يسيطر القلق على مستأجري المحالّ التجارية في لبنان، خوفاً من احتمال إقرار مفاجئ لقانون "إيجارات الأماكن غير السكنية الجديد". وعلى الرغم من أن الحكومة ردّته إلى المجلس النيابي لدرسه من جديد، بعد تمريره وثلاثة قوانين أخرى، في جلسة التمديد لقائد الجيش جوزيف عون، لا يزال احتمال إقراره وارداً، وهو ما يخشاه التجار، لأنّه "مجحف"، بحسب تعبيرهم.

صاعقة على رؤوس التجار

في هذا الإطار، قالت لـ"الصفا نيوز" المستشارة القانونية للجنة الأهلية للمستأجرين، المحامية مايا جعارة "إن مجلس النواب أقرّ في جلسة التمديد لقائد الجيش والقوى الأمنية في 14/12/2023 قانون الإيجارات غير السكنية القديمة، ووقع هذا الإقرار كالصاعقة على رؤوس التجار والصناعيين والمهن الحرّة والحرفية، فتحرّكت لجان المستأجرين وجمعيات التجار في مختلف المناطق ونقابات المهن الحرّة، وهذا ما حدا مجلس الوزراء على ردّ القانون إلى مجلس النواب، فطعن ممثلو المالكين بالمرسوم أمام مجلس شورى الدولة في حين استرد رئيس مجلس النواب القانون، إلّا أنّه لم يطرحه من جديد على أول جلسة تشريعية".

وأشارت جعارة إلى أنّ "قانون تحرير الإيجارات غير السكنية القديمة قد أقرّ في وقت يمرّ البلد بظروف استثنائية اقتصادياً ومالياً وسياسياً ومن دون إجراء نقاش عام حوله أو مراعاة معايير التشاركية أو الأخذ بأيّ من هواجس المستأجرين وممثليهم".

وكان من المفترض بحسب جعارة "الأخذ في الاعتبار حالة الجمود غير المسبوقة التي تعانيها الأسواق التجارية وإقفال المؤسسات والمحال التجارية وأزمة المصارف وانعكاسها على الحركة التجارية وعلى مداخيل المواطنين ورواتبهم".

تحرير الإيجارات بين سنتين وأربع

وأضافت جعارة "أبرز ما جاء في هذا القانون هو تحرير عقود الإيجار بعد فترة وجيزة تراوح بحسب مشيئة المالك بين سنتين دون زيادة البدل وأربع سنوات على أن يتمّ خلالها رفع البدل تدريجياً إلى أن يبلغ في السنة الثالثة أو في السنة الرابعة 8 في المئة من قيمة المأجور إنْ كان خالياً. هذه نقطة خلافية كبيرة، فبحسب الإحصاءات لا يتجاوز متوسط نسبة بدلات الإيجار في أحسن الأحوال الـ 3 في المئة من قيمة المأجور في وقت لم ترتفع رواتب المواطنين المقيمين في لبنان إلّا بنسبة قليلة مقارنة بتلك الأرقام. ففي أهمّ مدن دول العالم التي تنعم بالاستقرار تراوح نسبة الريع العقاري بين 2 و 4 في المئة حدّاً أقصى".

وأبرز ما يعترض عليه المستأجرون وأصحاب المؤسسات التجارية هو أنّ "القانون تجاهل الخلوّ الكبير الذي دفعه المستأجر للدخول إلى المأجور، والذي يعتبره المستأجرون "الخميرة" التي تشكّل لهم شبكة أمان".

وتابعت جعارة مستغربة "عوض أن يقوم المشترع بالتشريع لإيجاد بعض الضوابط على عقود الإيجار الحرّة المتفلّتة، والمتروكة للعرض والطلب من دون ضوابط، عمد إلى تحرير الإيجارات غير السكنية، غير آبهٍ بسلبيات خطوة كهذه، وغير مكترث لتداعياتها على الاقتصاد الانتاجي الذي من المفترض دعمه. وكأنّها دعوة إلى المالكين إلى رفع بدلات إيجار مأجورهم وفقاً لقانون حرية التعاقد، وهذا ما يتعارض مع المنحى الذي يفترض أن تسلكه الدولة، إذ التزمته الحكومة في برنامج الإصلاح الاقتصادي والمالي المتصل بتشجيع الاقتصاد المنتج وانحسار الاقتصاد الريعي".

وبحسب جعارة، فإنّ القانون أقرّ بغياب دراسة اقتصادية واجتماعية وبانحياز تام إلى مصالح المالكين. والمطلوب اليوم هو إعادة درس هذا القانون بذهنية مختلفة للتوصّل إلى قانون أكثر توازناً وعدالةً ومراعاة للمصلحة العامّة والانتظام العام والمبادرة الفردية والملكية التجارية بالتوازي مع الملكية العقارية".

للتوصّل إلى حلّ يحمي حقوق الطرفين

في سياق متصل، قال رئيس جمعية تجار عاليه سمير شهيب لـ"الصفا نيوز" إنّ "الخلل يكمن في القانون نفسه، الذي يظلم التجار والمستأجرين"، مشيراً إلى أنّ "المستأجرين لا يقبلون أن يظلم المالك، وهم يعترفون بحقوق مالكي المحالّ التجارية، إلّا أنّهم يطالبون بالتوصّل إلى حلّ عادل يرضي الطرفين، فيما التجار يتوزّعون بين مالكين ومستأجرين، ونحن مع حماية حقوق التجار، بحسب القانون 11-67. وبعد تمرير مشروع القانون في مجلس النواب، فوجئنا بأنّ جميع أعضاء لجنة الإدارة والعدل ليسوا مطّلعين على الملف".

وأضاف "بعد إقرار أي قانون، سيكون هناك شريحة مظلومة، إلاّ إذا كان قراراً مدروساً صادراً عن لجنة مؤلّفة من مالكين ومستأجرين وأعضاء بلديات وخبراء وممثلين عن وزارة العدل، يضمن إنصاف المالكين وعدم ظلم المسـتأجرين".

وشرح شهيب "المالك لم تؤكل حقوقه بين الـ 1967 والـ 1992، إذ كان المستأجر يدفع خلوّاً قبل دخوله إلى المحلّ التجاري، بالإضافة إلى بدل الإيجار، وكان الخلوّ يحفظ حقّ المستأجر في أن لا يطرده المالك، إلّا إذا توقّف عن دفع بدل الإيجار. ونتيجة هذا الخلوّ، استفاد أصحاب الملك بالأموال التي جمعوها وقاموا بتوسعة مبانيهم، وبناء طوابق أخرى. فكيف يخرجون المستأجر الذي سبق أن دفع خلوّاً؟".

أمّا بعد الـ 1992 فتحوّلت عقود الإيجارات إلى عقود حرّة تقوم على فترة زمنية محددة، وببدل ايجار يُتفق عليه صاحب الملك والمستأجر على أن يجدّد العقد بعد انتهاء المهلة الزمنية، إذ قد يسمح لصاحب الملك برفع قيمة بدل الإيجار على المستأجر".

ما قبل 2019 ليس كما بعده

وشدّد شهيب على أنّ "أصحاب الملك استفادوا من كلّ الزيادات التي لحقت بالحدّ الأدنى للأجور وغلاء المعيشة، إذ كان المالك يضيفها إلى بدل الإيجار الذي يدفعه التاجر، ويحصّلها منه، وبقي الوضع على هذه الحال حتّى العام 2018، إلى أن أتت الأزمة وانهارت الليرة ومعها قيمة الإيجارات، فما ذنب المستأجرين؟ علماً أنّ المستأجرين لا مانع لديهم من رفع بدل ايجاراتهم، لكن على نحو منطقي. علماً أن هناك تجّاراً يعوّضون على أصحاب الملك، ويدفعون لهم "براني" أحياناً".

مع العلم أن القانون الحالي "يرفع المظلومية عن المالك ويضعها على المستأجر (التاجر)، بعدما بنى الأخير اسماً تجارياً، وجذب الزبائن، وحرّك العجلة التجارية في المنطقة. لذلك، على أصحاب الملك إمّا ردّ الخلوّ إلى المستأجر، وعندئذ بإمكانهم إخراجه من المحلّ، أو التوصل إلى اتفاق عادل يقضي برفع إيجار المحلّ وفق قواعد علمية تضمن حقوق الطرفين". يقول شهيب محذراً من أنّه "في حال إقرار القانون، قد يتسبب بانفجار اجتماعي وأمني، فكيف لمن دفع أموالاً أن يتمّ إخراجه من محلّه؟".

ورداً على من يتهم التجار بأنّهم استثمروا بهذا الخلو المدفوع طوال نحو عشرين عاماً، قال "الذين استثمروا فعلاً هم أصحاب الملك، الذين عمّروا بهذه الأموال، وتم إحياء المنطقة تجارياً، بفضل المستأجرين".

وسأل "كيف يمكننا أن نطبق هذا القانون، والجنوب نصفه مهدّم والناس خسرت أملاكها ومحالها التجارية على السواء، ولا يزال هناك مالكون ومستأجرون ينتظرون شركات التأمين كي تعوّض عليهم بعد انفجار 4 آب؟".

ولفت إلى أنّ لبنان لا يزال صامداً بفضل القطاع التجاري، الذي يشكّل نسبة 70 % من اقتصاده الحرّ، ولا مانع لدينا من دفع بدل الإيجار 20 ضعفاً إلى حين وضع قانون يرضي الجهتين".

أكثر من 24 ألف مستأجر

وقال رئيس جمعية تجار الأشرفية طوني عيد لـ"الصفا نيوز": "نحن نتحوّف من أن يعود المشروع ويقرّ في المجلس النيابي، حيث قد يظلم الكثير من المستأجرين، الذين يتخطّى عددهم 24 ألفاً (وهو الرقم الذي صرّح به المالكون)".

وسأل عيد "من أين سيأتي المستأجر بالمال لتمويل النقلة؟ فلا قروض مصرفيّة، وأموال التجار أو المستأجرين عالقة في المصارف!"، معتبراً أنّ هذا القرار اعتباطي، واستطرد "في سوليدير، تمّ توزيع الأسهم حتى على جميع المستأجرين، الذين دفعوا ولم يدفعوا خلوّاً قبل الـ 1992، فكيف يأكلون حقوق المستأجرين اليوم؟".

شوائب القانون

وانتقد عيد مشروع القانون لأنّه "لم يلحظ مبدأ الـfond de commerce، وهو مجموعة العناصر الملموسة (السلع والمعدات وما إلى ذلك) وغير الملموسة (قاعدة العملاء ومهارات الموظفين وحق الإيجار والاسم التجاري وما إلى ذلك) المخصصة لتشغيل نشاط تجاري أو صناعي. كما تضمّن عبارات تحمل نوعاً من الضغينة على المستأجرين كمصطلح "طرد"، وهو ما يؤكّد أنّ مشروع القانون لم يدرس على نحو صحيح، بل سُلق سلقاً ومُرّر خطأً. وهناك لغط بشأن مشروع القانون المذكور في مجلس الشورى، حيث ليس ثمة قانون يراعي جميع الحالات، قبل الـ1992 إلى الـ2022".

وأضاف عيد "نريد أن يحصل صاحب الملك على حقّه، خصوصاً أنّ قيمة الإيجارات تدنّت بعد الأزمة، ولكن لا يمكننا تسليم رقبة المستأجرين إلى أصحاب الملك"، معتبراً أنّ أكثر المستفيدين من إقرار هذا القانون، هم تجّار العقارات الذين اشتروا عقارات بأسعار زهيدة في العامين الأخيرين، أي أقلّ من 40 في المئة من ثمنها، لأنّ خلوّها كان مدفوعاً، واليوم يريدون تحقيق مكاسب غير مشروعة".

بوادر خير؟

كذلك أوضحت مصادر نيابيّة متابعة أنّ "الحكومة ردّت مشروع قانون الإيجارات الجديد، لأنّه لا يخدم مصالحها، فللدولة أيضاً إيجارات قد يضربها هذا القانون".

وأضافت "يصعب ضمان مصلحة الطرفين في أيّ مشروع قانون يتصل بملفّ الإيجارات، إلّا أنّ ما تسعى لجنة الإدارة والعدل النيابية إلى إتمامه هو التخفيف من تداعيات القانون على المستأجر، وصاحب الملك، بتعديل بعض المؤشرات التي لها علاقة بالكلفة، لأنّ الطرفين مغبونان".

وشدّدت المصادر عينها على أنّه "لا يمكن ترك الملف مفتوحاً، لأنّ هناك مستأجراً مغبوناً سوف "ينزت" على الطريق، ومستأجراً آخر وضعه المادي جيّد، وما نسعى إليه هو تخفيف التداعيات". وختمت "تم عقد العديد من الاجتماعات مع المعنيين وهناك بوادر خير".