هي غرف سوداء يعشعش فيها المنحرفون وشياطين ما يعرف بالـDARK WEB أو الويب المظلم. هو عالم قد لا يتمكّن العقل البشري السويّ من استيعابه، أو تقّبل ما في داخله. سمعنا عنه مراراً وتكراراً، ولم يجرؤ أحد منّا على الدخول إليه من أجل معرفة خباياه، أو ما يحتويه من أسرار مروّعة وبشاعة، تؤكّد مرّة جديدة أنّ للبشر أوجهًا عدّة، بعضها قاتم ومقيت، مغمّس بأفكار مريضة تتلذّذ بأصوات الأطفال وهم يُغتصبون، وبصرخات البشر وهم يتعذّبون.

فأن تقتل إنسانًا أو تعذبه أو تفتعل به ما تفتعل، هو فعل جرمي، وأن تسجّل فعلتك وتتاجر بها هما فعلان جرميّان آخران. هذه الأفعال الجرمية عصيّة على الوصف لقباحتها ودناءة مرتكبيها.

فبعض ما كشفته التحقيقات الأمنية في ملفّ "فضيحة التيكتوكرز"، دلّ على أنّ أفراد العصابة ارتفع عددهم إلى 9 موقوفين من جنسيات لبنانية، وسورية، وتركية، وأعمارهم مختلفة، منهم القصّر، ومنهم البالغ، كانوا يستدرجون الأطفال إلى شاليه في نهر الكلب، حيث يتمّ تخديرهم، واغتصابهم، وتصوير مشاهد الاغتصاب لابتزازهم بها، وإجبارهم على إعادة الكرّة، ومن ثمّ كانوا يبيعون هذه الأفلام، بحسب ما تبيّن، في عالم "الويب المظلم".

بيع فيديوهات اغتصاب الأطفال بمبالغ خيالية

وكان رولان أبي نجم الخبير في الأمن السيبراني والتحوّل الرقمي والرئيس التنفيذي لشركة Revotips للاستشارات التقنية، أوّل من قال إنّه من المحتمل أن يكون أفراد العصابة قد باعوا فيديوهات اغتصاب الأطفال، في "الويب المظلم" حالما علم بأنّ عمليات الاغتصاب كانت تُصوّر.

وهو قال لـ "الصفا نيوز": "يفترض الخوف مليون مرة من الويب المظلم، حيث أنّ ما قد نجده في هذا العالم، أشنع بكثير مما سمعناه في قضية التيكتوكرز. فما نعرفه عن الإنترنت، الذي ندخل إليه، ليس إلّا رأس جبل الجليد. أمّا القعر فرهيب. إذ لا يقدر أيّ كان دخوله. هذه معلومة حقيقية. وحدهم الخارجون عن القانون والقراصنة والقتلة والمغتصبون وتجار السلاح وبيع الأعضاء والمتلذذون بكلِّ أنواع التنكيل قادرون على دخوله. ويحفظون ما فعلوه في فيديوهات يشتريها المهووسون بأسعارٍ لا تُصدّق. وما قد نجده في عالم "الويب المظلم" تُحظّر مشاهدته في عالم الأنترنت السطحي، (الويب العادي الذي نستخدمه جميعًا) ومنها فيديوهات اغتصاب الأطفال المحظّر عرضها حتّى على المواقع الإباحية العادية".

وكيف أُسست شبكة الـ"DARK WEB"؟ أجاب "من صنعوا الشبكة العنكبوتية فكّروا في كيفية ربط الإنسان بالإنترنت وربط البيوت بكلّ العالم، لكن، ما حدث هو أنّ كثيراً من المجرمين ارتبطوا هم أيضًا بعضهم ببعض، وشكّلوا شبكة خاصّة ربطوا أنفسهم بها. ثمّة عصابات موجودة. وهناك صعوبة في القبض عليها لأنّ المعلومات تكون مشفّرة والأسماء وهمية والابتزاز يتم بعملات مثل البيتكوين. تتبُّعُ تلك العصابات ليس سهلاً. هناك مافيات سلاح وقتلة".

ما هو الـDARK WEB؟

في تعريف ميسّر لـ"لويب المظلم"، هو جزء من الإنترنت يتيح للمستخدمين إخفاء هويتهم وموقعهم الجغرافي بعضهم عن بعض، وعن هيئات إنفاذ القانون. نتيجةً لذلك، يمكن استخدام الويب المظلم لبيع معلومات شخصية مسروقة. وللوصول إلى نطاق الويب المظلم، لا يمكننا استخدام محرّك بحث Google أو متصفحات، مثل Chrome أو Safari. بدلاً من ذلك، علينا استخدام برامج مصمّمة خصيصًا لهذا الغرض، مثل Tor أو I2P. وغالبًا ما يرتبط الويب المظلم بأنشطة غير مشروعة، مثل الاتجار بالمخدرات واختراق البيانات. علمًا أنّ الهيئات الحكومية تستخدم الويب المظلم أيضًا لمشاركة معلومات سرّية أو لتنفيذ أنشطة إيجابية أخرى.

ويشكّل "الدارك ويب" 6 في المئة من شبكة الإنترنت. وهنا يجب عدم الخلط بين "الويب المظلم" و"الويب العميق". يشير الأخير إلى أجزاء من الإنترنت لا يمكنك الوصول إليها من خلال محرّكات بحث، مثل “Google”. ينطبق ذلك على "الويب المظلم، لكنّ "الويب العميق" يشمل أيضًا صفحات لا يمكنك العثور عليها إلّا في حال الاشتراك أو "تسجيل الدخول، مثل معظم المحتوى المقدّم من Gmail و Facebook. ويحقّق "الويب العميق" ‏90 في المئة من نسبة استخدام الإنترنت. أمّا الإنترنت السطحي فيشكّل 4 في المئة من الإنترنت، وهي المواقع التي نعرفها جميعاً أو نتصفحها لمشاهدة مقاطع فيديو أو للبحث عن أي معلومة أو للتسوق عبر محركات البحث كـ"غوغل" على سبيل المثال لا الحصر.

الدخول إلى "الويب المظلم" صعب جداً

شرح خبير التحوّل الرقمي رودي شوشاني لـ"الصفا نيوز" أنّ "الدخول إلى الويب المظلم ليس بالأمر السهل، بل يتطلّب الكثير من الأدوات، والمعرفة. ويستخدم هذا الويب عادةً لأغراض غير شرعية، مثل:

- عرض بيانات حسابات المصارف والبطاقات الائتمانية والدول والشركات التي تمّت قرصنتها للبيع.

- بيع الأسلحة بشكل غير مشروع إلى أفراد وكيانات غير رسمية.

- تجارة الأعضاء البشرية.

- لجوء بعض الأشخاص إلى التواصل مع قراصنة على "الدارك ويب" لاستئجار أشخاص للانتقام من أشخاص وقرصنة هواتفهم المحمولة وتسجيل المكالمات، للبدء بابتزاز الضحايا مادياً.

- بيع مواد إباحية لأشخاص يعيشون في بلدان تجرم قوانينها نشر تلك المواد.

- تأجير أشخاص لتنفيذ أعمال إرهابية، أو اغتيال شخصية معينّة، أو قتل شخص ما.

- تداول وبيع العملات المشفرة "البيتكوين"، التي لا تخضع قيمتها لأيّ مصرف مركزي.

- تجارة الممنوعات.

- ممارسة أفعال سادية: تبثّ الألعاب على الهواء مباشرة على "الدارك ويب" وتديرها عصابات اختطفوا أشخاصاً. يبدأ المزاد بدفع أموال طائلة تصل إلى آلاف الدولارات لمن يدفع أكثر لاختيار الطريقة التي سيموت بها الضحية المختطف.

بدأت قصّة الويب المظلم، بحسب شوشاني، مع "منصّة SILK ROAD في العام 2013، وانتشرت بعدها عدّة منصّات، دخل إليها الانتربول، كصلة وصل بين الاتحاد الأوروبي والـ CIA والـ FBI واستغرق إعدادها قرابة الـ 4 سنوات لتوقيف أوّل منصة في الـ 2021 والثانية في 2022. طُوّرت "الدارك ويب" لأول مرة في منتصف التسعينيات من قبل باحثين عسكريين أميركيين بغرض حماية البيانات الحكومية والأمن القومي الأميركي وفصلها بعيداً عن الفضاء الألكتروني المتاح للجميع. كما أنّ بعض الدول والوزارات تحتفظ بياناتها عبرها. وبالتالي، فإنّ الغرض البارز من تطوير "الدارك ويب" كان حماية البيانات، لكنّه أُسيء استخدامه بعد ذلك بشكل غير مشروع".

كما توصي منظمة "مراسلون بلا حدود" الصحافيين باستخدام "الدارك ويب" عند التعامل مع مصادر للكشف عن وقائع فساد في الأنظمة التي تصنّفها "قمعية".

وقد استُخدمت خلال الثورات التي شهدها العالم العربي للتهرّب من الرقابة لإرسال مواد تغطية الاحتجاجات وأعمال الشغب إلى الصحافة الدولية. 

تحذير

وحذّر شوشاني من أساليب يستخدمها خبراء الـDARK WEB لاستدراج الأطفال منها، ألعاب يزاولونها على الإنترنت العادي أو ما يعرف بـ"الإنترنت السطحي"، ويبدأون بإرسال هدايا إلى الأطفال. كما يرسلون إليهم روابط تصفح لدخول مواقع "الدارك ويب".

وليس مستبعداً أن يتواصل أشخاص مع الأطفال عبر منصّات فايسبوك وغيرها، ويتحدثون معهم، ويتعرفون إليهم عبر غرف المحادثة الخاصة ويستدرجونهم عبر طلب مقابلتهم في مكان ما ثم اختطافهم.

وأعطى شوشاني بعض الطرائق التي تساعد الأهل في حماية أطفالهم من الوقوع ضحية قراصنة "الويب المظلم" ومنها:

أولاً، مراقبة هواتف أطفالهم، والتثبّت من التطبيقات التي يحمّلونها.

ثانياً، التقرّب من الأطفال وكسب ثقتهم ليشاركوا أهلهم جميع أخبارهم ومعرفة أين يذهبون ومع من يتحدّثون.

ثالثاً، تجنّب نشر الصور الخاصة على وسائل التواصل الاجتماعيز

رابعاً، توعية الأولاد على ضرورة عدم مشاركة معلوماتهم الرقمية الخاصّة مع أحد، والتثبّت من عدم فتح إيميلاتهم، أو حساباتهم الشخصية على حواسيب غريبة، وتوعية الأطفال على ضرورة عدم قبول طلبات صداقة من غرباء، أو التحدث مع غرباء على وسائل التواصل الاجتماعي، وعدم مشاركة صورهم الحميمة مع أي شخص، ولا حتى تصوير أنفسهم عراة على هواتفهم الذكية، التي قد تتعرّض لاختراق في أيّ لحظة، كما يجب توعية الأهل والأولاد على وجوب الانتباه للروابط التي يدخلون إليها، أو المحتويات التي يحملونها على هواتفهم وحواسيبهم، إذ قد تكون تحمل فيروساً من الممكن أن يضرب الهاتف أو يخرقه. كذلك يمكن الأهل توأمة هواتف أطفالهم مع هواتفهم الخاصة، عبر تطبيقات، تسمح لهم بالتحكم بالأنترنت، والمحتوى المسموح به".

بالأرقام

وبحسب مجلة "إنفو سكيوريتي" المتخصّصة بالشؤون الأمنية، شهد الأنترنت المظلم نمواً في عدد المستخدمين بنسبة 44 في المئة خلال انتشار جائحة كورونا.

وفي العام 2021، أعلنت ألمانيا عن تفكيك أكبر سوق للشبكات المظلمة التي استُخدمت لبيع المخدِّرات والأوراق والعملات المزوّرة والخدمات الجنسية لملايين الأطفال في العالم.

وآخر جرائم الويب المظلم، "طفل شبرا" أحمد محمد سعد (15 عاماً) الذي عُثر على جثته في إحدى الشقق السكنية في شبرا مقطّعة طولياً نصفين، وبها شقّ من الرقبة حتى نهاية البطن، وخالية من الأحشاء. ووفق التحقيقات مع الفاعل، اعترف بأنّ شخصاً مقيماً في الكويت طلب إليه اختيار أحد الأطفال لسرقة أعضائه مقابل 5 ملايين جينه مصريّ. أما اللافت فكان طلب الشخص إلى المجرم تصويرَ عمليّة قتله بواسطة تقنية "الفيديو كول"، حتى يتسنّى له بيعها ونشرها عبر المواقع الإلكترونية التي تبثّها مقابل مبالغ ماليّة طائلة.

وبالعودة إلى قضية "التيكتوكرز"، كان قد كشف الصحافي أحمد ياسين في منشور عبر حسابه على "إكس" عن أنّ إيطاليا أرسلت كتاباً قبل نحو شهرين عبر الإنتربول إلى لبنان تطلب فيه توضيحاً حول فيديوهات لقاصرين يُغتصبون وتُنشر الفيديوهات على مواقع محظورة. القصة بدأت من هنا، علماً بأن عملية اغتصاب الأطفال بقيت سنوات، من قبل الذين يُشتبه بتورّطهم في هذه القضية، وتكرّ سبحة فضحهم واحداً تلو الآخر.

وقد طلب لبنان إلى الإنتربول الدوليّ اقتفاء أثر شخصين لبنانيّين يُشتبه في أنّ أحدهما الرأس المموّل للعصابة الناشطة في لبنان على صعيد اصطياد القصّر واستدراجهم للاعتداء عليهم جنسيّاً. وقد توصّل التحقيق إلى تحديد هويّتيهما انطلاقاً من المعطيات التي توفّرت للتحقيق الأوّليّ الجاري منذ أسبوع، ودوريهما في هذه العصابة، ومآل الأشرطة المصوّرة، ومدى توافر الأدلّة على ما تناقلته بعض وسائل الإعلام بشأن الاتجّار بها في عالم الويب المظلم.