يراهن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على عودة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، فيتهرّب من قبول أيّ اتفاق مع حركة "حماس" على وقف النار وتبادل الأسرى والمعتقلين، ويطيل أمد الحرب إلى ما بعد الانتخابات الأميركية.

ويبدو واضحاً أنّ الضغط الأميركي على نتنياهو يتعاظم لدفعه إلى القبول بوقف النار، لأنّ مثل هذا الأمر قد يحقّق مصلحة انتخابية للرئيس جو بايدن أولاً، باستمالة الناخب العربي ـ الأميركي الذي كان نفر منه نتيجة دعمه لنتنياهو في حربه على غزة بعد عملية "طوفان الأقصى" ومدّه بكلّ أسباب القوة في هذه الحرب. وثانياً باستعادة الأسرى الإسرائيليين الذين بينهم من يحملون الجنسيات الغربية والأميركية، وبالتالي إخماد الثورة الطلابية التي تجتاح الجامعات الأميركية تضامناً مع الشعب الفلسطيني وتأكل من رصيده الانتخابي.

رهان على ترامب

لكن نتنياهو كان، ولا يزال، يراوغ ويناور ويرفض التسوية مع حركة "حماس"، إلى حد أنّ المفاوضات توقّفت وأسقط من يد الأميركيين والقطريين المصريين حتّى الآن اتفاق على وقف النار وافقت "حماس" عليه، وكان يمكنه النفاذ لو لم ترفضه تل أبيب في اللحظة الأخيرة، وهذا الرفض فجّر خلافاً بينها وبين واشنطن يتوقّع أن تكون له في قابل الأيام انعكاساته السلبية على العلاقات بينهما، ومنها احتمال محاولة إدارة بايدن إسقاط حكومة نتنياهو قبل آب المقبل إذا استطاعت إلى ذلك سبيلا، لأنّه ثبت لديها بالملموس أنّ رئيس الوزراء الإسرائيلي الذي يحمل الجنسية الأميركية والعضو في الحزب الجمهوري يدعم بشدة عودة ترامب إلى البيت الأبيض، لأنّه بالنسبة إليه هو الأب الروحي والسياسي لــ"صفقة القرن" التي جمّدت منذ خروجه من البيت الأبيض عندما فشل أمام بايدن الذي ينافسه الآن مجدداً طامحاً إلى ولاية رئاسية ثانية تصنّفه في خانة "الرؤساء الأميركيين العظماء".

لكن، على الرغم من أنّ بايدن يؤيّد نتنياهو في حربه للقضاء على حركة "حماس" وأخواتها حتّى ولو أدّت إلى تدمير قطاع غزة "عن بكرة أبيه"، فقد توصّل كثير من المسؤولين في إدارته إلى اقتناع بعد سبعة أشهر من الحرب بأنّ إسرائيل لم تتمكّن من ذلك إلى درجة أنّ صحيفة "نيويورك تايمز" نقلت في الآونة الأخيرة عن مسؤولين أميركيين قولهم "إنّ إسرائيل لم تدمّر حركة "حماس" ولا تستطيع، لكنّها جعلت احتمال تكرار هجوم 7 أكتوبر بعيداً". قد يكون كلام هؤلاء المسؤولين الأميركيين فيه شيء من الواقعية، لكن نتنياهو قال في مستهلّ حربه على غزة إنّ إسرائيل ستخوض "معركة تغيير وجه الشرق الأوسط"، ما دلّ إلى أنّه سيخوض حرباً طويلة حدّها موعد عودة ترامب المتوقّعة إلى البيت الأبيض بنتيجة انتخابات الخامس من تشرين الثاني المقبل. وبالتالي استئناف العمل على "صفقة القرن".

وقف نار قريب؟

لكن، في المقابل، فإنّ إدارة بايدن لا يبدو أنّها ستستكين وتخلي الساحة قبل نهاية الشهر المقبل، أي قبل أن يدخل المدار المباشر للانتخابات. وعلى هذا الأساس يتوقّع قطب نيابي بارز حصول وقف إطلاق النار في غزّة في وقت ليس ببعيد، إذ لا تزال الاتّصالات الأميركية ـ القطرية ـ المصرية تعمل على بلورته بعدما وافقت حركة "حماس" عليه، فيما إسرائيل لا تزال "تمتنع" وتناور ولم تقبل به بعد على رغم تعاظم ضغط أهالي الأسرى على حكومة الحرب للقبول بوقف النار لاستعادة أسراهم.

ويقول هذا القطب النيابي "إنّ إسرائيل خاضت الحرب على قطاع غزة بهدف القضاء على حركة "حماس" واستعادة الأسرى الإسرائيليين منها، وإذ بها تنتهي من هذه الحرب بتحرير "حماس" والقضاء على هؤلاء الأسرى". فكلّ الدلائل تشير إلى أنّ إسرائيل أُسقط من يدها إمكان السيطرة على قطاع غزة والإجهاز على "حماس" وأخواتها، وما تقوم به الآن من هجمات في رفح هو محاولات لتحقيق بعض المكاسب الميدانية لتعزيز موقفها التفاوضي وشروطها في التسوية المنتظرة، بدليل تحرّكها العسكري الميداني قبل أيام للسيطرة على معبر رفح في محاولة واضحة للضغط على الجانب الفلسطيني لتقديم تنازلات في التسوية.

"حماس" والضمانات

ويؤكّد القطب النيابي أنّ حركة "حماس" نجحت في معركتها التفاوضية، إذ فاجأت إسرائيل بقبول صيغة التسوية التي طرحها الأميركيون والمصريون والقطريون، إذ كانت إسرائيل تراهن على رفض "حماس" لكي تبرّر لنفسها تنفيذ تهديدها باجتياح رفح، وبالتالي الإطباق على قطاع غزّة برمّته. ولكن "حماس" حصلت على ضمانات أميركية ومصرية وقطرية شجعتها على إعلان موافقتها على التسوية بعدما نجحت في إدخال تعديلات إليها، ومنها إسقاط الشرط الإسرائيلي أن يكون لتل ابيب الحق في وضع فيتو على إطلاق 200 من المعتقلين الفلسطينيين في السجون الاسرائيلية، كذلك إسقاط مطلب إسرائيل بعدم إطلاق أيّ من المحكومين ممن تبقّى لهم سبع سنوات أو 10 سنوات من أحكامهم المؤبّدة، إذ إنّ إسرائيل كانت تتمسك ببقاء هؤلاء في السجن والاكتفاء بأصحاب الأحكام الطويلة. كذلك فإنّ "حماس" انتزعت ضماناً أميركياً ـ مصرياً ـ قطرياً في أنّ تعبير "الهدوء المستدام" المنصوص عنه في نص الاتفاق يعني وقف دائم لإطلاق النار.

فحركة "حماس"، يقول القطب، لم تهزم في الحرب برغم حجم الدمار والمجازر التي ارتكبتها إسرائيل ولا تزال، فهي ما برحت موجودة وهي السلطة التي تمسك بالأرض في قطاع غزّة ولا يمكن الإسرائيليين ولا ثلاثية واشنطن ـ القاهرة ـ الدوحة إنكار هذا الواقع، ولذلك كان الحلّ، ولا يزال، معها وليس مع أيّ طرف فلسطيني آخر خارج القطاع.