تَمْدّدُ النّزاع في الشرق الأوسط في ضوء الردّ الإيراني على إسرائيل واحتمال تدحرج الأمور إلى حرب إقليمية شاملة، يضفيان غلالة من الشكّ على فرص إعادة انتخاب الرئيس الأميركي جو بايدن لولاية ثانية، نظراً إلى الانعكاسات المحتملة على الولايات المتحدة، التي ستجد نفسها في قلب نزاع شرق أوسطي جديد.

منذ اللحظة الأولى لاندلاع حرب غزة في 7 تشرين الأول من العام الماضي، كان همّ بايدن ألّا يتوسّع النزاع إلى حرب إقليمية، تضطر معها أميركا إلى إرسال جنود لخوض حرب أخرى في الخارج. قطع الرئيس الديموقراطي عهداً على نفسه منذ دخوله إلى البيت الأبيض قبل ثلاثة أعوام ونصف العام، بإنهاء كلّ "الحروب الأبدية" التي خاضتها أميركا في العراق وأفغانستان بعد هجمات 11 أيلول 2001 على نيويورك وواشنطن.

والتزاماً بهذا التعهد سحب بايدن القوات الأميركية من أفغانستان، على رغم ما تعرّض له من انتقادات على الطريقة "الفوضوية" التي رافقت هذا الانسحاب في آب 2021. وعندما اندلعت الحرب الروسية-الأوكرانية تعهّد بايدن أن يساعد أوكرانيا عسكرياً واقتصادياً "إذا استلزم الأمر" حتّى إلحاق الهزيمة بروسيا في هذه الحرب، لكن من دون إرسال قوات أميركية للمشاركة في القتال. وفعلاً، أظهر بايدن سخاءً كبيراً في شحنات الأسلحة، وأعاد تعبئة حلف الناتو وحشد الدعم الغربي على أوسع نطاق، من دون المشاركة المباشرة في القتال، وذلك خشية الانزلاق إلى عراق آخر وأفغانستان أخرى.

مع نشوب حرب غزة فجأة، وجد بايدن نفسه أمام تحدٍ جديد ربما يفوق التحدّي الذي تشكّله أوكرانيا. وسارع إلى إظهار الدعم العسكري والسياسي والاقتصادي لإسرائيل، بعد الإخفاق الذي واجهته في 7 تشرين الأول. جسر جوي نقل إلى إسرائيل عشرات الآلاف من القذائف والصواريخ، وكلّ ما تحتاج إليه في حربها الدامية على غزة.

وفي الموازاة، كان هناك حرص من بايدن على عدم تدهور الأمور إلى حرب إقليمية. ولهذه الغاية أرسل حاملة الطائرات "جيرالد فورد" إلى المتوسط، كعامل ردع في مواجهة إيران، في حين كانت حاملة الطائرات "أيزنهاور" تجوب مياه الخليج.

وعندما بدأ الحوثيون في تشرين الثاني الماضي باستهداف السفن المتوجهة إلى ميناء إيلات الإسرائيلي أو المبحرة منه، أنشأت الولايات المتحدة تحالفاً دولياً أطلقت عليه "حارس الازدهار" لحماية الملاحة في البحر الأحمر. وشنّ الجيش الأميركي غارات على الحوثيين لإضعاف قدراتهم على قصف الناقلات والسفن التجارية العابرة من باب المندب.

وعندما تعرّض موقع للجيش الأميركي في شمال الأردن لقصف بمسيرة أطلقتها فصائل عراقية في وقت سابق من العام الجاري، ردّت واشنطن بغارات على هذه الفصائل، ليسود بعد ذلك نوع من الهدنة غير المعلنة بين الجانبين، وقيل يومذاك إنّ طهران نفسها مارست ضغوطاً على حلفائها العراقيين كي يتوقّفوا عن استهداف الجنود الأميركيين المنتشرين في العراق وسوريا، في إطار التحالف الدولي لمحاربة تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش).

المحطّة المفصلية في النزاع الدائر كانت استهداف إسرائيل القنصلية الإيرانية في دمشق في الأول من نيسان الجاري، ممّا أسفر عن مقتل سبعة من كوادر الحرس الثوري الإيراني بينهم مسؤول "قوة القدس" في لبنان وسوريا الجنرال محمد رضا زاهدي.

الضربة الإسرائيلية التي كانت أكبر من أن تمتصّها إيران، أحرجت إدارة بايدن التي سارعت إلى النأي بنفسها عنها، مع تكرار التأكيد أنّ الولايات المتحدة ستدافع عن إسرائيل إذا تعرضت لهجوم انتقامي من إيران.

وهذا ما حصل فعلاً ليل السبت الماضي، عندما أطلق الحرس الثوري الإيراني 300 مسيّرة وصاروخ نحو أهداف في إسرائيل. ولعبت واشنطن دوراً رئيسياً في إسقاطها قبل أن تصل إلى الأجواء الإسرائيلية.

سيواجه بايدن ورطة أخرى إذا اضطرّ إلى إرسال قوات أميركية إلى الشرق الأوسط

وفي مقابل هذا الدور الأميركي، كان بايدن واضحاً في المكالمة الهاتفية التي أجراها مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ليلتذاك، وخلاصتها أنّ أميركا ملتزمة أمن إسرائيل بشكل "لا يتزعزع"، لكنّها في الوقت نفسه تحضّ الدولة العبرية على عدم مهاجمة إيران، لأنّ الولايات المتحدة لن تشارك في مثل هذا الهجوم.

لكن ماذا لو لم يحجم نتنياهو عن الردّ على إيران وفق ما يؤكّد أكثر من مسؤول إسرائيلي؟

يخشى بايدن في سنة انتخابية أن تتورط أميركا في حرب شرق أوسطية في حال اتساع المواجهة بين إيران وإسرائيل. من جهة لن تتخلّى عن الدفاع عن إسرائيل وفي الوقت نفسه غير قادرة على لجم نتنياهو.

والحرب الإقليمية ستؤدّي إلى ارتفاع في أسعار النفط، وتالياً من شأن ذلك زيادة التضخّم في الولايات المتحدة في وقت باتت الانتخابات على مسافة سبعة أشهر. وهذا ما سينعكس بدوره على نسبة التأييد لبايدن.

ومن جهة ثانية، سيواجه بايدن ورطة أخرى إذا اضطرّ إلى إرسال قوات أميركية إلى الشرق الأوسط، في حال استمرار النزاع بين إيران وإسرائيل، وتعرضِ القوات الأميركية في المنطقة لقصف من إيران.

وبديهي أنّ تورطاً عسكرياً أميركياً في الحرب ضد إيران وحلفائها في المنطقة، سينعكس مزيداً من تضاؤل التأييد لبايدن في تشرين الثاني المقبل.

بعد إخفاق بايدن في حمل نتنياهو على القبول بوقف مؤقت للنّار في غزة، ها هو يواجه مأزقاً أكبر، قد يكلّفه البقاء في البيت الأبيض لولاية ثانية.