"راحت السّكرة وجاءت الفكرة"، انقضى الموسم الدرامي الرّمضاني 2024 تماماً، لا بل أطلّتْ إلى المنصّاتِ مسلسلاتٌ جديدةٌ أبرزها المعرّب والمدبلج. أمّا عن المسلسلات التي عُرضت في رمضان، فانقضى معها موسم "التراند"، لمشهد "ماستر" من هنا وحوار ملفت من هناك، وقصة نافرة. لم يعدْ الجمهور مجبراً على متابعة الأعمال في أوقات الذروة أو متأثراً بالترويج الأكبر. الآن صارت الأجواء أكثر هدوءاً بالنسبة لهُ كي يتابع ما يلفتهُ برويّة. 

هذا هو الحال بالنسبة للمسلسل السّوري "أغمض عينيك" الذي كانَ تحتَ عنوان أكبر "أغمض عينيك تراني" قبلَ انطلاق الموسم الرمضاني، ثمّ اخُتزل وصارَ "أغمض عينيك"، ورغم تحقيق العمل النّجاح في رمضان، لكنهُ لم يستطع أن يبرز كما يجب بين مجموعة المسلسلات التي لا تشبههُ. يروي "أغمض عينيك" قصّة أُم (أمل عرفة)، تتورّط بقضيّة فساد ومخدرات في أحد المصانع فتُسجن على أثرِِها، لكن تترك ولدها "جود" يتخبّطُ في الحياة، وهو مُصاب بطيف التّوحّد، ويحتاجُ لعنايةٍ خاصةٍ. تشبهُ حالة حياة الكثير من الأمهات اللواتي يشعرنَ بمسؤوليةٍ كبيرةٍ، لكن تضيف الحياة إلى ضغوطاتها عبئاً إضافياً عنوانه "السّجن" ووصمة مجتمع تلاحقُها بدءاً من والدها الذي ينكرُها. أمّا والدة حياة (منى واصف) والصّديق (عبد المنعم عمايري) والاختصاصيّة بحالة "جود" (حلا رجب)، يقفونَ حاجباً يمنعُ من وزر الحرب وأثقال المجتمع أن ترمي حملها على "جود". تخرجُ حياة من السّجن بعد سنواتٍ طويلة، لتجد ابنها قد وصلَ إلى الجامعة! يعرضُ المسلسل حالة طيف التوحّد وطرق التّعامل معها، بالإضافةِ إلى التداخلات التي قد تصيبُ المحاطين بالمصاب، سواء الجدّة أو الأُم أو المهتمين بشأنه. ويضيء المسلسل على حالةِ الأُم، التي تحبُ ابنها بصرف النّظر عن وضعه، والابن الذي لا يعرف إلاّ الحب تجاه أُمه، ودعم الجدّة للأُم والحفيد معاً. 

ليسَ غريباً على منى واصف وأمل عرفة أن تقدّما أداءً مميّزاً، لكنّ جرعة الحُب والعاطفة كانت أكبر في "أغمض عينيك".

@marlina.decor

♬ original sound - Marlina

كتبَ المسلسل لؤي النوري وأحمد الملا وأخرجهُ مؤمن الملا، فقدّموا مادةً تجمعُ بين المتعةِ البصريّة ومتعةِ الأداء والحبكة، وإتقان الأداء التمثيلي بإحساسٍ مرتفعٍ، ليُضاف إلى المكتبة الدراميّة السّوريّة والعربيّة عملاً يطرحُ قضاياه الإنسانيّة بمسؤوليّة كبيرة، فيلمسُ غشاءَ العين والقلب معاً، ويخترقهما. لذا يصحُ القول "الجمهور يفتح عينيه" بعد الموسم الرمضاني لأعمالٍ جميلة، شاهدَ بعضَ مشاهدها في رمضان أو لم يشاهدها، فيغربل غربلةً تنفعُ أكثر من أي تقييم لحظي خلالَ الموسم، تماماً كعالم الغناء، بين أغنية "هيت" لفترة، وأغنية تعيشُ لمواسم وسنواتٍ عديدة. 

لا يمكن تجاهل نجاح الأعمال الشّعبويّة، والأعمال التي طرحت قضايا مختلفة عن "أغمض عينيك" برؤية أُخرى مغايرة، ولكنّ التنوّع الدرامي ضروري، أقله كي تؤمّن للمتابع حقاً بالوصول لمواضيعٍ مختلفةٍ بطرقٍ متنوّعة، سعياً لإحداث التسلية والمتعة والفائدة والتثقيف الإنساني والإجتماعي معاً.