دخل العالم كله في حالة من "الهيستيريا"، والتفلّت الأخلاقي، و"الأعمال الشيطانية" في غياب تام لأيّ ضوابط إنسانية أو قانونية، أو دينيّة، حتى بات كلّ شيء متاحاً وممكناً، فكثُر الفساد وازدادت الاضطرابات، وتخلّى بعض البشر عن عقولهم، وإنسانيتهم، وانحرفوا باتجاه غرائز مريضة وشهوات جرميّة.

فما نسمعه عن ارتفاع حالات اغتصاب الأطفال والتحرش بهم/بهنّ، يجعلنا نخاف، ونسأل "في أيّ مجتمع نعيش؟" أو "إلى أي مستقبل نتجه؟" حين تصبح المحرّمات ممارسات طبيعيّة، ويصبح كلّ من يعارضها رجعياً أو متخلّفا،، مع موجة التسويق العالميّة لأفكار منحرفة يتبنّاها مشاهير ومؤثرون، وتدعمها منظّمات دوليّة. فيبطل مفهوم الصح والخطأ، ويغدو كلّ شيء مسموحاً.

ولعلّ المشكلة الرئيسيّة تكمن في فظاعة ما يتمّ ارتكابه بحقّ هؤلاء القصّر، إذ إنّ الفعل لا يقتصر على جرم التحرّش أو الاغتصاب الجنسي، بل يتعدّاه إلى استخدام أدوات تعذيب تنكّل بجسد هذا الطفل أو تلك الطفلة بهدف الاستمتاع بصراخه/ها وهما في طور الاستنجاد، فضلاً عن تصوير الواقعة والمتاجرة بها في عالم "الويب المظلم".

ارتفاع نسب اغتصاب الأطفال

في هذا الإطار، لفت تقرير اليونيسيف المعنون "خمسة وعشرون عاماً في مجال الأطفال والنزاع المسلّح" إلى بيانات مقلقة منذ عام 2005، تشير إلى مقتل قرابة 104 آلاف طفل أو تشويههم بمعدل يزيد على 10 آلاف طفل سنوياً، واختطاف نحو 25 ألفاً، واغتصاب نحو 14 ألفاً. وسُجل في العام 2020 نحو 1268 جريمة اغتصاب. ومع ذلك، فإنّ تلك الأرقام لا تدلّ على الحجم الفعلي لهذا الجُرم، إذ لا يُبّلغ أحياناً عن حالات العنف الجنسي، وبخاصة العنف الجنسي ضدّ الفتيان.

ولعلّ أكبر الفضائح الجنسية، التي سجّلت في العالم، هي فضيحة جزيرة أبستين لصاحبها الملياردير ورجل الأعمال الأميركي جيفري إبستين، المتّهم بإدارة شبكة للدعارة، واستغلال منازله وجزيرة كان يملكها، لارتكاب جرائم جنسية ضد فتيات قاصرات تراوح أعمارهن بين الـ 13و الـ 17 عاماً، وتجنيد أخريات لتوسعة شبكته. ومن المشاهير التي وردت أسماؤهم في الملف، بحسب ما كشفته تسريبات التحقيقات، الأمير أندرو (الابن الثالث للملكة إليزابيث)، والرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون، والعالم ستيفن هوكينغ، والإعلامية أوبرا وينفري.

ثم جاءت فضيحة "بيتزا غايت"، التي تزامنت مع الانتخابات الرئاسية الأميركية للعام 2016 ومشاحنات بين هيلاري كلينتون ودونالد ترامب. وبحسب ما أشيع من هذه القضية ظهر تورّط عدد من السياسيين ومشاهير هوليوود.

وقلما يمرّ أسبوع من دون أن نسمع بجريمة اغتصاب طفل، أو التحرّش به، أو بتر أعضائه، أو اختطافه وتعذيبه لأغراض "مرضية". ومن آخر هذه القصص، فضيحة عصابة التيكتوكرز في لبنان، وطفل شبرا، واغتصاب مٌدرّس أكثر من 20 تلميذاً في تونس، واغتصاب مُدرّس طفلة الـ7 سنوات في السودان. إلخ.

الأسباب النفسية التي تدفع بالمرء إلى ارتكاب أعمال مماثلة

تشرح لـ"الصفا نيوز" الاختصاصية في علم النفس لانا قصقص "الأشخاص الذين يتلذّذون في مشاهدة أفلام اغتصاب، أو قتل، يعانون اضطرابات نفسية، "كالسادية الجنسية" وهي ميل يجعل الشخص يشعر باللذة من خلال الألم الجسدي أو النفسي الذي يتسبّب به للآخرين، والويب المظلم هو منصّة تسمح لهذه المواد بأن تكون في متناول هؤلاء الأشخاص".

وأوضحّت قصقص "الفرق بين الـ fantasy (الخيال الجنسي) الذي هو شأن طبيعي جداً في حياة الانسان النفسية والجنسية، وبين التخيّلات التي تجعل الشخص يقوم بسلوكيات إجرامية ومرضية. فمن يشتري هذه المواد يسهم بشكل مباشر في أذيّة شخص آخر، وبالتالي يقترف جرماً يجب أن يحاسب عليه القانون".

كذلك يمكن أن يعاني هؤلاء الأشخاص اضطراب الشخصية المعادية للمجتمع، من دون أن يشعروا بالذنب أو الندم تجاه ضحاياهم، وهو ما يجعلهم يقتلون ويغتصبون، كما هناك من لديهم شخصية سيكوباتية (psychopath) وهؤلاء يمارسون جرائمهم بطرائق منظّمة ومدروسة".

وعن سبب انخراط هؤلاء الأشخاص في سلوكيات مماثلة، تجيب قصقص، "ربما تعرّضوا بمراحل معيّنة في حياتهم لأذى والإهمال، أو الاغتصاب والتحرش، أو لأيّ نوع من العنف القويّ، ما يؤثّر على تطورهم النفسي والعاطفي، ويجعلهم يعانون اضطرابات نفسية. وهناك عوامل بيولوجية وجينية قد تجعل من الشخص مجرماً، لكونه قد طوّر بحكم جيناته القدرة على الاندفاع والعدوانية، وهو ما يجعله يدمن هذه المشاهدات أو يقوم بسلوكيات شائنة. إلى ذلك، هناك مناطق في الدماغ تتأثر بهذه الجينات، وتجعله عدائياً وفاقداً السيطرة على نفسه. ثم تأتي العوامل البيئية، إذ قد يكون المرء ترعرع في بيئة سامّة تجعله يعتقد أنّ هذه الممارسات طبيعية. وكلّ ما سبق، قد يسهم، مع وجود الويب المظلم والمال والسلطة في رفع نسبة الممارسات الشاذة في المجتمعات".

ولضبط هذه الممارسات ووقفها، فإنّ المطلوب بحسب قصقص هو "حشد الجهود الدولية لمراقبة هذه الشبكات وتوقيفها، كما ينبغي للأهل مراقبة أطفالهم وحمايتهم وتوعيتهم. أمّا المغتصبون، فعلاجهم ممكن في مصحّات متخصّصة تقدّم جلسات مكثّفة مع الأدوية المطلوبة".

إنه ليس مرضاً نفسيّاً

في سياق متصل، قالت لـ”الصفا نيوز" الطبيبة المتخصصة في علم النفس الاجرامي، والتي فضّلت عدم الكشف عن اسمها، (لأنها تعمل في مجال إعادة تأهيل السجناء): "لا يمكن توصيف أفعال هؤلاء المغتصبين في خانة المرض النفسي لعدم تبرير أفعالهم أو إعطائهم أحكاماً مخففة، فما يعانونه هو اضطراب بالشخصية ونرجسية قد يكونان ناتجين من تعرّضهم لتجارب سيّئة في الطفولة، وهو ما ساهم في تشكيل هذا الانحراف الجنسي لديهم. أمّا من يدفع مقابل مشاهدة هذه الأفلام، فيُدرج في فئة voyeurisme، أي سلوك المختلس النظر، وهو ميل إلى الاستمتاع سرّاً بمعاناة الآخرين من دون أن يراه أحد. وهذا قد يكون شاهد والديه خلسةً وهما يمارسان الجنس، وسمع أصواتاً لا ينبغي أن يسمعها. كما يمكن أن يعاني الشخص البيدوفيليا، والساديّة في آن واحد، وبالتالي، هو يستمتع بالاستماع إلى أصوات الأطفال وأنينهم وهم يغتصبون أو يتعذبون، أو يستمتع باغتصابهم".

وهذه جميعها اضطرابات خطيرة، تضيف المعالجة، "إذ تؤكّد وجود تشوه بالسلوك والفكر، والمصابون بها يشكّلون خطراً على المجتمع والأطفال، ويجب سجنهم، قٌصّراً كانوا أم بالغين، وإخضاعهم لجلسات علاج مكثفة وأدوية، لأنْهم يعانون انحرافات جنسية وأخلاقية وسلوكية. فحتى البيدوفيليا وصفتها منظمة الصحة العالمية بأنّها انحراف سلوكي وليست مرضاً".

الترويج للبيدوفيليا

على مقلب آخر، تعمل بعض المنظمات على الترويج للبيدوفيليا، والاعتراف بها وقبولها مجتمعياً كحق شخصي وتوجه جنسي، ممّا يجعل الطفل مسخّراً لخدمة رغبات الفئة المنحرفة، وما سيشكله ذلك من خطر مضاعف يهدد الطفولة، ويسمح بتفشّي الاضطراب والفوضى داخل المجتمعات. ومن هذه المنظمات، منظمة افتراضية تدعى Virtuous Pedophiles (المولعون الفاضلون بالأطفال)، وتعرّف البيدوفيليا، (الغلمانية) بأنّها "اضطراب الولع بالأطفال"، وهو اضطراب نفسي يتميّز بالانجذاب للأطفال من كلا الجنسين أو لأحدهما، من الأطفال الرضع إلى البالغين 13 سنة غالباً. وبعض المصابين يشعرون باستثارة جنسية تجاه الأطفال تدفعهم نحوهم من دون إيذائهم ثم يخامرهم القلق والخجل والذنب. وثمة مصابون يصل بهم الأمر إلى الاعتداء الجنسي والاغتصاب، وهنالك الذين يكتفون بالتحرّش بالأطفال عن طريق اللمس، والتعرية، والتقبيل لإشباع الحاجة الجنسية الملحة التي تتملّكهم. ويصنّف هذا الاضطراب في خانة اضطرابات الولع الجنسي Paraphilic Disordres حسب الدليل الإحصائي والتشخيصي الخامس للاضطرابات النفسية. يذكر أن أغلبية المصابين بالبيدوفيليا هم من الرجال. وتعدّ النساء المصابات بهذا الاضطراب حالات نادرة.

تتعدّد الحالات المشبوهة والأسباب تكمن في الانحطاط الأخلاقي والمجتمعي، وغياب الوعي وسوء التربية. ويبقى الحلّ في التحلّي ببعض العقل والأخلاق والإنسانية.