضي في مبادرته الحوارية، ودعا تكتل الاعتدال إلى الاستمرار في حراكه الذي يصبّ في إطار مبادرة بري أوّلاً وأخيراً، فيما دعا "اللقاء الديموقراطي" برئاسة النائب تيمور جنبلاط إلى التجوال على الفرقاء المعنيين بالانتخابات الرئاسية ارتكازاً على موقف الرئيس السابق للحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، الذي يجد فيه لودريان وسطية من شأنها أن تلقى مقبولية لدى جميع الفرقاء السياسيين، وبالتالي العمل على تقريب وجهات النظر حيال فكرة التشاور غير المشروط، الذي يجب أن يسبق الجلسات الانتخابية المفتوحة التي لا يعطّلها تطيير نصابها القانوني. علماً أنّ جنبلاط يشجع على انتخاب رئيس في أقرب وقت لأنّه يتخوّف من تعذّر انتخابه لاحقاً إلى وقت طويل، إذ كان قال لأبناء الجالية اللبنانية في قطر التي زارها أخيراً "إنّ الحرب ما زالت في أولها وإنّها ستستمر حتّى نهاية السنة إن لم يكن إلى ما بعدها أيضاً. ويبدو أنّ الجانب الفرنسي تلقّف هذا الموقف الجنبلاطي ليعمل بوحيه، دفعاً في اتجاه استعجال انتخاب رئيس للجمهورية إذا استطاع إلى ذلك سبيلاً.
حماسة فرنسية لانتزاع دعم أو تفويض أميركي يمدّ الدور الفرنسي بمزيد من الحيوية، دفعاً في اتجاه إيجاد المساعدة على حلّ الأزمة اللبنانية
ترشيح لا رجوع عنه
في هذه الأثناء، فإنّ الذين اطّلعوا على خلفيات المقابلة التلفزيونية الأخيرة لرئيس تيار "المردة" سليمان فرنجية أكّدوا أنّ الدافع إليها كان تأكيد استمراره في ترشيحه، خلافاً لما يروّج له البعض من احتمال قبول داعمه بالذهاب إلى خيار ثالث في الانتخابات الرئاسية. وكان اللافت أنّ هذه المقابلة سبقت وصول لودريان إلى بيروت بيومين، وقد التقاه فرنجية بعد ساعات قليلة من وصوله عصر الثلاثاء في منزل نجله النائب طوني فرنجية. كذلك كان اللافت في كلام فرنجية تمسّكه بترشيحه وبثوابته الوطنية وتأكيده الاستعداد للتعاون مع "التيار الوطني الحر" و"القوات اللبنانية" على الرغم من الاختلاف في الخيارات والمواقف السياسية بينه وبينهما.
والواقع أنّ الفرنسيين وعلى الرّغم من تخلّيهم عن مبادرتهم الأساسية التي طرحوها منذ فجر الاستحقاق السياسي، وقبل ولادة المجموعة الخماسية، والتي قامت على معادلة: سليمان فرنجية رئيساً للجمهورية ونواف سلام رئيسا للحكومة (قبل أن يُعيّن رئيساً لمحكمة الدولية محكمة العدل الدولية)، ما زالوا يؤيّدون وصول فرنجية لرئاسة الجهورية خلافاً لكثير من الاعتبارات، وذلك لاقتناعهم بأنّه "الخيار الأنسب للمرحلة اللبنانية والإقليمية والدولية". على أن يكون رئيس الحكومة مقبولاً من الجميع، حتّى ولو كان من كنف الفريق الآخر أي المعارضة. وما دلّ إلى الموقف الفرنسي المؤيّد لفرنجية هو كلامه خلال المقابلة المتلفزة المشيد بفرنسا والدور الذي تقوم به في لبنان.