هي محاولة قد تكون الأخيرة للمجموعة الخماسية العربية ـ الدولية تلك التي سيقوم بها الموفد الفرنسي الرئاسي والخماسي جان ايف لودريان في لبنان هذا الأسبوع، لإقناع السياسيين اللبنانيين بحضور مؤتمر حوار لبناني ـ لبناني في باريس، برعاية فرنسية وخماسية للاتفاق على حلّ للأزمة اللبنانية منطلقه اتفاق على انتخاب رئيس جمهورية جديد. فإذا نجح في هذه المهمّة يكون قد غيّر قواعد اللعبة في معركة الاستحقاق الرئاسي وفصل بين هذا الاستحقاق وبين حرب غزّة والجنوب. وإذا فشل يعود أدراجه أو يستسلم والخماسية للأمر الواقع، ليستمرّ الفراغ الرئاسي ردحاً جديداً وإلى أجل غير معلوم، خصوصاً إذا ظلّت مواقف "التيار الوطني الحر" و"القوات اللبنانية" على ما هي من الرّفض في ترشيح رئيس تيار "المردة" سليمان فرنجية وعدم صيرورة الاستحقاق إلى تنافس ديموقراطي حقيقي بين مرشحَيْن أو أكثر.

حوار في باريس؟

وفي هذا السياق، يقول قطب سياسي إنّه إذا صحّ أنّ لودريان آت لطرح فكرة مؤتمر الحوار في باريس، فإنّ ذلك يحتمل أمرين: إمّا أنّ المجموعة الخماسية اتفقت في ما بينها على هذا الطرح، لتعذّر انعقاد هذا الحوار في لبنان، وكلّفت لودريان تسويقه. وإمّا أنّ باريس عادت إلى التفرّد بطرح من هذا النّوع مثل التفرد سابقاً بطرح مبادرتها الشهيرة (سليمان فرنجية ـ نواف سلام) قبل أن تلتحق بـ"الركب الخماسي" (الأميركي ـ الفرنسي ـ السعودي ـ المصري ـ القطري)، علماً أنّ الأسابيع الأخيرة كانت حفلت بكلام عن استياء أميركي من تصرف باريس، ذروته في اللقاء الفاشل في واشنطن بين لودريان والموفد الرئاسي الأميركي آموس هوكستين.

والواقع أنّ فكرة ترتيب زيارة لودريان الجديدة للبنان بعد طول انقطاع جاءت على خلفية البيان الأخير لسفراء الخماسية، وذلك بعد اجتماعهم في مقر السفارة الأميركية في عوكر، إذ عبّروا فيه عن أنّ غالبية الكتل النيابية التي التقوها تحبّذ إنجاز الاستحقاق الرئاسي قبل نهاية أيار الجاري، بعد تشاور في ما بينهم في نطاق محدّد زمنياً، لكن أيار بلغ الهزيع الأخير من أيّامه الآن، ولم تبرز بعد أيّ مؤشّرات على وجود استعداد لترجمة هذه الرغبة عملياً من هذا النوع لدى المعنيين، في الوقت الذي شاع أنّ السفيرة الأميركية ليزا جونسون تستعدّ للسفر إلى بلادها في زيارة عمل لتعود لاحقاً إلى بيروت، فيما يتحدّث البعض عن وجود نصيحة أميركية بالإسراع في انتخاب الرئيس قبل انغماس الإدارة الأميركية كلّياً في الانتخابات الرئاسية ابتداءً من تموز المقبل. لكن تصرفات حلفاء واشنطن أو المحسوبين عليها في لبنان لا تعكس حتّى الآن وجود مثل هذا الاستعجال.

غير أنّ مطلعين على الموقف الأميركي بدأوا يتحدّثون عن أنّ الرئيس جو بايدن تتراجع حظوظه الرئاسية بنحو ملحوظ، وأنّه حتّى الآن خسر في المواجهة الدائرة بينه وبين رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، إلى درجة أنّ الأخير بات أقوى منه ويهدّده بالسقوط في الانتخابات أمام منافسه الرئيس السابق دونالد ترامب. وحسب المعلومات، فإنّ نتنياهو يستعدّ لزيارة الولايات المتحدة وإلقاء كلمة أمام الكونغرس الأميركي، ومن دون انتظار تلقّي دعوة من البيت الأبيض، بحيث أنّه سيكرّر في هذه الزيارة ما فعله مع الرئيس السابق باراك أوباما إذ أسهمت شهادته يومذاك أمام الكونغرس في فوز المرشح الجمهوري ترامب بالرئاسة الأميركية.

في حال قبل نتنياهو بالمقترح الأميركي الجديد، هل تقبل السعودية بتطبيع علاقاتها مع إسرائيل من دون حصولها على ضمان حقيقي بقيام دولة فلسطينية، كما تشترط منذ أن فوتحت بهذا التطبيع؟


اقتراح أميركي

وفي هذا الإطار، يقول مرجع كبير إنّ انتخاب رئيس جمهورية الآن أو مطلع الصيف المقبل أو تأخّره إلى ما بعد انتخابات الرئاسة الأميركية في تشرين الثاني المقبل، يتوقف على إمكان حصول اتفاق على وقف لإطلاق النار في غزّة من عدمه. ويكشف المرجع أنّ الولايات المتحدة الأميركية حاولت أخيراً إقناع نتنياهو الذي "يتفرعن" عليها بحلّ لوقف حربه على غزة يتضمّن ثلاثة بنود:

ـ أولاً، تطبيع العلاقات بين إسرائيل والمملكة العربية السعودية.

ـ ثانياً، وقف إطلاق نار شامل في قطاع غزّة.

ـ ثالثاً، بدء مفاوضات لإيجاد حلّ للقضية الفلسطينية على أساس "حلّ الدولتين".

لكنّ نتتنياهو رفض هذا العرض، مؤكّداً إصراره على خوض الحرب ضد حركة "حماس" وأخواتها حتّى النهاية، رافضاً البحث في "حلّ الدولتين". ومرحّباً بالتطبيع مع السعودية.

ونتيجة لذلك، عاودت الولايات المتحدة الأميركية طرح هذا الحلّ بصيغة أخرى على نتنياهو علّه يقبل به، بحيث أنّها أبقت على بندي التطبيع مع السعودية ووقف إطلاق النار، وعدّلت البند الثالث ببند يقول بـ"الاتفاق على البحث في حلّ القضية الفلسطينية لاحقاً" من دون تحديد أيّ موعد أو إطار لهذا الحل لا "حلّ الدولتين" ولا أيّ صيغة أخرى.

وإذ لم يستبعد المرجع أن يقبل نتيناهو بهذه الصيغة لأنّها تحرّره من أيّ التزام بحلّ للقضية الفلسطينية، بدليل أنّه بمجرد أن تلقّاها صعّد من حملته العسكرية على رفح، كأنّه يريد السيطرة عليها قبل إعلان موافقته على أي اتفاق لوقف النار، علماً أنّ حلمه التاريخي هو أن توافق السعودية على تطبيع العلاقات مع إسرائيل، والذي، إن حصل، فسيكون "تطبيع كل المنطقة العربية مع إسرائيل" وليس السعودية وبعض الخليج فحسب.

أمّا بايدن فإنّه يريد من هذا الاتفاق، إذا حصل، أن يستفيد من التطبيع الإسرائيلي ـ السعودي بما يدعم موقفه في الانتخابات الرئاسية أمام منافسة ترامب، ويمكّنه من كسب تأييد الناخب اليهودي والصهيوني في كلّ الولايات المتحدة الأميركية، الذي يتغير مزاجه لمصلحة ترامب متأثّراً بالدعاية الصهيونية الداعمة لنتنياهو في حربه على قطاع غزة.

الموقف السعودي

لكن السؤال هنا هو أنّه في حال قبل نتنياهو بالمقترح الأميركي الجديد، هل تقبل السعودية بتطبيع علاقاتها مع إسرائيل من دون حصولها على ضمان حقيقي بقيام دولة فلسطينية، كما تشترط منذ أن فوتحت بهذا التطبيع؟

حتّى الآن، لم يظهر أيّ مؤشر يٌنبئ بأنّ الموقف السعودي تغيّر إذ لا يزال يشترط قبل أيّ تطبيع أن يكون للفلسطينيين دولتهم وعاصمتها القدس الشرقية، حسب مشروع "حلّ الدولتين" وحسب ما تنص عليه المبادرة العربية للسلام السعودية المنشأ والاقتراح التي أقرّتها القمة العربية في بيروت عام 2002.